إعلانات

وحشية الغرب.. الدانمارك سرقت أبناء السكان الأصليين وعقرت نساءهم

سبت, 22/10/2022 - 03:41

هشام ناسيف

 

لا تكاد صفحات التاريخ الاستعماري لأي من قوى الغرب التي تتفاخر في أيامنا هذه بأنظمتها الديمقراطية و"احترامها" لحقوق الإنسان، تخلو من فصول قاتمة امتهنت كرامة وآدمية الشعوب المستعمَرة.

يشهد على ذلك مثلا ماضي فرنسا الاستعماري في الجزائر، وإبادة شبه كاملة للهنود الحمر على يد الرجل الأميركي الأبيض، وصولا لمقابر العار الجماعية للأطفال التي كشفت مؤخرا سوءة الكنديين وماضيهم المخجل.

لكن أمثلة هذا الاضطهاد والمس بكرامة الشعوب الأصلية تكاد لا تنتهي، إذ أظهرت تقارير حديثة ممارسات استعمارية يندى لها الجبين في الدانمارك، البلد الإسكندنافي الذي غالبا ما تقترن صورته برغد العيش ويتبوأ صدارة بلدان العالم في مؤشرات "السعادة".

بيد أن سعادة الدانماركيين بُنيت -على ما يبدو- على أنقاض تعاسة وبؤس شعوب أخرى، حيث اتفقت حكومة هذا البلد مؤخرا وبشكل رسمي مع السكان الأصليين لغرينلاند (شعب الإنويت أو الإسكيمو) على بدء التحقيق في فصل مأساوي من تاريخ البلد الاستعماري، شهد ممارسات قسرية لتحديد النسل خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي على آلاف من بنات ونساء الإنويت.

وتعتبر غرينلاند، وهي الجزيرة الأكبر مساحة في العالم، تقسيما إداريا يحظى بحكم ذاتي داخل مملكة الدانمارك منذ عام 1979، وتقع بين المحيط المتجمد الشمالي والمحيط الأطلسي، شرق أرخبيل القطب الشمالي الكندي.

 

 

قبائل الإنويت تعيش في غرينلاند التي تعد الجزيرة الكبرى على الإطلاق في العالم (غيتي)

 

 

ألم جسدي وعاطفي

وتشير الوقائع التي كشفت عنها في بادئ الأمر مواقع إعلامية دانماركية، إلى أنه جرى في تلك الفترة تركيب جهاز داخل الرحم، "آي يو دي" (IUD) المعروف باسم اللولب، للآلاف من نساء وفتيات الإنويت دون دراية منهن بوظيفته أو جدواه، من أجل حرمانهن من القدرة على الإنجاب.

وستفحص لجنة مختصة ممارسات منع الحمل القسري هذه التي نفذتها السلطات الصحية الدانماركية في غرينلاند، وفي مدارس في الدانمارك كانت بها طالبات من قومية الإنويت.

 

وقال وزير الصحة الدانماركي ماغنوس هونيك -في بيان صدر مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري- إن التحقيق سيسلط الضوء على القرارات التي أدت إلى هذه الممارسة، وكيف تم تنفيذها؟

وقال إنه التقى بالعديد من النساء المتضررات، و"إن الألم الجسدي والعاطفي الذي تعرضن له لا يزال مستمرا حتى اليوم".

ووفقا لمجلس حقوق الإنسان في غرينلاند، فقد تم انتهاك الاتفاقيات المتعلقة بالحياة الأسرية والخصوصية من خلال هذه الممارسات.

ويقول رئيس المجلس "نحتاج إلى التحقيق في الأمر لمعرفة ما إذا كان ما حدث في الواقع إبادة جماعية"، مضيفا أننا "لا نريد تقريرا لتبرئة الذمة".

وقد أظهر تسجيل صوتي "بودكاست" (Podcast) صدر حديثا في إطار حملة اصطلح عليها اسم "سبيرالكامغنن" (Spiralkampagnen)، أي "حملة اللولب" باللغة الدانماركية، سجلات تشير إلى أن ما يبلغ 4500 امرأة وفتاة، أي حوالي نصف جميع الإناث في مرحلة الخصوبة حينئذ في غرينلاند، زرع لهن لولب بين عامي 1966 و1970، لكن هذا الإجراء القسري استمر بعدها حتى منتصف السبعينيات.

 

ومن بين المتضررات، وفق ما ذكر تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" (BBC)، فتيات لا تتجاوز أعمارهن 12 عاما، وصرح العديد منهن علنا بأنه لم يتم إبلاغهن بشكل صحيح بالأمر، كما تشك بعض النساء اللائي أصبن بالعقم في أن اللوم يقع على اللولب.

 

 

شهادات صادمة

وأوردت الهيئة شهادات صادمة لنساء طاعنات في السن، وهن يروين ما تعرضن له وهن فتيات في مقتبل العمر.

ومن هؤلاء نجا ليبرث التي طلب منها طبيب دانماركي في سبعينيات القرن الماضي، وكان عمرها آنذاك كما تستذكر 13 عاما، أن تذهب إلى مستشفى محلي لزرع لولب بعد أن قامت بالفحص الطبي الروتيني في مدرستها.

وتقول ليبرث، التي كانت تعيش حينها في مانيتسوك وهي بلدة صغيرة على الساحل الغربي لغرينلاند، "لم أكن أعرف حقا ما هو اللولب، لأن الطبيب لم يشرح لي الأمر أو يحصل على إذني.. كنت خائفة ولم أستطع إخبار والدي، لقد كنت عذراء".

وتضيف "يمكنني أن أتذكر الأطباء في المعاطف البيضاء، وربما كانت هناك ممرضة، ورأيت الأعمدة المعدنية التي تمد ساقيك عليها، كان الأمر مخيفا للغاية، وكانت المعدات التي استخدمها الأطباء كبيرة جدا على جسدي الصغير، كان الأمر مثل غرس سكاكين بداخلي".

 

وتؤكد ليبرث أنه لم يتم الحصول على إذن والديها قبل عملية الزرع، وأن زميلاتها في الفصل تم نقلهن هن أيضا إلى المستشفى، لكنهن لم يتحدثن في الأمر "لأنه كان صادما للغاية".

 

الإنويت يقيمون مهرجاناتهم الثقافية الخاصة التي تخلد تاريخ وإرث أجدادهم (شترستوك)

 

 

ضحايا أخريات

تركيب جهاز التعقيم القسري لم يقتصر فقط على غرينلاند، بل إن أطباء دانماركيين آخرين أجروا عمليات مماثلة في مناطق أخرى من الدانمارك، كما تؤكد ذلك أرنانغواك بولسن، التي كانت ضحية أخرى لهذا الإجراء حينما كانت عام 1974 طالبة بمدرسة داخلية لأطفال غرينلاند في جزيرة بورنهولم النائية ببحر البلطيق.

تقول أرنانغواك بولسن (64 عاما) إنها عانت من الألم نتيجة تركيب اللولب عندما كانت مراهقة، مضيفة "لم يسألوني قبل الإجراء، ولم يكن لدي أي فكرة عما يدور حوله الأمر، أو ما هو اللولب؟".

وتصف بولسن الآلام والمعاناة التي عاشتها، وتقول إنها تمكنت من إزالة اللولب عندما عادت إلى غرينلاند وكان عمرها حينئذ 17 عاما، وتقول باكية "أشعر أنني لم أحصل على حق الاختيار في ذلك الوقت، ولا يمكنني قبول ذلك.. كيف سيكون رد الناس إذا كان ذلك قد حدث لامرأة دانماركية؟".

شهادة صادمة أخرى أدلت بها كاترين جاكوبسن، من نوك عاصمة غرينلاند وكبرى مدنها، لموقع "بي بي سي" أكدت فيها أنها كانت تبلغ من العمر 12 عاما فقط عندما تم تركيب لولب لها، وتتذكر أن صديقة أحد أقاربها أخذتها إلى الطبيب في عام 1974.

وتقول إن اللولب ظل بجسدها لمدة عقدين تقريبا، مما تسبب لها في آلام وسلسلة مضاعفات انتهت باستئصال رحمها في أواخر الثلاثينيات من عمرها.