إعلانات

في حفل حاشد.. سدنة الحرف توزع جوائز أول مسابقة شعرية لتكريم المناضل الرمز سميدع

سبت, 29/08/2020 - 22:54

وزعت في العاصمة الموريتانية نواكشوط مساء اليوم (الجمعة) جوائز أول مسابقة شعرية لتكريم المناضل الموريتاني الرمز سيدي محمد سميدع (رحمة الله عليه)، وذلك في حفل حاشد نظمته مجموعة "سدنة الحرف" الأدبية والثقافية بقاعة العرض بالمتحف الوطني، وحضرته نخبة كبيرة من الشعراء والمثقفين والكتاب وقيادات بارزة في المؤسسات الإبداعية الموريتانية وممثل عن أسرة المناضل الراحل.

وترأس الحفل الأستاذ د. عبد الله السيد رئيس مجلس إدارة "سدنة الحرف" ومدير بيت الشعر في نواكشوط.

وفاز بالمسابقة الأدبية السنوية لـ"سدنة الحرف"، التي حملت دورتها هذا العام اسم الشاعر الكبير د. أدي آدب (حفظه الله) 9 شعراء متميزين، بعضهم صدرت له دواوين حظيت بإشادة واسعة في الساحة الأدبية.

وخصص موضوع المسابقة للمناضل التاريخي سيدي محمد سميدع، وذلك تحت عنوان "سميدع في عيون الشعراء".

وتم افتتاح الحفل بآيات من الذكر الحكيم تلاها فضيلة الإمام اميي ولد أحمد سالم.

وألقى الشاعر المختار السالم المنسق العام لـ"سدنة الحرف" كلمة بالمناسبة أكد خلالها أن هذه المسابقة الشعرية بينت مدى برور الأجيال الشعرية الموريتانية الجديدة لآبائها الحضاريين من رموز النضال أمثال الراحل سيدي محمد سميدع.

وأوضح أن أعضاء "سدنة الحرف" أصروا على أن تحمل هذه المسابقة اسم دورة الشاعر الدكتور أدي ولد آدب وذلك لأهمية عنوانها (سميدع في عيون الشعراء)، كما كشف أن "السدنة" استجابت لطلب عضوها د. بدي أبنو بتشريفه بدفع تكاليف الجائزة هذا العام لكونها تكرم رمزين وطنيين هما المناضل الراحل سميدع (رحمه الله) والشاعر د. أدي آدب (حفظه الله).

بعد ذلك، استمع الحضور إلى كلمة مسجلة بعث بها الشاعر د. أدي آدب إلى الحفل، وأعرب فيها عن سروره بهذا الحدث.

وقال ولد آدب "إن إحساسي بهذا التكريم مضاعف دورات فلكية. أولا: لأنها المرة الأولى التي أكرم بهذا المستوى، في وطني. ثانيا: أنها المرة الأولى التي يقرن فيها اسمي، باسم جائزة شعرية وطنية إبداعية راقية مثل هذه.. ثالثا: أن اشتراك اسمي لهذه الدورة مع اسم سميدع، المناضل الرمز/ الراحل/ / الغائب/ الحاضر هو إضافة نوعية في التكريم كانت من حسن حظي".

واعتبر ولد آدب أن "الطاقات الإبداعية التي شاركت في هذه الدورة بالذات، كانت إضافة نوعية للمشهد الشعري الحداثي الأصيل، زادت من تكريمنا بما قدمته من نصوص طافحة بالشعرية، تمكنت باقتدار فائق من استلهام الرمزية الثورية النضالية الإنسانية لفارسها البطل الفكري سميدع".

وقال: "وبما أني أدعي أني اشترك مع الرمز المكرم في الخلفية الثورية، التي تؤمن بالمثقف الثوري، المثقف العضوي، بمفهوم اكرامشي، الذي لا يمتهن الحربائية في تلونها، ولا الضفدعية في نقيقها، فأني أحب أن ألقي نص " أنا سيد الثورات".

كما استمع الحضور إلى كلمة بعث بها المثقف الموريتاني الكبير د. بدي أبنو، واستهلها بقوله "يقول صديقي الشاعر الكبير أدي ولد آدب:

كمْ شاعِرٍ.. خَطَّ فَوْقَ الـرَّمْل.. قــافِيةً

وبَثَّ أطلالَهُ.. شكْـوَى الهَـوىَ.. ذِكَرَا

فكُلُّ حَبَّةِ رَمْلٍ.. هـا هُــنا.. ثـَـمِــلَــتْ

بالشِّعْر.. فاسْمَعْ صَلِيلَ الرَّمْل.. قدْ شَعُرَا".

وأضاف "إنه الشعر والأرض والتاريخ، أو كما قال يوما المرحوم الشاعر الكبير محمد ولد عبدي "هو الشعب أرضٌ، هي الأرضُ شعبٌ، هما الشعر..."، شكرا لكمْ ... فمعكم يلتقي التاريخ بالتاريخ، إنها قصائد عظيمة في ذكرى رجل عظيم، قصائد يعانق فيها الإبداع معنى الفعل، يعانق القولُ التاريخي معنى الفعل التاريخي ووجهتَه في ذكرى رجل سيتحدّث بلا شكّ عنه يوماً تاريخ هذه الأرض كثيرا". 

 وقال ولد ابنو في كلمته التي قرأها بالنيابة الشاعر صلاح الدين أحمد: "كما تعرفون لم يعش طويلاً المناضلُ الرمز سيدي محمد سميدع - رحمه الله برحمته الواسعة – ، فقد توفي وعمره يناهز الأربع وعشرين سنة. إنّه زمن قليلٌ إذنْ وتاريخٌ عظيم. لم يكن لديه متسعٌ من الوقت لما ليس جوهرياً، لذلك اهتم بما عليه أن يفعلَ في الميدان وقدّم أقصى ما يمكن أن يُقدَّم ورحل. كان عليه أن يكسر الصمت في تيه الصحراء الرتيب وفعل"َ.

وأضاف "لقد عَرفَ كيف يمنحُ أجيالا من مجايليه ومن الأجيال اللاحقة الشغفَ بالحق والعدل... فبتلك القدرة العجيبة التي أوتيها قلّة، منحَهُمْ الرغبةَ في امتلاك التاريخ بدل الارتهان له، منحهم الرغبةَ في تغيير الواقع بدل الخضوع له".

كما استمع الحضور إلى كلمة أسرة المناضل سميدع التي قرأها د. محمد محمود سميدع، وأثنى فيها على هذه التظاهرة، قائلا "لا يسعني في بداية حديثي هذا إلا أن أشكر جزيل الشكر وأمتن عظيم الامتنان إلى مجموعة سدنة الحرف على كل الجهود التي يبذلونها من أجل الوقوف مع قضايا أمتنا الإسلامية والعربية سواء تعلق الأمر بتخليد قضاياها أو تعلق الأمر بإنصاف وتخليد زعمائها على مر التاريخ، ومن هنا يأتي الشكر مضاعفا بالنسبة لنا كموريتانيين بشكل عام، وبشكل خاص بالنسبة لنا كأفراد عائلة المناضل والبطل الشهم سيدي محمد سميدع – رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته، ولا غرابة في ذلك فهم خيرة من خيرة".

وأضاف "فلهم منا جميعا أسرة ومسمى كل الشكر والتقدير والعرفان بالجميل، على هذا الاهتمام من خلال تخصيص دورة الشاعر والأديب الأريب الدكتور: أدي ولد آدب حفظه الله ورعاه، وأطال عمره، لفقيدنا وفقيد الوطن ككل المرحوم سيدي محمد سميدع".

هذا، وتميز الحفل بمحاضرة قيمة ألقاها الكاتب الصحفي والمناضل الشهير محمد عبد الله بليل، عرف من خلالها بالمحاور المتعددة لسيرة حياة ونضال الرمز الراحل سميدع، معرفا بأهم محطات حياته وتأثيره في النخبتين النضالية والإبداعية.

وبدوره، نوه الشاعر الكبير أحمد ولد الوالد الأمين العام لاتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين بهذا الحفل الإبداعي التكريمي الذي تنظمه "سدنة الحرف"، ويكرم دور المناضل التاريخي سميدع.

وأشاد ولد الوالد بالاسم الذي حملته الدورة هذا العام "دورة الشاعر د. أدي ولد آدب".

هذا، وأثارت القصائد الفائزة التي ألقيت حماس جمهور تجاوب معها بالتصفيق والوقوف للشعراء تقديرا لإبداعهم.

 

 

 

نص كلمة الشاعر د. أدي ولد آدب

  

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إخوتي الأعزاء "سدنة الحرف" الجميل، رمتم مرابطين في ثغور الإبداع من الماء إلى الماء

 

إن إحساسي بهذا التكريم مضاعف دورات فلكية.

أولا: لأنها المرة الأولى التي أكرم بهذا المستوى، في وطني

 

 

 

ثانيا: أنها المرة الأولى التي يقرن فيها اسمي، باسم جائزة شعرية وطنية إبداعية راقية مثل هذه.. بعدما اعتذرت مرات عن اقتراح السدنة لاسمي في بعض دوارات المسابقة الماضية، تقديما لأسماء ثقافية وفكرية وشعرية أراها أجدر مني بذلك التكريم، وما تزال هناك أسماء أخرى أجدر مني بهذا،  لكنكم لم تتركوا لي حق الاعتراض هذه السنة.

 ثالثا: أن اشتراك اسمي لهذه الدورة مع اسم سميدع، المناضل الرمز/ الراحل/ / الغائب/ الحاضر هو إضافة نوعية في التكريم كانت من حسن حظي.

 

رابعا: أن الطاقات الشبابية الإبداعية التي شاركت في هذه الدورة بالذات، كانت إضافة نوعية للمشهد الشعري الحداثي الأصيل، زادت من تكريمنا بما قدمته من نصوص طافحة بالشعرية، تمكنت باقتدار فائق من استلهام الرمزية الثورية النضالية الإنسانية لفارسها البطل الفكري سميدع.

وبما أني أدعي أني اشترك مع الرمز المكرم في الخلفية الثورية، التي تؤمن بالمثقف الثوري، المثقف العضوي، بمفهوم اكرامشي، الذي لا يمتهن الحربائية في تلونها، ولا الضفدعية في نقيقها، فأني أحب أن ألقي نص " أنا سيد الثورات"، الذي كتبته 2011، في مهب ثورات الشعوب العربية ، التي كانت دوافعه ومنطلقاتها مسوغة، ومشروعة، لكن مآلاتها احترقت...حيث أردت في هذا النص أن أقول: إن الثورة ينبغي أن تكون داخلية تعتمل في وجدان الثائر وفكره، قبل أن تنتقل إلى الخارج.

 

 

 

أنا سيد الثورات

 

 الأرْضُ.. ترْجُفُ..

تحْتَ أقدام الطواغيتِ..

السّمَا غَضْبَى.. الأعاصِيرُ..

الجماهيرُ.. الحشودُ.. الثوْرَةُ الكُبْرَى..

على الأصْنامِ.. والأنْصابِ..

والأزْلامِ!

 

أنا طائرُ الفينيقِ..

أُبْعَثُ مِنْ رَمَادي.. هكذا..

أنا ماردٌ..

أبْطلتُ طلْسَمَ قمْقمي..

أنا قادِمٌ..

إنِّي " سُليْمَانُ " الزَّمَانِ..

مُسَلّحٌ بالعِلْم والإعْلام!

 

قدْ جئتُ أنْسخُ "آيةَ الكُرْسِيِّ"..

في شرْع الطغاةِ.. الخالِدينَ..

بـ "سُورةِ الناسِ" الأُباةِ.. الرافِضينَ..

"مُؤبَّدَ الأحْكام"

 

"ارْحَلْ"..

أنا الشعْبُ المُدَجَّجُ بالرُّؤى..

"ارْحَلْ".. نَشِيدي..

وَحَّدَ الأوْطانَ..

ألْغَى زُورَ هاتِيكَ الحُدُودِ..

العُرْبُ تَهْتِفُ كُلُّها-مِلْءَ الشوارع-:

أيّها الجَبَّارُ.. "ارْحَلْ"

بَطشُكَ الدَّامي..

بلا جَدْوَى..

جدارُ الرُّعْبِ.. قدْ أهْوَى..

لَدُنْ هَبَّتْ عَواصِفُ

ثوْرَتي.. بسَلام!

 

أنا لسْتُ أمْلكُ مِنْ سِلاح..

غيْر مُسْكةِ كبْريا..

تأْبَى الحَياةَ.. بلا حَيَا..

أُفٍّ عَلى خُبْزٍ.. بلا عِزٍّ..

على وَطنٍ.. بلا سَكَنٍ..

على عِلْمٍ.. بلا طعْمٍ..

على حُكْمٍ.. بلا عِلْمٍ..

أنَا حُرٌّ..

أوَاجِهُ مَنْ يُهينُ مَقامي!

 

أنا لسْتُ أمْلكُ مِنْ سِلاح..

غير صَدْري.. عاريًا..

خَبَّئتُ فِيهِ القلبَ.. قنْبُلةً..

مُعَبَّأةً.. بنبْض الحُبِّ..

والأحْلامِ.. والآلامِ!

 

أنا لسْتُ أمْلكُ مِنْ سِلاح..

غير جَبْهَةِ ثائِرٍ..

تَهْوَى الشّمُوخَ..

بوَجْهِ كلِّ مُكابرٍ..

ومُتاجرٍ..

بالزيْفِ.. والأوْهامِ!

 

أنا لسْتُ أمْلكُ مِنْ سِلاح..

غير صوْتٍ.. لا يُباعُ..

ولا يُحاكِي البَبَّغا..

بالحق يَصْدَعُ.. لا يُراعُ..

يُعَطِّرُ الآفاقَ.. بالأنْغامِ!

 

أنا لسْتُ أمْلكُ مِنْ سِلاح..

غيْر عَيْنيْ شاعِرٍ..

تسْتشرفان.. غدًا جَميلا..

في دُجَى قبْح الظلام الطامي!

 

 

أنا لسْتُ أمْلكُ مِنْ سِلاح..

غيْر هاتيْن اليديْن..

لغيْر رَبِّي.. لمْ تُمَدَّا

تُتْقِنانِ.. إشارَة َالنصْرِ..

التحَدِّي..

تَصْنعانِ السِّحْرَ..

بالأزْرارِ.. والأقلام!

 

أنا لسْتُ أمْلكُ مِنْ سِلاحٍ..

غيْر عَقْلٍ..

خبَّأ الأعْصَارَ..

والأقْطارَ..

والأفْكارَ..

تحْتَ الزرِّ..

إنِّي سَيدُ الثوْراتِ..

رَبّ السِّلْم..

فالحُكَّامُ - منذ الآن-

طوْع زمامي

                                     2011

 

شكرا لكم.

أدي ولد آدب

 

 

 

نص كلمة د. بدي ابنو:

 

 

 

 

أخواتي الفاضلات، إخوتي الفضلاء،

 

 

 

 

 

يقول صديقي الشاعر الكبير أدي ولد آدب:

 

"كمْ شاعِرٍ.. خَطَّ فَوْقَ الـرَّمْل.. قــافِيةً

وبَثَّ أطلالَهُ.. شكْـوَى الهَـوىَ.. ذِكَرَا

فكُلُّ حَبَّةِ رَمْلٍ.. هـا هُــنا.. ثـَـمِــلَــتْ

بالشِّعْر.. فاسْمَعْ صَلِيلَ الرَّمْل.. قدْ شَعُرَا"

 

شكراً لسادنات الحرف ولسدنته، شكراً جزيلاً لكلّ المشاركات والمشاركين،

 

إنه الشعر والأرض والتاريخ، أو كما قال يوما المرحوم الشاعر الكبير محمد ولد عبدي "هو الشعب أرضٌ، هي الأرضُ شعبٌ، هما الشعر..."،  شكرا لكمْ ... فمعكم يلتقي التاريخ بالتاريخ، إنها قصائد عظيمة في ذكرى رجل عظيم، قصائد يعانق فيها الإبداع  معنى الفعل، يعانق القولُ التاريخي معنى الفعل التاريخي ووجهتَه في ذكرى رجل سيتحدّث بلاشكّ عنه يوماً تاريخ هذه الأرض كثيراً.      

 

 

 

أيتها الفاضلات، أيها الفضلاء،

 

 

 

كما تعرفون لم يعش طويلاً المناضلُ الرمز سيدي محمد سميدع - رحمه الله برحمته الواسعة – ، فقد توفي وعمره يناهز الأربع وعشرين سنة. إنّه زمن قليلٌ إذنْ وتاريخٌ عظيم. لم يكن لديه متسعٌ من الوقت  لما ليس جوهرياً، لذلك اهتم بما عليه أن يفعلَ في الميدان وقدّم أقصى ما يمكن أن يُقدَّم ورحل. كان عليه أن يكسر الصمت في تيه الصحراء الرتيب وفعلَ.

 

لقد عَرفَ كيف يمنحُ أجيالا من مجايليه ومن الأجيال اللاحقة الشغفَ بالحق والعدل... فبتلك القدرة العجيبة التي أوتيها قلّة، منحَهُمْ الرغبةَ في امتلاك التاريخ بدل الارتهان له، منحهم الرغبةَ في تغيير الواقع بدل الخضوع له.

 

يصوِّرروائياً الشاعرُ الكبير أحمد ولد عبد القادر المراحلَ الأخيرة من مسار بابا الحكيم - الشخصية الرئيسة في روايته "الأسماء المتغيرة" - كمراحل مسكونة بذلك الوعي الذي اكتسبه الحكيم من معياشته أواخر الستينات للمدّ التعبوي الذي كان سميدع وهجه الأول. وسيكون أيضا بابا الحكيم شاهداً على الرحيل المبكر للمناضل الأيقونة. هكذا يقود تاريخ الألم الأسماء المتغيرة، يقود بالحرف وبما خلف الحرف الطفل موسى الذي أصبح سلاّك إلى أسماء منسية كثيرة. وبعد ما يناهز القرن من تقلب النكبات والأسماء، تفصل وضعية الطفل الضحية عن وضعية الأب الحكيم، أدرك الحكيم مع سميدع أن الحرية الفردية لا يمكن اكتسابها دون الحرية الاجتماعية، أن الحرية هي اسم آخر للعدالة، فبهما يمكن أن تُنجب الأسماء المتغيرة اسماً ثابتاً يخرج على سياط "الحجّابين" المحليين والجنود الغزاة. قال الحكيم وهو يودّع هذه الأرض “يا إلهي لشدّ ما تعذّب أبناء الأرض. نعم تعذبتُ فوق طاقة تحملي”، قالها بعد أن ساءل كثيراً مقاطع حاصة من مرثية أحمد ولد عبد القادر لسميدع:

"وما تنال سهولُ الأرض من دمنا

 سيســـتحيل أزاهـــيرا وأغـــــصانـا

تُخفي الترابُ بذورَ النبت تأكــله 

والنبت يخـترق الأجـواء ريــان"

         

 

قلةٌ هم الذين يعرفون كيف يمتنعون عن مجاملة الواقع والتاريخ، ويمتنعون عم مجاملة الغزاة والطغاة دون أن يستقيلوا من الواقع والتاريخ. سميدع هو الاسم العلم لتلك السنوات المحورية القليلة، بلْ لتلك السنوات اللانهائية، الأبدية، فقد سجّلَ بهدوءٍ رغم حصار المكان والزمان، سجّلَ بهدوءٍ  رغم قلّة ما منحه القدر من عمر، رباعية الحاء والراء والياء والتاء. إنها تلك الأحرف التي ستلهم أجيالاً وستمنح الآفاق الزرقاء ألواناً جديدة لم تعهدها، ونغماً سحرياً لم تكن تأبه له، وشجواً رسولياُ يجمع شموخ القتاد والباوباب بكبرياء النخيل وبصبر المجابات وحكمة مجمع البحر والنهر وبنبوئية الصحراء الشاسعة. وهو وأسماء أخرى غير كثيرة أصرّوا على أن تبقى التلال وفيةً لشرف التلال، وعلى  أن تستعيدَ البطاح عنفوان البطاح ... وهو وأسماء غير كثيرة منحوا الحدسَ الجماعي أحرفَ سرٍّ أصبحنا بها نرى في الأفق وعداً آخر وربابةً لم تُعزف بعد وشمساً بمستوى الشمس.

 

 

 

أخواتي الفاضلات، إخوتي الفضلاء،

 

ختاما أتمنى أنْ نقرأ الفاتحة معا واقفين على روح المرحوم سيدي محمد سميدع رحمه الله برحمته الواسعة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا.

 

 

 

أشكركم،

 

بدي ابنو

 

 

 

كلمة أسرة المناضل سميدع / د. محمد محمود محمد سميدع:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على نبيه الكريم

 

كلمة شكر وتقدير

أيها الجمع الكريم

بدوري أرحب غاية الترحيب كل باسم ووسمه، وأصالة عن نفسي وباسم عائلة أهل سميدع وكافة المسمى لا يسعني في بداية حديثي هذا إلا أن أشكر جزيل الشكر وأمتن عظيم الامتنان إلى مجموعة سدنة الحرف على كل الجهود التي يبذلونها من أجل الوقوف مع قضايا أمتنا الإسلامية والعربية سواء تعلق الأمر بتخليد قضاياها أو تعلق الأمر بإنصاف وتخليد زعمائها على مر التاريخ، ومن هنا يأتي الشكر مضاعفا بالنسبة لنا كموريتانيين بشكل عام، وبشكل خاص بالنسبة لنا كأفراد عائلة المناضل والبطل الشهم سيدي محمد سميدع – رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته.

 ولا غرابة في ذلك فهم خيرة من خيرة.

وهل ينبت الخطي إلا وشيجه   وتغرس إلا في منابتها النخلُ

فلهم منا جميعا أسرة ومسمى كل الشكر والتقدير والعرفان بالجميل، على هذا الاهتمام من خلال تخصيص دورة الشاعر والأديب الأريب الدكتور: أدي ولد آدب حفظه الله ورعاه، وأطال عمره، لفقيدنا وفقيد الوطن ككل المرحوم سيدي محمد سميدع.

 

أيها الجمع الكريم

لا أخفيكم أنني أقف أمامكم عاجزا عن وصف هذه اللحظة التاريخية التي يخلد فيها هذا البطل المناضل الشجاع الأبي.

إلا أنه من باب المحاولة فقد أعددت هذه الكلمة الموجزة التي أود من خلالها أن أقدم أسطرا قليلة من حياة هذا البطل النادر الذي لا يمكن أن تفي حقه المؤلفات العديدة ولا الدواوين الكثيرة.

فهو سيدي محمد ولد محمد لمين ولد محمد مولود ولد محمد ولد أحمد ولد سميدع ولد حبيب الله ولد محمذن ولد محمود اليعقوبي الجعفري نسبة إلى عبد الله ابن جعفر الطيار رضي الله عنه وأرضاهما.

  • ويكفينا ذلك شرفا وفخرا وعزا ونصرا وشموخا.
  • وأمه المغفور لها بإذن الله تعالى المرأة الصالحة الشريفة عائشة بنت سيدي ولد اخليل بيت العز والشموخ والشرف من آل شمس الدين.
  • ولد سيدي محمد سنة 1946 ودرس القرآن والعلوم الشرعية واللغوية على أبيه الوالد المغفور له بإذن الله تعالى العلامة اللغوي محمد الأمين ولد محمد مولود (لولاد) فحفظ القرآن عليه وأخذ عنه العديد من علوم الفقه واللغة وكان نابغة حاد الذكاء سريع الفهم، ولما كان والده أحد رواد جيل التعليم الأول في البلاد فرض ذلك التحاق صاحبنا بالتعليم النظامي وبرزت مواهبه وتفتقت عبقريته حتى صار مثلا يشار إليه من بين أقرانه، وكان ذلك منعطفا في حياته تجسد مع بلوغه الخامسة عشر من عمره حيث نالت موريتانيا الاستقلال آنذاك على غرار أغلب المستعمرات في العالم خاصة المستعمرات الفرنسية جنوب الصحراء، ولما كان الاستقلال ناقصا أو شبه منعدم نظرا للتواجد الفعلي للمستعمر في كل ثنايا ومفاصل الدولة، كان ذلك يحز في نفس هذا الفتى الأبي، وكأنه ولد من أجل حمل مشعل النضال وطرد المستعمر وقيام الدولة على قيم العدل والإنصاف ونبذ التفرقة والقضاء على جميع الفوارق الاجتماعية.
  • نشأ سيدي محمد في بيت مسكون بهموم القومية العربية والدفاع عن اللغة العربية التي لم تكن آنذاك مدرجة في مناهج التعليم، فكان أول من وقف أمام الرئيس المختار ولد داداه رحهما الله، خلال زيارته للثانوية الوطنية حيث صاح في وجهه مطالبا بإدخال اللغة العربية في مناهج التدريس، وقد ذكر ذلك أعضاء الوفد خاصة الفرنسيين منهم على غرار الأستاذ Fransesse Du Chasse افرانسيس دي شاسي الذي قال ذات يوم وصلت إلى نواكشوط في بداية عقد الستينات وتزامن وصولي مع افتتاح الثانوية الوطنية فدخل علينا رئيس الجمهورية بالقاعة أثناء حصتي الأولى، فجأة وثب شاب صغير يكاد يطير من الحماس المتدفق وخاطبه قائلا: "كيف يعقل أن تدرسوا أجيال المستقبل بلغة المستعمر؟ نريد ترسيم اللغة العربية وتعليمها حالا".

وكان ذلك الفتى صاحب الانتفاضة من أجل لغة الأم هو بدر الزمان الموريتاني المناضل سميدع.

سيدي محمد أو سميدع، كما يحلو للكثيرين رغم أن عمره النضالي لم يزد على سنوات محدودة إلا أنه شهد الكثير من المحطات، فقد اشتهر في الأوساط النقابية وكان يتصدر صفوف المطالبين بترسيم اللغة العربية وأصدر (مجلة موريتانيا الفتاة) كما قاد بعد ذلك إضراب 9 فبراير المناهض لحركة رفض تدريس العربية وقد قاده ذلك إلى السجن يناير 1966.

إذ يقول أقرانه إن دخوله السجن غير نظرته للأمور فأدرك حينها أن الاستعمار هو العدو الحقيقي للوحدة الوطنية وأنه من أجل الحصول على الاستقلال الحقيقي لا بد من توحيد الشعب بمختلف قومياته ومن هنا بدأ يفكر في تأسيس (حركة وطنية)، كان المرحوم سيدي محمد قائدا في الحراك المندد بالعدوان الثلاثي على الجمهورية العربية المصرية سنة 1967 وهو الحراك الذي أسفر عن قرار موريتانيا غير المسبوق بقطع العلاقات مع الولايات المتحدة وبريطانيا، كما وقف إلى جانب عمال المناجم عندما كانوا يطالبون بحسين ظروفهم ودخلوا في احتجاجات وصدامات مع الأمن راح ضحيتها العديد من الشهداء رحمهم الله تعالى.

بعد أن أكمل تعليمه الثانوي توجه المرحوم سميدع إلى دكار العاصمة السنغالية حيث درس بكلية الآداب بجامعة الشيخ أنتا ديوب ولكنه لم يتوقف عن النضال إذ أصدر من هناك نشرية الكفاح التي كانت تطبع في دكار وتوزع في موريتانيا، فكانت غرفته في الحي الجامعي ورشة عمل ومقر رئيسي للتحرير وطباعة وسحب وترجمة جريدة الكفاح، وسيدي محمد هو المحرر والمترجم والطابع والساحب كما كان كثير المطالعة والقراءة ومعه عشرات الكتب والجرائد والمجلات العربية ويكره لغة المستعمر رغم أنه يجيدها بشكل لا مثيل له.

واستشهد هنا بما كتبه الوزير السابق والديبلوماسي والرئيس الحالي للجنة الوطنية المستقلة للانتخابات حيث كان يسكن في غرفة واحدة مع سيدي محمد والحديث للدكتور محمد فال ولد بلال حفظه الله ورعاه، حيث يقول في إحدى تدويناته بعد زيارته للغرفة التي كان يسكن فيها في الحي الجامعي في دكار "... وقفت حائرا أمام زحمة المشاعر والأحاسيس والذكريات وأكثر ما هالني في اللحظة واستحوذ علي هو سميدع:  شخصيته الفذة، حياته القصيرة سنا الطويلة معنى، إرادته الفولاذية، جديته الخارقة، معيشته الزاهدة، معشره الحلو، كان قليل الأكل والنوم، متواضعا ملتزما صارما مع نفسه منضبطا".

توفي رحمه الله تعالى في يوم 07 يناير 1970 بعد مرض ألم به وصعدت روحه إلى بارئها رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته وألهم ذويه الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 ولعمري فقد صدق الشاعر والأديب الكبير الوالد أحمد ولد عبد القادر في قصيدته لأخيه وزميله سيدي محمد ولد سميدع حيث يقول:

يحز في القلب آلاما وأحـــزانـا ** موت الصــــديق إذا مــا كــان إنسانا

وكان حرا نقي العزم متــــخـذا ** على مبــــادئه بالبــــذل بــــــرهـــانا

يجود بالنفس مرتاحا ومغتــبطا ** ويوسع الـــذات عنـــد الجــود نكرانا

براءة الطفل تحنو فوق بســمته ** إن كان يألف إخــــوانا وخــــــــــلانا

وصولة المارد الجــبار عـــادته ** إن ثار يفــــضح تدليــــسا وطــغيانا

قل للطلائع إذ ترثــي سمــيدعها ** والرزء أثقل من أجـــــبال تاگـــــانا:

لا تمنحوه رثاء لا يــلائـــــــــمه ** دمـــعا وخـــوفا وإشــــــفاقا وإذعانا

قد كان يأمل والتصـــميم شيــمته ** أن تصبحوا لسماء المجد عقــــــبانا

فلتأخذوا المشعل الخفاق من يــده ** ولتملؤوا الـــدرب إقـــداما وإيــمانا

يا مـــن يعز علـــــينا أن نفارقــه ** حيا وأصــبح في أعـــداد قتــــــلانا

ذكراك تأخذ من شعبي مرارتــها ** عهـــدا عــلى الـثأر لن يلقاه كسلانا

لا نرهب الموت لا نخشاه إن لـنا ** للموت فهما يســلي عــن ضــحايانا

يعطي الشهيد مثالا من بطـــولـته ** فيصبح الكل أبطــــــالا وشجــــعانا

وموكب النصر والتاريخ منطلـق ** رغم الصعاب يجوب الدرب جذلانا

وما تنال سهول الأرض من دمنا ** سيســـتحيل أزاهـــيرا وأغـــــصانـا

تخفي التراب بذور النبت تأكــله ** والنـــبت يخـــترق الأجـــواء ريــانا

وجذوة النار تخلو من حرارتـها ** من بعد ما تمــــلأ الــــوديان نيـــرانا.

وفي رسالته الخالدة إلى روح سميدع عليهما رحمة الله يقول الشاعر المهندس الأمير المرحوم الشيخ ولد بلعمش:

سميدع مرت الأيام برقا

 فكنت حديثها غربا وشرقا

كأنك من سجوف الغيب طيف

يبلغنا رسالته ويرقى

قرأت على النضال فكان فتحا

وناديت الجموع فكان صدقا

فماذا لو لبثت بنا قليلا

تفتح أعيينا وتدل حمقا

وكان طريقنا شرفا وبذلا

فبدل بعضنا لينال رزقا.

 

رحم الله شهيد النضال والعزة والإباء، رحم الله سيدي محمد سميدع وأسكنه فسيح جناته وألهم ذويه الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

____

روابط ذات صلة:

سميدع الرمز: محمد عبد الله بليل

كلمة د.أدي آدب الموجهة إلى "سدنة الحرف" بمناسبة توزيع جوائز أول مسابقة شعرية لتخليد الرمز الوطني الكبير سيدي محمد سميدع "رحمه الله"

كلمة د. بدي ابنو الموجهة إلى "سدنة الحرف" بمناسبة توزيع جوائز أول مسابقة شعرية لتخليد الرمز الوطني الكبير سيدي محمد سميدع "رحمه الله"

كلمة أسرة المناضل سميدع خلال حفل "سدنة الحرف" لتوزيع جوائز أول مسابقة شعرية لتخليد الرمز الوطني الكبير سيدي محمد سميدع "رحمه الله"