إعلانات

أطفال غانيون اختطفوا في حملات دعمتها منظمة تكافح العبودية

خميس, 13/07/2023 - 08:33

 

 

فاطمة البالغة من العمر 11 عاماً، أُخذت من منزل عائلتها في منتصف الليل

 

 

 

 

  • Author,كيارا فرانكافيلا وكواكي أفريه-نعمة وكينكينهيني بواتينغ
  • Role,بي بي سي عين أفريقيا

 

خُطف أطفال غانيون من منازلهم في عملية دعمتها إحدى المنظمات العالمية - غير الحكومية - الرائدة في مكافحة العبودية، وفقاً لتحقيق أجراه برنامج "Africa Eye" عين أفريقيا في بي بي سي.

وتهدف البعثة الدولية للعدالة (آي جيه إم)، التي تتلقى تمويلاً بملايين الدولارات، إلى إنقاذ الأطفال الذين يتم الاتجار بهم وإعادتهم إلى عائلاتهم، ولكن أثيرت مخاوف جدية بشأن عملياتها في غرب أفريقيا.

بعد منتصف ليل 6 سبتمبر/أيلول عام 2022 بقليل، خرج موسى مصطفى، من كوخه المسقوف بالقش لقضاء حاجته ورأى أربع سيارات مسرعة باتجاه قريته الصغيرة.

وكانت موغيينا بالكاد تُعتبر قرية، مع وجود عدد قليل من المنازل العائلية وعشرين شخصاً في المجموع، كان الأمر أشبه بنقطة في وسط مساحة من الأراضي الزراعية في شمال غانا، كانت السيارات مشهداً نادراً خلال النهار، ناهيك عن الليل، وهو ما دفع موسى للاختباء خلف شجرة وبدأ يرقُب، وعندما رأى مسلحين يترجلون من السيارات ويقتربون من منزلين، صرخ في محاولة لإيقاظ السكان الآخرين.

ولكن قبل أن يتمكن أي شخص من التصرف، دخل الرجال إلى الأكواخ وأخذوا أربعة أطفال بالقوة، حاملين فاطمة البالغة من العمر 11 عاماً من ذراعيها وساقيها، من الغرفة التي كانت تنام فيها مع جدها وجدتها.

 

قصص مقترحة نهاية

وفي محاولة لثني المسلحين عن عمليتهم، وجهت جدة فاطمة، سانا، مسدساً نحو عنقها، وتوسلت لهم، ولكنها لا تفهم لماذا يتم أخذ الأطفال بعيدا، كما تم أخذ اثنين من أبناء عمومة فاطمة، وخشيت سانا أنها لن ترى أقرباءها مرة أخرى.

في نظر سكان قرية موغيينا، تُعد هذه عملية اختطاف عنيفة.

لكن هذه لم تكن عملية اختطاف.

بل كانت عملية إنقاذ رسمية، نفذها ضباط شرطة غانيون بموجب قانون مكافحة الاتجار بالبشر في غانا، وتم نقل الأطفال إلى رعاية الخدمة الاجتماعية.

تم تنظيم هذه العملية بواسطة منظمة آي جيه إم.

وتعد واحدة من أبرز منظمات مكافحة الاتجار بالبشر في العالم، بتمويل بلغ حوالي 100 مليون دولار سنوياً على مدى السنتين الماضيتين.

في المملكة المتحدة، تقول البعثة الدولية للعدالة، إنها تحظى بدعم ما يقرب من 300 كنيسة، كما جمعت أكثر من 280 ألف دولار العام الماضي، من الكنائس والمتبرعين الآخرين، في بريطانيا لدعم الأنشطة في غانا.

ووفقاً لتحقيق بي بي سي أفريقيا، تقوم المنظمة بأخذ بعض الأطفال من أسرهم في حالات يوجد فيها أدلة شحيحة أو معدومة على الاتجار بالبشر، وقد يكون هذا النهج العدواني مدفوعاً بثقافة التركيز على تحقيق الأهداف داخل آي جيه إم.

وقد تم العثور على حالتين وُثقتا، لعمليات إنقاذ تم فيهما إبعاد الأطفال بقوة وبشكل مؤذٍ وغير عادل عن أسرهم، وواحدة من هذه الحالات كانت لفاطمة.

في غانا، تركز آي جيه إم، على إنقاذ الأطفال الذين تم الاتجار بهم للعمل كعمال رقيق في بحيرة فولتا، وهي واحدة من أكبر البحيرات الصناعية في العالم.

أناسٌ يسحبون قارباً إلى الشاطئ

رؤية الأطفال يعملون على شواطئ بحيرة فولتا أمر شائع

 

 

يعتمد حوالي 300 ألف شخص، على البحيرة لتوفير قوت يومهم، ويعمل الأطفال في صناعة الصيد المحلية تحت درجات مختلفة من الاستغلال: بعضهم يدعمون أسرهم في الصيد، بينما يتم توظيف البعض الآخر للعمل تحت قيادة ملّاحي القوارب بأجور ضئيلة أو بدون أجر.

هناك شح في البيانات المستقلة، حول مدى انتشار مشكلة الاتجار بالأطفال على بحيرة فولتا، وأظهرت دراسة قامت بها آي جيه إم، عام 2016، أن أكثر من نصف الأطفال العاملين على البحيرة كانوا ضحايا الاتجار بالبشر.

في عام 2015، بدأت المنظمة الخيرية بإنقاذ الأطفال الذين تم رصدهم في قوارب التجديف (الكانو) في البحيرة، لكن في عام 2018، قامت المنظمة بتحويل استراتيجيتها إلى مداهمات ليلية على المواقع الساحلية، حيث يقال إن الأطفال يُحتجَزون فيها خلال الليل.

المداهمة التي جرت تلك الليلة في قرية موغيينا، كانت واحدة من تلك المهمات، وأطلق عليها اسم "عملية قمة التلة".

بدأت بي بي سي عين أفريقيا، التحقيق في عمل آي جيه إم، بعد مخاوف من طبيعة عمل المنظمة في غانا، وقامت بتجنيد مراسل متخفى في فريق المنظمة.

عندما تكشفت تفاصيل "عملية قمة التلة"، تمكنا من مراقبة محادثات أفراد الفريق على مجموعة واتساب تابعة للمنظمة. كما حصلنا على وثائق خدمة الرعاية الاجتماعية المتعلقة بالقضية، ما منح بي بي سي عين أفريقيا رؤية فريدة وغير مسبوقة لتخطيط وتنفيذ وآثار مهمة الإنقاذ التي قامت بها آي جيه إم.

تلك الأدلة تظهر أنه في حين كانت آي جيه إم، تخبر شركائها في قوات الشرطة وخدمات الرعاية الاجتماعية بأن الأطفال الأربعة قد تم الاتجار بهم، توصلت المنظمة إلى استنتاج داخلي مُغاير.

صرح مسؤول قانوني في آي جيه إم، من خلال رسالة داخلية أرسلت بعد الغارة أن المنظمة قد استنتجت بالفعل أنه لا توجد "عناصر للاتجار بالبشر" في حالة فاطمة واثنين من الأطفال الآخرين الذين تم اختطافهم تلك الليلة من موغيينا.

ووفقاً للموظف القانوني، حالة واحدة فقط من أصل الأربع حالات، وهي حالة ابن عم فاطمة، محمد، تتضمن عناصر للاتجار بالبشر، وهذا استنتاج محل خلاف من قِبَل عائلة محمد.

ومع ذلك، تم تنفيذ المهمة لأخذ جميع الأطفال الأربعة ،الذين تتراوح أعمارهم بين خمسة و11 عاماً، لأن آي جيه إم، قد استنتجت أن الأطفال معرضون لخطر استخدامهم في عمل الأطفال، وهو أمر خطير، ولكنه لا يبرر القيام بمداهمة عدوانية كهذه.

وأشارت الرسائل الداخلية، إلى أنه نظراً لأن الأطفال لم يكونوا في المدرسة و"يعملون خلال الساعات التي تنص القوانين على ألا يعملوا فيها، ويعانون من سوء الصحة، كان هناك حاجة لإنقاذهم لأنهم يستخدمون لأغراض عمل الأطفال".

تم إيواء فاطمة والأطفال الثلاثة الآخرين، في مأوى تابع للمنظمة، حيث تم فصلهم عن أقاربهم لأكثر من أربعة أشهر، قبل أن يتوصل تحقيق من قِبَل خدمات الرعاية الاجتماعية في غانا، إلى استنتاج أن الأطفال لم يتم الاتجار بهم ويجب لم شملهم مع عائلاتهم.

 

مجموعة صغيرة من المباني في قرية موغيينا كما تُرى من الجو

 

تتكون قرية موغيينا من عدد قليل من منازل العائلات

 

عادت فاطمة الآن إلى قريتها، تحت رعاية جدتها سانا، في حين قرر والد محمد، أن يعيش الصبي في مكان آخر، وقرر والد الطفلين الآخرين نفس الشيء.

عندما قام فريقنا بزيارة موغيينا، بعد خمسة أشهر من عملية الإنقاذ، أخبرهم القرويون هناك أنهم سعداء بعودة الأطفال، لكنهم أكدوا أن آثار عملية "قمة التلة" لا تزال ماثلة أمامهم.

وبينت فاطمة، بأنها كانت خائفة من أن فريق بي بي سي، قد جاء لأخذها مرة أخرى، وكانت مرعوبة وبدأت في البكاء وقالت الطفلة البالغة من العمر 11 عاماً عن ليلة عملية قمة التلة، "ظننت أنهم سيأخذونا ليقتلونا، لم نكن نعلم إلى أين سيأخذونا".

وأثناء وجودها في المأوى، كانت تعتقد أن "جدها، وجدتها، وأعمامها قد توفوا"، وأضافت: "عندما تم نقلي، بكيت كثيراً وأنا أفكر في عائلتي".

تم اعتقال عمي فاطمة، نانتوغما أبوكاري وسيبو الحسن، خلال العملية.

وقد حوكما بتهمة الاتجار بالأطفال وعمالة الأطفال وأنفقوا كل مدخراتهم لحضور جلسات المحاكمة ودفع كفالة الإفراج عنهما. فكل رحلة إلى المحكمة كلفتهم أكثر من 132 دولاراً للتنقل أي ما يعادل عمل شهرين تقريباً.

تعتبر المحاكمات جزءاً أساسياً من نموذج آي جيه إم لمكافحة العبودية، حيث تؤكد المنظمة الخيرية أنها تعمل كرادع، وتشير وثائق المحكمة إلى أن محامٍ تابع لـ آي جيه إم، تولى مهام المدعي العام في إحدى جلسات المحكمة.

رداً على استفسارات بي بي سي، حول قضية فاطمة، أكدت آي جيه إم، أن مهمتها تمكنت بنجاح من نقل الأطفال الأربعة إلى مكان آمن مع آبائهم.

ماوسي أملادي

تم سجن ماوسي أملادي خطأً بتهمة الاتجار بالأطفال

 

خلال بي بي سي عين أفريقيا، في عملية قمة التلة، لفت انتباه الصحفيين في بي بي سي، مشكلة إنقاذ ثانية، ففي عملية تمت عام 2019، تم إبعاد طفل وشقيقه من عائلتهما، ما أدى إلى حكم بالسجن لمدة خمس سنوات على والدتهما، ماوسي أملادي، بتهمة الاتجار بالأطفال.

وصفت السيدة أملادي، أن أصعب جوانب السجن إيلاماً، كان الانفصال عن أطفالها، دون معرفة ما حدث لهم.

قالت لبي بي سي عين أفريقيا: "لم أكن أعلم أين تم أخذ أطفالي، كنت أفكر فيهم بشكل مستمر، أكثر من أي شيء آخر".

وفي تطور غريب للأحداث، بعد مرور عامين، تم إلغاء إدانة السيدة أملادي، بعد تدخل منظمة غير حكومية أمريكية أخرى، تُدعى معهد سودرو للعدالة العالمية وهي شريكة لـ آي جيه إم.

لم تقم منظمة سودرو، فقط بإطلاق سراح السيدة أملادي من خلال إجراءات الاستئناف، بل قامت أيضاً بالإعلان عن قضيتها في حملة لجمع التبرعات لها كحالة تم إساءة استخدام العدالة فيها.

في منشور على منصة إنستغرام - تم حذفه لاحقاً- وصف حساب سودرو الرسمي السيدة أملادي بأنها "أم لطفلين أدينت ظلماً في جريمة خطيرة".

وبعد مرور أربع سنوات، لم يتم لم شمل السيدة أملادي بطفليها إلى الآن.

قالت منظمة سودرو لبي بي سي، إنها تعمل بشكل مستقل عن آي جيه إم، على الرغم من الشراكة بينهما، وأنه لا يوجد أي تضارب في المصالح.

في بيان، أعلنت آي جيه إم، أنها "لا تقرر ما إذا كان يتم متابعة قضية وجود اتجار بالأطفال محتملة، أو ما إذا كان يتم اعتقال أو متابعة أي فرد بتهم معينة".

انضم المراسل المتخفي، الذي يعمل ضمن فريق بي بي سي عين أفريقيا، إلى عدة محادثات قد تساعد في تفسير ما كان يحدث من أخطاء في منظمة خيرية كانت مهمتها مساعدة الفقراء.

في محادثة تم تصويرها سراً مع أحد كبار موظفي آي جيه إم، قيل للصحفي أن موظفي آي جيه إم، يحتاجون إلى إنقاذ عدد محدد من الضحايا وتأمين عدد محدد من الملاحقات القضائية كل عام، وقال موظف آخر، إنه يتم منع زيادات الرواتب لموظفي آي جيه إم، أو أنهم معرضون للفصل إذا لم يصلوا إلى هذه الأهداف.

في محادثة منفصلة، سأل المراسل أحد الذين يعملون بوظيفة محقق في آي جيه إم، ماذا سيحدث إذا كان الموظفون في المهمة غير قادرين على أخذ الأطفال، رد المحقق: "لا يمكننا القول إننا لم نحصل على واحد حتى، نحن بحاجة إلى الحصول على بعضهم".

قام الدكتور سام أوكيري، أستاذ جامعي كبير من جامعة بريستول، الذي عمل في بحيرة فولتا، في إجراء بحوث ميدانية حول عمليات إنقاذ الأطفال، بمراجعة المحادثات المسجلة سراً وأعرب عن قلقه بشأن الثقافة الواضحة التي تركز على تحقيق الأهداف.

وأفاد الدكتور أوكيري، لبي بي سي، بأن الوظائف في آي جيه إم، مطلوبة وتُدفع بأجور جيدة.

وأكد الدكتور أوكيري،: "مخاوف فقدان وظيفة مرغوبة تدفع الناس إلى بذل جهود إضافية لتحقيق الأهداف المرسومة".

 

سيارة تعبر الجسر

منزل فاطمة في موغيينا يقع في منطقة نائية تبعد عدة ساعات بالسيارة عن أقرب مدينة كبيرة

 

 

بخصوص ادعاءات ثقافة تحقيق الأهداف، صرحت المنظمة الخيرية قائلة: "تحدد آي جيه إم، الأهداف من أجل تقييم التأثير، حتى نتمكن من تقديم الدعم الأكثر فعالية للسلطات لوقف اتجار الأطفال".

نفت آي جيه إم، معاقبة الموظفين إذا فشلوا في تحقيق الأهداف.

وأوضحت أن فريق آي جيه إم، في غانا، يتألف من أشخاص غانيين، يقودون ويعملون مع السلطات الغانية، لإنقاذ الأطفال المتاجر بهم ومساعدة الناجين في استعادة سلامتهم الجسدية والعقلية ووقف أولئك الذين يستغلون الأطفال بشكل غير قانوني.

وأضافت: "نهجنا دائماً يضع رفاهية الطفل في صميم أولوياته، العمليات الـ 76 التي دعمتها آي جيه إم، في غانا أدت إلى إنقاذ مئات الأطفال ونقلهم إلى بر الأمان بواسطة السلطات الغانية".

 

قامت آي جيه إم، بإصدار مقاطع فيديو ترويجية سينمائية، لعملها في غانا. في أحد الفيديوهات، يقوم الممثلون بتجسيد اللحظة العاطفية عندما يتم لم شمل صبي مع جده بعد إنقاذه من البحيرة. وفي المواد التسويقية الخاصة بالشركة المنتجة للفيديو، ذكرت أنها ساهمت في جمع حوالي 1.25 مليون دولار في تبرعات لصالح آي جيه إم.

ولكن عندما تم السماح لفاطمة، وهي طفلة عاشت تجربة حقيقية بالعودة إلى قريتها، لم يكن هناك مثل ذلك العناق.

توفي جدها، الذي شاهد وصول رجال مسلحين إلى منزله واختطاف حفيدته، بينما كانت فاطمة في المأوى.

صرحت فاطمة قائلة: "كان جدي محباً جداً، كان يعطينا الهدايا، عندما عدت، كنت أبكي وأتساءل، منذ أن غادرنا جدي، أين سنراه مرة أخرى؟".

شارك في التغطية يحيى مسعودو وأليوم ليروي.