إعلانات

رفضت العودة إلى موريتانبا حرصا على شعبها .. وأسلمت الروح إلى باريها فى لندن (قصة فتاة أسمره مع بلاد شنقيط )

سبت, 11/04/2020 - 23:24

رفضت العودة إلى موريتانبا حرصا على شعبها .. وأسلمت الروح إلى باريها فى لندن (قصة فتاة أسمره مع بلاد شنقيط )

 

أعلن مساء اليوم السبت 10 أبريل 2020 عن وفاة الفتاة الأرتيرية (منى مصطفى) أو عاشقة موريتانيا التى عاشت فيها لبعض الوقت ، وظلت حاضرة فى وجدانها رغم السكن والزواج فى العاصمة البريطانية لندن، والحصول على جواز سفر من كندا ، وعودة العلاقة بين أسرتها وأسمرة التى عاشت محرومة من رؤيتها، بفعل الأزمة السياسية.

فى الثامن عشر من مارس كتبت الناشطة الأثيوبية على حسابها "أخيرا أغلقت المدارس عندنا
وكلها أيام وستكون لندن تحت إغلاق تام.
كم تمنيت في هذه اللحظة أن أكون في نواكشوط... لكن من كثر ما أخاف عليها سابقى هنا... لكي لا نكون سبب في نقل العدوى إليها".

وقبل أيام أعلن عن إصابتها بفيروس كورونا القاتل ، ليضع حدا لحراك ناشطة إسلامية كانت فاعلة أينما حلت، دون اهتمام بحواجز اللغة واللون والجغرافيا.

وهذا أبرز مقال كتبته عن موريتانيا ؛

وداعا نواكشوط .. وداعا طفولتي

ولاء الصغيرة تنتحب شوقا إلى نواكشوط وهي لا تزال بمنزلنا... وما عساي أفعل أنا ؟ ولاء لم تعرف من نواكشوط ما عرفت، لم تعرف الصحراء الموريتانية ولا حاورت السماكين، لم تقف على الشاطئ تداعب أحلامها، وتتأمل الحياة من حولها.. لم تسر في أزقة سوق كبتال الضيقة تسأل عن أثمان الدراريع، وتلتقط الصور مع بائعات الملاحف.. لم تقتبس أبدا من بركات الشيخ شغالي، هو يعلم الناس الخير ويبث هديه المعطر... ولا ضمها مجلس الشيخ ولد فتى مع أخوات صادقات يبكين مع الموعظة، ويسألن في لهفة إلى تعلم شيء من دين الله.
لم تسر ولاء الصغيرة بمثل قلبي في الصحراء، ولم تتعلم منها الطيبة والكرم، لم تستمتع بحياة الفطرة في شوارع سينكيم لأنها لم تع تعقيدات الحياة المنتكسة.
ما يزعج ولاء في لندن أنها لن تجد أصدقاءها وستترك من تعرفت عليهم هنا.. ويزعجني أنني سأترك طفولتي هنا.. ستأخذ ولاء طفولتها إلى لندن وتبحث عن أصدقاء، وسأترك خلفي هنا منى مصطفى الطفلة الهائمة بين ساحات المعرفة والتفرس في وجوه البسطاء، واستلهام حكمة السعادة من عيونهم...
لست أدري تماما لماذا أحب نواكشوط، ولما ذا تغالبني الدمعة كلما فكرت في فراقها... هذه أشياء لا يستطيع الإنسان إدراك حقيقتها كما لا يمكنه أن يهتدي إلى سر السعادة في أمر من الأمور... السعادة شيء نعيشه دون أن نعرف مصدره بدقة... وأنا أعشق نواكشوط لأنها سعادتي..
لندن أكثر أضواء وأناقة.. لكن نواكشوط أشع أنوارا، واسلم فطرة.. بين هذه التلال نمت مدينة هي السعادة بالنسبة لطفلة في نهاية عقدها الرابع أينعت ذات خريف في مونتريال!! ياللعجب! ثم ترتحل إلى ضباب آخر الدنيا في المدينة العجوز، ترتحل إلى دنيا الأشياء مخلفة وراءها دنيا الناس... هذه نعم الخالق ترفل فيها المدن التي ما زالت تحتفظ ببعض الحياة الاجتماعية لا تشكرها لأنها تحسبها نقما... غيرتها من مدن الأشياء، مثل غيرة المتدينين من حرية الفجار... الفاسق أيضا يغار بحرقة من حياة الملتزم الطيب.. يتبادلان الغيرة تماما كما هو حال نواكشوط ولندن...تحسب نواكشوط أن لندن أوتيت كل مفاتيح السعادة، وتعتقد لندنن وهي على صواب، أن نواكشوط تحتفظ بالسعادة مفتحة الأقفال..أنا مع لندن، رغم أن (ولأن) نواكشوط حبي من بين المدن..
أنظر إلى نواكشوط على أنها تعويض من الله عن حرماني من مدينتي التي مات أبي وهو يحمل حلمها بين جنبيه، وشاخت أمي وهي تناضل من أجلها... أسمرة، حلمي الذي حققته في نواكشوط، وعشيري حلم حققته بين الموريتانيين... تعاملت مع رجالهم ونسائهم على أنهم أهلي قبلوا بي مختلفة عنهم وأحبوني كذلك.. أما أنا فهمت باختلافهم، واستعدت طفولتي بفطرتهم النقية... عايشت البحر في براءتهم، وعانقت القمر في فيض سماحهم... آه من فراقهم...آه..
تعلمت في نواكشوط أن الناس يمكن أن يعيشوا كما يريدون، وأن مُثُل المروءة والحب والعطف والحنان واحتضان من نحب قد تصبح واقعا رغم أنف مونتريال ولندن حيث عربدت الحياة المادية وفرضت قوانينها... قلة جدا من الموريتانيين آذوني عن حب ورغبة في الإحسان، وكثيرون تعلمت من صداقتهم معنى الحياة وأكرموني... تعلمت في موريتانيا أن أكون أنا وتعلمت من الموريتانيين القبول بكل إنسان كما هو... هذه واقعية لا تتيح المدن الكبيرة تعلمها...لأن لها قوانين تفرض عليك، (ولا أقول تتيح لك)، أن تنأى عمن لا تريد... قانون نواكشوط صارم في تعليمك التعامل مع الناس... لأنها مدينة للبشر وليس للأشياء...

آه أردته وداعا بالمشاعر فتحول إلى فلسفة.. وحديثا عن الأصدقاء فكان درسا في علم النفس!! هذه إحدى حسنات نواكشوط التي تحولك إلى حكيم مقارنات دون أن تسمع بأفلاطون...علم أهل نواكشوط في صدورهم... وجمالهم في أخلاقهم.. صديقهم في عيونهم..وكرمهم في الطريق..

سأكتب قصتي، بل قصصي الكثيرة، مع نواكشوط يوما ما لكني الآن أتركها كارهة حزينة مرغمة وأودع أهلها والدموع تغسل أخطائي في حقهم، ولمسات قلوبهم الطاهرة تحفني بحنان دافئ...أستودعكم الله أصدقائي.. وأستودع الله مدينتي... سأعود إليك يوما لأمارس طفولتي التي لا أستعيدها إلا فوق ثراك وفي أحضان بحرك... ولاء ستأخذ طفولتها معها... أما أنا فسأرتكها وديعة عندك... فاحفظيها لي.. وداعا طفولتي وداعا مدينتي...

     المصدر: زهرة شنقيط