إعلانات

بابوا غينيا الجديدة... "النساء يتهمن بالشعوذة ويُصلبن في الأماكن العامة"

اثنين, 13/12/2021 - 04:34

بي بي سي:

"صرخوا في وجهي وهم يرددون: لقد قتلتيه"، تتحدث مونيكا بولوس بحرقة عما حدث معها عندما تدهورت صحة والدها وتوفي بنوبة قلبية، واتهمها شقيقها بقتله باستخدام السحر وتعرضت للتهديد بالقتل بالتعذيب.

وتقول مونيكا: "كانت صدمة لي، فقد ابتعد عني جميع أصدقائي وأفراد أسرتي، وجعلوني أشعر وكأنني شخص سيء... عندما اتهموني، شعرت أن وصمة عار تلاحقني".

اضطرت مونيكا إلى الفرار من مسقط رأسها والعيش في المنفى في مقاطعة مختلفة من بابوا غينيا الجديدة، وهي جزيرة تقع في جنوب غرب المحيط الهادئ.

لكن قصة مونيكا ليست فريدة من نوعها، والوضع أسوأ من ذلك بكثير.

"إنه وحشي"

ينتشر العنف المتصل باتهامات السحر والشعوذة في هذا البلد. على الرغم من عدم وجود بيانات موثوقة متوفرة لمعرفة مدى تكرار حدوث ذلك. تتحدث الأرقام الحكومية عن حوالي 6000 حادثة خلال العشرين عاماً الماضية.

لكن تقديرات مستقلة تشير إلى أن الأرقام أعلى من ذلك بكثير، حيث يتم اتهام آلاف الضحايا، عادة من النساء والفتيات، كل عام، وغالباً يتعرضن للعنف الجسدي والجنسي.

 

وفي معظم الأحيان تأتي الاتهامات في أعقاب الموت المفاجئ لأحد الأشخاص أو إصابتهم بأمراض غير معروفة أسبابها.

تقول ستيفاني ماكلينان، كبيرة مديرات مبادرات آسيا في منظمة هيومن رايتس ووتش، التي درست بشكل مكثف قضية العنف المتعلق بالشعوذة: "نحن نتحدث عن مستويات شديدة من العنف، بعضها هو أسوأ ما رأيته في حياتي".

وتتابع: "ثمة اعتداءات وحشية للغاية، حيث يتم احتجاز الضحايا وتعذيبهم وحرقهم بقضبان حديدية وتجريدهم من ملابسهم وغالباً ما يُقتلون. إنها حقاً همجية".

تصدرت قضية ماري كوباري عناوين الصحف العالمية هذا العام عندما قُتلت بوحشية بعد وفاة طفل يبلغ من العمر عامين.

كانت المرأة تبيع البطاطس في السوق عندما ألقي القبض عليها من قبل حشد من الناس وأحرقوها وهي على قيد الحياة. ولم يتم إعتقال أحد على الرغم من توثيق الحادث بالفيديو ونقله عبر وسائل الإعلام المحلية.

كما تم استهداف العديد من النساء الأخريات، لكنهن تمكنّ من الهرب إلى الغابة، كما تقول ماكلينان.

 

 

مصلوبات في الشوارع

عندما واجهت مونيكا تهمة ممارسة السحر، تمكنت هي أيضاً من الفرار.

وتقول: "في اللحظة التي اتهموني فيها بالقتل بالسحر، اتُخذ القرار بحقي، لم يكونوا بحاجة إلى أدلة".

تتذكر ذلك قائلة: "لقد مُنعت من حضور جنازة والدي أو المشاركة في مراسم الدفن، أدركت أنه لم يعد لي مكان بين عائلتي أو مجتمعي أو قبيلتي".

وتعتقد أن شقيقها اتهمها بالشعوذة لكي يتمكن من الاستحواذ على منزل والدهم بمفرده دون أن تشاركه فيه شقيقته.

وتوضح مونيكا الأمر قائلة: "لكن ليست كل الاتهامات لها دوافع مالية، فالعديد منها تنبع من معتقدات راسخة الجذور، فالسحر ثقافة متأصلة بين الناس".

"حتى عندما كنت فتاة صغيرة كانت هناك عمليات قتل، وكانت تلقى القبول في أوساط المجتمع، رغم أن التعذيب الذي كانوا يتعرضون له لم يكن سيئاً كما هو الحال الآن".

"كانت عمليات القتل في السابق تتم بصمت وسرية، أما الآن تجر النساء إلى الشوارع ويصلبن. إنه حقاً أمر غير إنساني".

 

 

أزمة كوفيد 19

ربما كانت لحالات الإصابة المؤكدة بكوفيد 19 على مدار العامين الماضيين علاقة بالعنف المتعلق بالشعوذة وفقا لمنظمة هيومن رايتس ووتش.

تقول ماكلينان: "كان هناك بالتأكيد قلق كبير من أن يؤدي تفشي وباء كوفيد إلى تفاقم هذه الأزمة، إذ يمثل العنف القائم على النوع الاجتماعي أزمة حقيقية".

وتقول ماكلينان إن هذا يرجع إلى التردد بشأن أخذ اللقاح وإنكار انتشار فيروس كوفيد على نطاق واسع في البلاد ، مما يعني أن الوفيات الناجمة عن المرض تُعزى إلى الشعوذة.

في وقت سابق من هذا العام، أنقذت الشرطة امرأة وابنتها بعد أن تم احتجازهما وتعذيبهما، بتهمة ممارسة السحر عندما توفي زوجها جراء الإصابة بكوفيد 19.

وتقول التقارير الإخبارية المحلية إن المرأتين اللتين كانتا تبلغان من العمر 45 و 19 عاماً، أصيبتا بكسور في الذراعين وحروق نتيجة التعذيب بالقضبان الحديدية الساخنة.

وشكلت حكومة البلاد الآن لجنة برلمانية للتصدي لهذا العنف.

وقال رئيسها، هون تشارلز أبيل: "إن العنف سرطان يأكل بابوا غينيا الجديدة والمجتمع. نحن دولة مسيحية، لكن قتل الناس باسم السحر ليس سلوكاً مسيحياً".

ويضيف: "الناس يُقتلون بوحشية وهذا أمر لا يمكن التسامح معه، وكوفيد 19 جعل الأمر يزداد سوءاً، لأن الناس يستخدمونه كذريعة لوصم الناس بالسحر، يجب أن يتوقف كل هذا".

 

العنف المرتبط بالسحر بالأرقام

  • تم تسجيل 6000 حالة عنف مرتبطة بتهمة ممارسة "السحر" وانتهت نصفها تقريباً بالوفاة في بابوا غينيا الجديدة بين حزيران/يونيو 2000 و 2020 وفقاً لتقرير صدر عن البرلمان عن العنف القائم على النوع الاجتماعي.
  • لا تقتصر الحوادث على المجتمعات الريفية، فقد وجد التقرير 156 حالة موثقة في العاصمة على مدى 42 شهراً الماضية.
  • تم تسجيل 19 حالة إدانة بارتكاب جرائم عنف وقتل مرتبطة بـ "السحر " سنوياً في المتوسط بين عامي 2010 و 2020 مما يدل على زيادة طفيفة بعد إلغاء قانون الشعوذة في عام 2013 ، الذي ألغيت فيه الاتهامات بالشعوذة كدفاع في المحاكمات المتعلقة بجرائم القتل.
  • عمليات "صيد السحرة" في العصر الحديث ليست نادرة ومقتصرة على بابوا غينيا الجديدة فقط، فقد شهدت بلدان أخرى وغامبيا ونيبال حوادث مشابهة وفقاً للمعهد الدولي للحرية الدينية.

 

الدفاع عن الضحايا

بعد التجربة التي مرت بها مونيكا، عرّضت مونيكا حياتها للخطر لحماية الآخريات من ما يسمى بـ "صيد الساحرات" وتقول: "لاحظت حدوث تحول في الفترة التي كنت أعمل فيها على هذه المشكلة، لكنني لا أتوقع أن يحدث تغيير قريباً وخاصة مع فيروس كورونا".

أثناء إقامتها في المنفى في منطقة أخرى من بابوا غينيا الجديدة، شاهدت مونيكا امرأة تُرجم بالحجارة حتى الموت في ساحة عامة. كانت جريمتها هي أنها عضت لسان رجل عندما كان يحاول اغتصابها فاتهمها بأنها ساحرة.

وتقول: "لقد قُتلت المرأة على مرأى من المسؤولين الحكوميين دون أي تدخل... علمتُ في تلك اللحظة أنه علي أن أفعل شيئاً".

شاركت مونيكا في تأسيس حركة المدافعات عن حقوق الإنسان الخيرية، وتقدر عدد ضحايا العنف المتعلقة بالشعوذة الذين تم إنقاذهم على مدار 15 عاماً بأكثر من 500 ضحية.

ويقدم المتطوعون المساعدة بطرق عدة، بما في ذلك إعادة إسكان وتقديم المأوى والطعام والمشورة القانونية لمحاسبة الجناة.

وتضيف مونيكا: "إن إعادة إسكان الناس وإنقاذ الأرواح أمر مهم، لكننا بحاجة إلى تحقيق العدالة للنساء، فإذا رأت المجتمعات العدالة، فقد يكون باستطاعتنا تغيير الذهنية والعقلية فيما يتعلق بالسحر والشعوذة".

منذ أن بدأت مونيكا هذا العمل، أضرم الناس النيران بمنزلها.

لقد هربت من البلاد وتعيش حالياً كلاجئة في أستراليا المجاورة، وتقول: "إنه من الصعب حقاً الابتعاد عن أطفالي الثلاثة، ولكن إذا كانوا بأمان فسأكون مرتاحة البال لكنني سأتألم".

فرت مونيكا بولوس من منزلها في بابوا غينيا الجديدة بعد أن اتهمها شقيقها بالتسبب في وفاة والدهما بالسحر. لقد عرّضت حياتها للخطر لحماية الناس من "مطاردة الساحرات" وتضغط من أجل تغيير تشريعات البلاد.

"نحتاج إلى اتخاذ إجراءات"

خضعت بابوا غينيا الجديدة لمراجعة دورية شاملة من قبل الأمم المتحدة الشهر الماضي، وخلصت إلى أن حكومتها يجب أن تعالج بجدية مشاكل حقوق الإنسان في البلاد، ولا سيما العنف القائم على النوع الاجتماعي.

وضغطت كل من إيطاليا والقبرص، على بابوا غينيا، بشأن هذه القضية بالتحديد لاتخاذ خطوات لمنع حوادث من هذا النوع.

وقال المحافظ آلان بيرد، نائب رئيس اللجنة البرلمانية للعنف القائم على النوع الاجتماعي، لبي بي سي إنه لأول مرة تم تخصيص "مبلغ كبير" ضمن ميزانية عام 2022 لمكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي.

وأضاف: "يجب أن يتيح ذلك للجهات المسؤولة والمنظمات غير الحكومية التي ظلت تطلب المساعدة لعقود من الزمن أن تبدأ العمل وتتعامل مع هذه المشكلة أخيراً رغم أنه لا يزال يتعين علينا أن نرى ما إذا كان بإمكاننا التغلب على التحديات التي ستواجه تنفيذ الخطة".

وفي غضون ذلك، يقع على عاتق المتطوعين مسؤولية حماية الضحايا.

تقول ماكلينان: "لقد قامت مونيكا ونشطاء آخرون بملء الفجوات التي يجب على الحكومة توفيرها لفترة طويلة، ولولاهم لكان عدد الضحايا والقتلى أكثر بكثير، ومونيكا لا تتخلى عن القتال والكفاح".

وتضيف: "نحن بحاجة إلى العمل على نطاق واسع لرؤية التغيير فيثقافة المجتمع، لقد أنقذنا عدداً قليلاً من االأرواح... كان هناك العديد من الأرواح التي لم نتمكن من إنقاذها".