أ. د. عبد الله السيد (*)
فلنبدأ بقطاع الصحة أولا
جاء البرنامج الانتخابي (تعهداتي) لفخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني مستجيبا لتطلعات المجتمع، وقد وضعت الحكومة الخطط الكفيلة بتطبيقه على أرض الواقع، لكن جائحة كورونا طرحت أولويات جديدة، وسياقا وطنيا وإقليميا ودوليا مختلفا.
لذلك على الحكومة الآن أن تُحيِّن خططها، انطلاقا من الحاجة التي هي أم الاختراع، ومن المأساة التي هي المصدر الرئيس لاستعادة وعي الاستجابة لما يمليه التحدي... ويجب أن لا تكون هذه الخطط دفاعية فحسب؛ بل ينبغي عليها أن تفكر تفكير الفريق الرياضي المحترف الذي يعمل لاعبوه على سد الثغرات التي تفتحها الظروف ميدانيا، دون أن تكون أصلا في الأذهان.
أجل لم تكن ظروف بنيتنا الصحية غائبة عن البرنامج الانتخابي (تعهداتي)؛ فقد حظيت فيه بنظرات فاحصة، لكن جائحة كورونا أبانت ضرورة العناية أكثر بهذه البنية عناية شاملة؛ تنطلق من المنظومة القانونية مرورا بالإطار البشري، والتقني والمؤسسي؛ حتى تكون هذه السنة سنة الصحة بلا منازع، تتحقق فيها الأمور التالية:
أولا: العمل على تحسين البنية الصحية القائمة؛ باقتناء التجهيزات الناقصة، واعتماد برنامج للتكوين المستمر، واكتتاب كل الأطباء والممرضين، والتعاقد مع المتقاعدين من ذوي الخبرة، وتوسيع الطاقة الاستيعابية لكلية الطب ومدارس الصحة.
ثانيا: أن يعاد النظر جذريا وعاجلا في ظروف عمال قطاع الصحة؛ فيمنحون رواتب وحوافز قادرة على المنافسة عالميا؛ حتى نستطيع الحفاظ على رصيدنا من هذه الخبرة النادرة، ونتمكن من اختيار الخبرات التي نحتاجها في هذا القطاع؛ لأن الدول العظمى بدأت الآن في فتح المجال للأطباء والممرضين للإقامة فيها.
ثالثا: أن تشمل المنظومة القانونية التفريق بين القطاع العام والقطاع الخاص تفريقا كاملا؛ بحيث يختار الإطار البشري ولوج أي منهما، ولا يمكنه الجمع بينهما، حتى يجد وقتا للراحة والبحث.
رابعا: تعميم الضمان الصحي ليشمل كل المقيمين إقامة شرعية فضلا عن المواطنين؛ بحيث يكون ما يدفعه المريض في المصحة العمومية هو نفس ما يدفعه في الخصوصية، نتيجة لضبط الرقابة على مستوى جودة الخدمات وتوحيد الأسعار.
خامسا: العمل على إنشاء مركب طبي في وسط البلاد يشمل جامعة نموذجية فيها: كلية للطب البشري مكتملة الأقسام، وأخرى للصيدلة، وثالثة للطب البيطري؛ بالإضافة إلى مستشفى جامعي كبير، وسكن راق للطواقم الطبية والطلابية والعمال الآخرين، وأن تعمد الحكومة على تخصيص الموارد المالية لاختيار طاقم هذا المركب من خيرة الكفاءات العالمية؛ حتى نتمكن من تكوين كادر بشري قادر على المنافسة، ونتحول مستقبلا من دولة يطرق أبناؤها كل أبواب العيادات الخارجية إلى دولة نموذج في الرعاية الصحية على مستوى قارتها.
يمكن أن يقال لي هذه أفكار غير واقعية؛ لأنها تتطلب موارد كبيرة لا يمكن لميزانية الدولة توفيرها... أقول مادامت ضرورية لا قوام للصحة بدونها فيجب أن نفكر فقط في كيفية تمويلها...
كما يمكن أن ينظر البعض في استحالة حصولنا على خبرة طبية عالمية يتخلص أصحابها من عقود مغرية في دول كبيرة للعمل في بيئة صعبة ذات ظروف مناخية خاصة... أقول حين نرى ضرورة استجلاب الخبرة العالمية سندرس ظروفها وعندها نعلن عروضا قادرة على المنافسة، وبكل تأكيد سنجد نصيبنا من تلك الخبرة.
____
(*) مثقف وأكاديمي موريتاني كبير ومدير بيت الشعر في نواكشوط
مواد ذات صلة: