إعلانات

بعد سقوط صدام حسين... زواج "الفصلية"  ينكل بحرائر العراق

أربعاء, 20/04/2022 - 08:40

المصدر: TRT عربي

 

رغم كل القوانين والتشريعات التي منعته وشدّدت على المحاسبة بموجبه، لا يزال اليوم كثير من نساء العراق يُزَوَّجن قسراً، دِيةً لمنع حروب بين العشائر المتنازعة، ويُستخدمن لحقن دماء أبنائها.

لطالما كانت المرأة في جميع أنحاء العالم ضحية للحروب والمعارك، وإلى اليوم ورغم المدنية والقوانين والتشريعات، تُستخدم المرأة في عدة مدن ريفية وقبائل عشائرية في العراق كقربان لفضّ كثير من النزاعات ولنزع فتيل حروب محتدمة بين القبائل، تحت اسم "زواج الفصلية" أو "زواج الدية".

ولم يكن بإمكان كثيرات الاعتراض، أو النجاة من قرار أهاليهن وذويهن تزويجهن من أعدائهم، ليتعرضن هناك أيضاً لاضطهاد وظلم مستمر، أودى في أحيان كثيرة بحياة كثيرات منهن، وحوّل حياة البقية إلى جحيم لا يُحتمل، لا يمكنهن تخفيف وطأته إلا بإنجاب صبي.

وأمام بشاعة وفداحة هذا النوع من الزيجات، تستمرّ الحملات الحقوقية داخل العراق وخارجه، لوقفه وإنقاذ الفتيات من براثن أعراف العشيرة التي يُجمِع كثيرون على وصفها بـ"المجحفة".

زواج الفصلية يعود إلى العراق

في ظلّ ما يعتبره كثيرون ضعف الدولة وسيطرتها، كان للعشائر قوتها وأعرافها. وكانت في فترات الخصام والنزاع لا تلجأ إلى الدولة، بل تحتكم إلى الفصل كعرف عشائري شائع بينها، أصبح مع مرور الوقت بمثابة القانون الذي تتناقله القبائل جيلاً بعد جيل منذ قرون. وهو عبارة عن غرامة أو تعويض معيَّن، تُقِرُّه مجموعة تفاوض لحلّ النزاعات سلمياً.

وفي هذا السياق يندرج زواج الفصلية أو زواج الدية، وتطلب فيه العشيرة التي المعتدَى عليها من العشيرة المعتدية تزويجهم امرأة من بينهم تُسمَّى الفصلية. وبموجب هذا الاتفاق تصبح المرأة الفصلية زوجة قانوناً وشرعاً، إلا أنها تتعرض غالباً لمعاملة مهينة باعتبارها مجرد ثمن مقبوض، دون أن تملك حقاً في الاعتراض أو طلب الطلاق، وحتى إنها تُجرَّد غالباً من جميع حقوقها.

وتعتبر العشائر أن عرف الفصلية، هو الحلّ الأمثل لإنهاء النزاعات وإصلاح ذات البين بين العشائر.

وقد ظلّت القبائل العراقية تحتكم إلى هذا العرف سنين طويلة، وأصبح راسخاً في عديد من الأرياف، بخاصة في جنوب العراق. إلا أن الدولة سنّت قوانين وتشريعات صارمة لتجريمه، في خمسينيات القرن الماضي، وأصبحت الرقابة مشدَّدة على عرف الفصلية، الذي بدأت تقلّ نسب تطبيقه بين العشائر.

ولكن بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، ونتيجة ضعف تطبيق القانون وانتشار الجماعات المسلحة، وتسييس القضاء الذي فقد فيه كثيرون الثقة به، والتمكين للعشائر كمكوِّن سياسي مهمّ، وتأييد الحكومة أحياناً للعرف العشائري عجزاً منها عن الفصل في كثير من القضايا المعقدة والعالقة بين القبائل، عادت الناس من جديد للاحتكام إلى العشائر في فضّ نزاعاتهم، وعاد العمل من جديد بعرف زواج الفصلية الذي شاع على فترات مختلفة بين القبائل العراقية.

ومؤخراً عام 2015، في حادثة هزّت الأوساط الحقوقية، في شمال البصرة، زُوّج نحو 40 امرأة قسراً لعشيرة أخرى، بهدف إنهاء نزاع مسلح، في محافظة البصرة جنوب العراق، التي انتشر فيها السلاح بشكل كبير، وتلا ذلك عدة حوادث مماثلة، في انتهاك صارخ لحقوق المرأة العراقية، بمسمى العرف العشائري والتضحية لحقن الدماء.

إدانة حقوقية وعجز قانوني

يقول حقوقيون عراقيون إن القانون العراقي اليوم أصبح عاجزاً عن وقف هذه الممارسات أو التدخل فيها في ظلّ الانفلات الأمني الذي تعيشه البلاد منذ عام 2003، لتستغلّ العشائر العراقية ضعف الدولة "لابتزاز" حياة كثيرين والعمل على تقوية نفوذها على حساب حقوق المواطنين.

ولا يُعتبر زواج الفصلية، المجرَّم قانونياً والذي عاد بقوة في السنوات الأخيرة، إلا مؤشراً إضافياً على ضعف الدولة في وقف هذه الممارسات العشائرية ضد النساء، التي تجمع مؤسسات حقوقية وجهات رسمية على أنها مرفوضة اجتماعياً وحقوقياً إلى جانب تجريمها رسمياً وقانونياً.

ومن جانبهم، عبّر رجال الدين في العراق ومنظمات المجتمع المدني والناشطون الحقوقيون عن استنكارهم لهذا العرف باعتباره مخالفاً للقانون العراقي، وانتهاكاً لحقوق المرأة. في سياق متصل اعتبرت إحدى الناشطات الحقوقيات العراقيات أن تسليم النساء ثمناً لإنهاء نزاع عشائري، يُعَدّ جريمة يعاقب عليها القانون العراقي وفق المادة 9 من قانون الأحوال الشخصية مرقم 188.

وتنصّ هذه المادة على معاقبة من يُكرِه شخصاً، ذكراً كان أم أنثى، على الزواج بلا رضا منه، أو منعه من الزواج بالحبس لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بالغرامة، إذا كان المكره أو المعارض أقارب من الدرجة الأولى. أما إذا كان المعارض أو المكره من غير الدرجة الأولى فتكون العقوبة السجن لمدة لا تزيد على عشر سنوات أو الحبس لمدة لا تقلّ عن ثلاث سنوات، باعتبار أن عقد الزواج وقع بالإكراه.

ولكن هذه القوانين أصبحت مجرد حبر على ورق بسبب الخوف من العشائر التي تنامت قوتها أمام ضعف الدولة، وضعف الحكومات المتعاقبة على العراق منذ عام 2003.

ويواصل كثير من الحقوقيات والنساء العراقيات نضالهن لوقف هذه الممارسة التي يقولون إنها "تمتهن المرأة وتحرمها حقوقها"، وتعرّضها لأبشع أنواع الظلم، كما أن زواج الفصلية في الوقت ذاته يهدّد النسيج المجتمعي في العراق بالتفكك، فعديد من النساء اضطُررن إلى الهرب للتخلص من المعاملات المهينة التي تَعرَّضن لها بسبب زواج الفصلية الذي أودى بحياة كثير منهن.