إعلانات

عام كامل.. ولم أسمع صوتك..

اثنين, 22/06/2020 - 16:42

محمد ناجي أحمدو

 

 

في يوم عيدك وكل الأيام أعيادك.. أعيد ما كتبته عاما بعد رحيلك:

عام كامل.. ولم أسمع صوتك.. ترتيلك للقرآن العظيم.. حكاياتك الشعرية العبقة.. أحاديثك التي لا تمل..

عام كامل.. أجل اثنا عشر شهرا.. خمسة وستون وثلاثمائة يوم.. كيف أطقنا عاما كاملا من بعادك..

في مثل هذه اللحظات قبل عام.. أخذت سبحتك وتمتمت بأدعية خافتة؛ ورفعت بصرك إلى السماء.. وعادت الروح إلى بارئها..

ذهب الأب؛ الصديق؛ المعلم؛ المعين على بره.. إلى ملكوت الله.. التحق مأسوفا عليه؛ مودعا بالدموع والترحمات؛ بلائحة تمتد إلى آدم أبي البشر من الآباء..

وما الناس إلا هالك وابن هالك.. وذو نسب في الهالكين عريق..

ولكن.. أبتاه.. هل رحلت حقا.. غيابك الجسدي؛ يقول نعم..

لكن ذكرك وقيمك وأعمالك تقول لا.. ما حدث فقط هو أن عمرك الأول انتهى؛ وبدأ عمرك الثاني.. وهو عمر سيبقى ما بقي متغن بالفضائل.. صَب بجلائل الأعمال..

أبت من أين أبدأ الحديث عنك.. وكيف أبحر فيه.. وكيف أرسو؟.. من أين لي بحرف لا يكون مقصرا عن التناسب مع جلالك.. مع مجدك.. عليائك.. نبلك..

هل تصدق.. يا والدي الأجل.. أنني أمضيت عاما كاملا.. وأنا عاجز عن أن أخط حرفا.. نثرا أو شعرا عنك..

لذت بالصمت عاما كاملا.. وبعض الصمت كلام مزمجر..

لم أبكك.. أنت علمتني أن أكون جلدا.. وأنت أيضا أكبر من أن تُبْكى.. وأنا من جعلت منه المصيبة رجلا بالقوة..

أبتاه: ما اقتنيت بعدك كتابا ممتعا؛ إلا وفكرت أنك لو كنت حيا؛ كان هدية مناسبة لك..

أنا الآن.. لا أبكي بعكس الكثيرين من الذين يكتبون المراثي.. في لحظة ما؛ ينقطع الخيط الفاصل بين الحقيقة والأمنية؛ ليشرق المؤبن بدموعه..

كلا.. أبتاه؛ أنا الآن أبعد ما أكون من الدموع.. لا أبكي لأنني أعرف أنك كنت تعد نفسك لما صرت إليه..

ولأنني أعرف أنك كنت تقوم الليل؛ وتمشي في الظلمات إلى المساجد؛ وأنك كنت تحبر الأسحار بالطواسين والحواميم؛ وطوال وقصار المفصل والمثاني..

كان القرآن ربيع قلبك.. وجلاء حزنك.. كنت تأنس إليه؛ وتأنس به.. وتحب فيه وله.. ويسوءك أن يتفلت من صدرونا..

لأني أعرف أنك الجواد السمح السخي الكف.. الموطأ الأكناف.. السهل المعشر.. الألوف المألوف.. العزيز النفس.. الصبور.. الجلد.. الهين اللين.. الذي يمشي على الأرض هونا.. لا يريد فيها علوا ولا فسادا.. المنصرف إلى شأنه.. الغني عن ما في أيدي الناس..

ويعلم الله؛ وهو خير الشاهدين أني ما قلت إلا حقا؛ بل والله ثم والله؛ ألية برب السماء إني لمقصر جدا عن تعداد نزر من فضائلك.. أنت رجل الدنيا والآخرة حقا..

أنا الآن لا أبكيك.. أنا جذل فخور أنك تركت الأثر الحسن والذكرى الطيبة في نفوس جميع من يعرفك..

تقاطر علينا لحظة رحيلك إلى الملأ الأعلى الحزاني والمعزون من حيث نتوقع؛ ومن حيث لا نتوقع.. وأطبق الجميع يثنون عليك..

بعد رحيلك سمعت تأبينات صادقة تنطلق من أفواه قرائب لك؛ كنت تتعهدهن وآباءهن وأمهاتهن بالنوال الخفي في سنوات غبر.. هلك فيها الخف والظلف.. واحتجب الكرام..

كم مرة بعد انتقالك إلى الرفيق الأعلى، أخذت كمي إحداهن؛ وذرفت دموعها؛ وقالت "اببوك بعد.."..

أعرف أن لي أبا.. لي أب ضخم.. وهو شيء يحملني شططا في هذه الحياة..

فالأباء الضخام يثقلون على أبنائهم.. وما فيك أبتاه من صفة تثقل عليَّ إلا تيك..

أبتاه:

سلام عليك في الحياة.. سلام عليك في الممات.. سلام عليك يوم تبعث..

سلام على غر الفضائل والعلى..

سلام على القرآن.. على الصلاة.. على الصيام.. على الفتوة.. على كل القيم التي بها يفخر الرجال..

وأعلم أني لم تصبني مصيبة .. من الدهر إلا قد أصابت فتى قبلي

جادت قبرك الطيب الطاهر سحائب الرضوان.. ورفع الله قدرك بين الصالحين.. ونفعنا بك..

عسى الله في يوم المعاد أن يلحقنا بك في الجنة مع الذين أنعم الله عليهم..

27 نوفمبر 2015