إعلانات

شجرة الأرز من التاريخ إلى الأسطورة.. قصيدة غير معروفة لفيكتور هوغو مناهضة للإسلاموفوبيا

جمعة, 25/12/2020 - 16:08

من خلال محاورة جمع فيها بين الخليفة عمر بن الخطاب والقديس يوحنا الإنجيلي، وضع الشاعر الفرنسي فيكتور هوغو الإسلام ضمن منظور إنساني عالمي، ووقف في وجه الحملة الإعلامية التي أعقبت اغتيال القنصل الفرنسي ونائب نظيره البريطاني بمدينة جِدة عام 1858، وذلك بقصيدة له غير شهيرة بعنوان "الأرز" من ديوانه "أسطورة القرون".

بهذه المقدمة، يفتتح موقع أوريان 21 (Orient XXI) الفرنسي مقالا للكاتب لوي بلين، ذكر فيه بالجو العام الذي بدأ فيه هوغو تأليف ملحمته "أسطورة القرون" بعد وقت قصير من أزمته الصوفية الروحية بين 1853 و1856، حين كتب "السنة التاسعة من الهجرة" وموضوعه وفاة محمد (صلى الله عليه وسلم) ثم "الأرز" وهي قصيدة رمزية غير معروفة تقريبا.

وأشار الكاتب إلى أن "أسطورة القرون"، كما قال عنها الكاتب الألماني تيوفيل غوتييه "نظرة على الإنسان من خلال الظلمات. موضوعها الإنسان، أو بالأحرى الإنسانية. ولكي يرسم النبي (صلى الله عليه وسلم) فإنه ينغمس في القرآن لدرجة أن المرء سيأخذه على أنه ابن الإسلام" مما يدل على التعاطف الذي ولّد قبل بضع سنوات شائعة أنه قد اعتنق هذا الدين نهاية حياته.

وتأتي قصيدة "الأرز" -حسب المقال- أواخر أكتوبر/تشرين الأول 1858، بعد وقت قصير من اغتيال الدبلوماسييْن الفرنسي والبريطاني يوم 15 يونيو/حزيران من نفس العام في مدينة جِدة التي كانت تحت الحكم العثماني، بسبب ثورة السكان المحليين ذلك اليوم ضد قبضة المملكة المتحدة المتزايدة على الاقتصاد.

قتل يومها 23 أوروبيا، وتصدر الموضوع عناوين الصحف، وتسبب في صدمة عميقة ودائمة للرأي العام الفرنسي، إلا أن المروجين عزوا المذبحة إلى التعصب، وأظهروا المسلمين "أعداء (..) المسيح الذي كان من المفروض أنهم يجلونه" كما كتبت جَدة الجنرال ديغول عام 1859 كرد فعل على المأساة.

جِدة.. مدينة حواء

ويقول الكاتب أنه في مدينة عالمية معروفة بتسامحها لدى زوارها الفرنسيين، لم يتذرع "المتمردون" يومها بالدين، بل استخدمه الأوروبيون في تعليقاتهم لإخفاء مصالحهم في البحر الأحمر، وروى الكاتب ألكسندر دوما (توفي 1870) بعد 8 سنوات قصة إليز إيفيار، ابنة القنصل المقتول وهروبها في رحلة "بطولية" تزيل أي بُعد ديني عن المذبحة، بل على العكس تروي ببساطة إنقاذ المسلمين لها مع الرجل الذي أصبح زوجها فيما بعد.

وقف هوغو حينها ضد الضجة الإعلامية التي تسيء إلى الإسلام، ووضع هذا الدين -حسب الكاتب- في منظور إنساني عالمي بقصيدته "الأرز" التي تقوم على حوار صوفي بين الخليفة عمر والقديس يوحنا الإنجيلي من جهة، وبين جدة التي تعبر أسطوريا عن أصل الإنسانية، وبين اليونان التي تعتبر المصدر المتخيل للحضارة الأوروبية، من جهة أخرى، بحسب تعبير الكاتب.

ويرجح الكاتب أن هوغو اختار جعل عمر في جدة بدلا من مدينته الأصلية مكة أو عاصمته المدينة المنورة، مع أنهما أول مدينتين مقدستين في الإسلام، لأن جدة تعتبر، منذ غابر الزمن مدينة حواء (أم كل البشر) وهو ما يعطيها قدسية هي الأخرى في نظر الشاعر.

 

من التاريخ إلى الأسطورة

وبحسب المقال، أولى هوغو أهمية كبيرة لأسطورة حواء التي كرس لها أول قصيدة من "أسطورة القرون" تحت عنوان "تتويج المرأة". وفي رسم نشرته الصحف، كانت هناك نخلات على الشاطئ قرب المنصة المبنية في موقع رأس حواء، ظنها هوغو شجرة أرز، وانطلق في رؤية قوية تشبه الحلم، خاصة أن الشجرة بالنسبة له هي رمز للحياة.

اعلان

يقول هوغو "الشجرة بداية الغابة، هي الكل. إنها تنتمي بجذورها إلى الحياة المنعزلة، وبنسغها إلى الحياة المشتركة. بمفردها، تثبت الشجرة، ولكنها تعلن الغابة". ويشير الكاتب إلى رمزية الشجرة في ملحمة غلغامش، وفي عرش الآلهة عشتار الذي كان أرزة ضخمة، حيث يصبح الأرز رمزا للخلود واستحالة الفساد.

وأشار الكاتب إلى أن هذا ربما يكون هو السبب الذي جعل هوغو يختار الأرز بدلا من النخيل، إذ تناسب رمزية هذه الشجرة وجهة نظره تماما، وبذلك رسم جسرا سماويا بين الجذور الشرقية للحضارة و"نهاية العلم" المسيحية أي الغربية.

وفي هذه القصيدة الطويلة المهيبة المؤلفة في الإسكندرية، يصف هوغو الخليفة عمر وهو يمشي على شاطئ جدة، مع الحرص على أن تكون بيده درته (عصاه) المشهورة في التأريخ الإسلامي.

حسب القصيدة، يرى عمر شجرة أرز فيأمرها بأن تنفصل عن صخرتها وتطير "باسم الإله الحي" إلى القديس يوحنا الإنجيلي مؤلف "نهاية العالم"، النائم على شاطئ جزيرة بطمس اليونانية، في رحلة تذكر بالإسراء والمعراج، ليلة أسري بالنبي (صلى الله عليه وسلم) من مكة إلى بيت المقدس، في مسار يرمز إلى الصلة بين الإسلام والديانتين التوحيديتين الأخريين، بحسب المقال.

وبهذا يربط "الأرز" بين سفر التكوين (حواء) ​​و"نهاية العالم" والقرآن في اختصار صوفي لتاريخ البشرية، و"هذا هو التاريخ على أبواب الأسطورة"، على حد تعبير هوغو. كما أنه يؤسس جسرا رمزيا بين الشرق المتجذر في جدة، والغرب من خلال حوار بين الخليفة والقديس، يظهر فيه هوغو معرفته بالإسلام من خلال تسمية المسيح باسمه العربي "عيسى (صلى الله عليه وسلم)".

 

اتركوا الطبيعة هادئة

وتجعل وحدة الوجود لدى هوغو، الطبيعة بشكل عام، والشجرة على وجه الخصوص، انعكاسا للإله، يقول "أنا لست مؤمنا بوحدة الوجود، لأن المؤمن بوحدة الوجود يقول كل شيء هو الله، أما أنا فأقول إن الله هو كل شيء. والفرق عميق". ولكن مع ذلك "كل الكائنات هي الله، كل الأمواج هي البحر".

لذلك يتعامل هوغو هنا بشكل رمزي مع الاحترام الذي يجب أن يعطيه المرء للطبيعة مصدر الحياة، وهذه رسالة تأتي من الشرق الذي "كان ذات يوم فردوس العالم" ولذلك يجب أن يدرك النائم في بطمس رسالة الولادة الجديدة التي يحملها الأرز، بدلاً من الغرق في ظلام الرؤيا، بحسب الكاتب.

ويرى الكاتب أن "جان الذي كان مستلقيا على الرمال كان نائما، مثل حواء الراقدة على الشاطئ في جدة، وهو بحاجة إلى بعث الحياة في الغرب". وهذه رسالة الشاعر التي وصلت إلى الإنجيلي من فم الخليفة عمر، إلا أن إجابة القديس يوحنا بقيت غامضة "أيها القادمون الجدد، اتركوا الطبيعة وشأنها، لأنها هي التي تعطي الحياة وتحافظ عليها".

ويبدو للكاتب أن التباين بين رسالة الشاعر وبين رفض الفرنسيين في ذلك الوقت جدة والإسلام، يظهر أصالة هوغو ورغبته الإنسانية في أن يجد ترياقا للسم الذي كان ينتشر هناك، وقد نجح في إنجاز ملحمة خالدة في موضوع ملتهب ودموي.

وهكذا لعب الأدب دوره في تكوين الروابط بين الناس في الوقت الذي يمزق فيه غضبهم بينهم، وذلك عن طريق الرد على العنف بالحوار، لا بوصم الآخر المسلم، في درس أعطاه أعظم كتاب فرنسا للمعاصرين.

مقتطفات من قصيدة الأرز:

هذا عمر شيخ الإسلام والقانون الجديد

الذي أضافه محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى ما جاء به عيسى (صلى الله عليه وسلم)،

يمشي تارة ثم يتوقف. وعلى عصاه الطويلة

في بعض الأحيان، مثل الراعي يريح ذقنه،

كان يتجول بالقرب من جدة المقدسة على الشاطئ

على رمال البحر الأحمر، حيث ظهر نور الله في الحلم،

في صحراء سوداء تحت ظلال السماوات،

حيث مر موسى (صلى الله عليه وسلم) المحجوب في ظروف غامضة.

أثناء المشي هكذا، تملؤه فكرة جادة،

من فوق صحراء مصر ويهودا،

في بطمس، على منحدر جبل أصلع القمة،

رأى جان الذي كان نائما على الرمال.

كان جان نائما ورأسه عار تحت الشمس.

عمر، الحبر العظيم مثل الأنبياء (صلى الله وسلم عليهم)،

رأى بالقرب من البحر الأحمر في ظل

قبة، أرزة قديمة ذات أوراق داكنة كبيرة

راسخة الجذور في صخرة قرب الطريق،

مد الشيخ عمر يده نحو الأفق

إلى الشمال حيث النسور الجشعة،

وأرى الأرزة القديمة، وراء الفضاء،

بحر إيجه ويوحنا نائما في بطمس،

دفع الشجِرة بإصبعه وقال هذا الكلام:

اذهبي يا أرزة! اذهبي وغطِ هذا الرجل بظلك.

واندفعت الأرزة في الفراغ الهائل،

وعبرت الأمواج والهاوية العدو المظلمة،

وهبطت في بطمس بالقرب من جان النائم.

استيقظ يوحنا ورأى الشجرة، والنبي

استغرب أن يجد رأسه في الظل،

ثم قال خائفا في هدوئه:

أيتها الشجرة. ماذا تفعلين هنا؟

الأرز لم يخلق لينمو كالحلم.

ما بنته ساعة، يمكن أن تحطمه لحظة.

فقالت له الأرزة: لماذا تتهمني يا جان؟

يا جان، إذا كنت هنا فذلك بأمر من رجل.

يرتجف جان -وهو وحش متأمل- عند ذكر اسمه،

ويستأنف: من هذا الرجل الذي يخضع له كل شيء؟

فقالت الشجرة: هذا عمر حبر محمد (صلى الله عليه وسلم)

كنت بالقرب من جدة لسنوات لا تحصى.

فقال لي أن آتي وأغطيك بظلي.

لذلك يوحنا الذي نسيه الله بين الأحياء،

استدار جنوبا وصرخ في الريح

فوق شاطئ جزيرته المتقشف:

أيها الوافدون الجدد.. اتركوا الطبيعة وشأنها.

 

المصدر : الصحافة الفرنسية

نقلا عن الجزيرة نت