إعلانات

هذه الإعلامية الجزائرية طُردت من بيتها فكتبت أجمل الروايات!

سبت, 12/02/2022 - 00:29

سمية سعادة

 

من قلب المعاناة، وبعيدا عن بيتهم الذي طُردت منه رفقة أمها، امتشقت قلمها وسطّرت روايتها ” امرأة من دخان” التي نالت بها الجائزة الأولى في مصر. إنها الإعلامية والروائية الجزائرية نادية بوخلاط التي سنتعرّف عليها من خلال هذا البورتريه.

 

بداية المسيرة

بدأت نادية بوخلاط مشوارها مع الكتابة سن مبكر، حيث كتبت أولى قصصها في عمر الـ 12، كانت حينها شغوفة بالمطالعة، حيث كانت تقرأ أي شيء تقع عليه يداها، قصاصات جرائد، معلقات، قصص موجهة للأطفال..

واستمر معها هذا الشغف بتقدمها في مشوارها الدراسي، حيث كانت تطالع، وهي في المرحلة المتوسطة، روايات “المكتبة الخضراء” و”أرلوكان”، وتمكنت من قراءة أغلب الروايات التي كانت تستعيرها من المكتبة التي كانت متواجدة بمركز بيار كلافري بحي “سانتوجان” بوهران وهذا ساهم في تنمية مداركها وأكسبها ثراء لغويا بالعربية والفرنسية لأن دراستها كانت مزدوجة اللغة.

ظروف قاسية

تعرضت الروائية بوخلاط لظروف اجتماعية في غاية القسوة، حيث قالت عنها في حديثها لـ”جواهر الشروق” إنه في سنة 2012 “قام أخي بالتبني بتدبير مكيدة مستغلا مرض والدي يرحمه الله، وطردنا من بيتنا أنا ووالدتي ورمى بأثاثنا إلى الشارع بعدما هدّد بإحراق البيت بمن فيه، حيث صبّ قارورة لتر ونصف من البنزين على والدتي، وفي رمشة عين وجدنا أنفسنا بلا مأوى”. تتابع: “فما كان علينا إلا أن ذهبنا عند الأقارب لفترة، ثم انتقلنا إلى ولاية غليزان حيث أخوالي، كانت تلك نهاية أحلامي وموتي البطيء لأنني خسرت كل شيء، وتحولت أحلامي إلى رماد و قُتل كل شيء جميل في نفسي، ولم تستطع العدالة أن ترد لنا الحق الذي سلب منا، و الأدهى والأمر من هذا كله، أنني لم أحضر حتى جنازة والدي، ولا زالت معاناتي متواصلة إلى يومنا هذا”. وتضيف نادية بكل حسرة “خدعني الجميع رغم أنني كنت صحفية وروائية ومسيرتي تجاوزت الـ 20 سنة في الحقل الإعلامي، لكن هذا لم يشفع لي عند المسؤولين”.

إبداع..

رغم الداء والاعداء ومن المثير للدهشة، أنه خلال هذه الفترة التي طردت فيها نادية مع أمها إلى الشارع، استطاعت أن تؤلف رواية” امرأة من دخان”، وأنهت كتابة مجموعتها القصصية “عازفة الماندولين”. كما ألفت رواية ” طوق البنفسج” التي دونتها في مقهى للإنترنت لأنها لم تكن تملك حاسوبا، ثم نقلتها إلى قرص تخزين المعلومات( فلاش ديسك).

“امرأة من دخان” الفائزة

لم تكن لدى الكاتبة بوخلاط أي فكرة عن المسابقات الأدبية، ولكن صديقتها الكاتبة مريم دالي يوسف أخبرتها عن تنظيم مسابقة في صنف الرواية في مصر وحفّزتها على المشاركة، فكتبت رواية ” امرأة من دخان” خلال ثلاثة أيام فقط رغم أنه كان لديها متسع من الوقت، وأرسلتها إلى إدارة الجائزة، حيث تقول عنها، “إن هذه الرواية كتبت نفسها”، حيث لم تشعر إلا وهي تكتبها بشكل متواصل ودون انقطاع. ورغم أنها لم تتوقع أن تفوز بالجائزة عن هذه الرواية، إلا أن إحدى زميلاتها الصحفيات نقلت لها الخبر السعيد، فلم تأخذ الأمر على محمل الجد وظنّت أنها تمزح معها فقط.

جرح على جرح

لم تتمكن نادية من السفر إلى مصر لاستلام جائزتها، وتحولت فرحتها إلى أسوأ ذكرى في حياتها لأنه لا أحد أعار اهتماما لمبدعة فازت بجائزة دولية، على غرار مديرية الثقافة بوهران التي لم تهنئها، ومرّ فوزها بالجائزة كأنه لا حدث خاصة وأنها في تلك الفترة طردت من بيتهم، وهي المأساة التي بلغت الأسماع، وتعرّف عليها الجزائريون سنة 2012 من خلال برنامج ” خط أحمر” الذي يبث على قناة “الشروق”. ولعل ما حزّ في نفس نادية، أن شخصا آخر نال المركز الثاني في نفس المسابقة العام الموالي، فاستقبل من طرف المسؤولين وانهالت عليه التكريمات من كل حدب وصوب، بينما لم يلتفت إليها أحد ولم يتم دفع مستحقات سفرها إلى مصر لاستلام الدرع وكأنهم، كما تقول نادية، استكثروا عليها الفوز، مما تسبب في انهيار معنوياتها وجعلها تفكر في اعتزال الكتابة.

إصدارات متنوعة

رغم كل الظروف السيئة التي مرت عليها ابنة وهران، إلا أنها ظلت متشبثة بخيط الأمل الرفيع الذي كان يتراءى لها من بعيد، حيث دلتها صديقتها مريم دالي يوسف عن دار المعتز للنشر والتوزيع بالأردن التي وافقت على نشر روايتها ” امرأة من دخان” بدون دفع أي مستحقات مقابل التصرف في أعمالها والتنازل عن حقوق الحصول على حصة المبيعات. كما تولت نفس الدار نشر مجموعتها القصصية”عازفة الماندولين”، وتشجيعا لها، قام أحد أصدقائها بمصر بنشر روايتها” طوق البنفسج” بدار كليوبترا بالقاهرة على نفقته الخاصة، أما آخر إصدارتها فكانت رواية ” اليد اليمنى للكولونيل” التي نشرت بدار الماهر بسطيف التي وافقت على دفع مستحقاتها بالتقسيط لكون نادية لا تملك دخلا مستقرا باستثناء معاش والدها المحدود، خاصة بعد توقف الجريدة التي كانت تعمل بها عن الصدور.

ملاذ للهروب

تعتبر الروائية بوخلاط أن الكتابة هي وسيلتها وملاذها للهروب من التفكير في مأساتها الاجتماعية التي أبعدتها عن مدينتها وهران، فلم تعد لحياتها أي معنى، لدرجة أنها صارت تشعر أنها ” ميتة بين الأحياء” لذلك ترفض أن تسامح كل من تسبب في أذيتها، وإخراجها من بيتهم، وكل من داس على مشاعرها من زملاء المهنة الذين تنكروا لها، وشوهوا سمعتها، وما حز في نفسها أنها أعطت سنوات من عمرها للإعلام ولم تجن سوى الجحود والنكران وفوقه الإقصاء.