إعلانات

مؤرخة تكشف أسرار الناجية الأخيرة من تجارة الرقيق في أمريكا

اثنين, 06/04/2020 - 20:55

تبدو تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي نشاطا من حقبة بعيدة وبربرية، بيد أن مؤرخة عثرت على أدلة تشير إلى أن آخر الناجين من هذه التجارة ظل حيا في الذاكرة، لفترة ليست بعيدة.

كانت هانا دوركين، الأستاذة بجامعة نيوكاسل، قد أشارت في وقت سابق إلى أن آخر الناجين من العبودية، بعد أن أُختطف من أفريقيا في القرن التاسع عشر، ونُقل إلى الولايات المتحدة، هي امراة تدعى روديشي سميث، وتوفيت في عام 1937.

بيد أنها اكتشفت حاليا سيدة أخرى تدعى ماتيلدا ماكرير، عاشت ثلاث سنوات بعد ذلك.

توفيت ماتيلدا في مدينة سلما، بولاية ألاباما الأمريكية، في يناير/كانون الثاني عام 1940، عن عمر ناهز 83 عاما، وكانت قصة حياتها المتمردة حلقة الوصل الحية الأخيرة بالعبيد الذين اختُطفوا من أفريقيا.

لم يكن لدى حفيدها جوني كرير، البالغ من العمر 83 عاما، أدنى علم بقصة جدته التاريخية.

شهد كرير، في ستينيات القرن الماضي، العنف ضد متظاهرين يطالبون بالحقوق المدنية في مدينة سلما، وإلقاء مارتن لوثر كينغ خطابا أمام جموع المحتجين.

وقال جوني كرير لبي بي سي، إنه عندما اكتشف أن جدته كانت مستعبدة: "اختلطت عليه المشاعر بشدة".

وأضاف: "فكرت لو أنها لم تتعرض لما حدث، لما كنت هنا. لكن هذا الشعور تبعه حالة غضب".

كان تجار الرقيق قد اختطفوا ماتيلدا من منطقة غربي أفريقيا في سن الثانية، ووصلوا إلى ألاباما في عام 1860 على متن واحدة من آخر سفن تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي.
 

اشترى صاحب مزرعة غني يدعى ميمورابال كريغ ماتيلدا ووالدتها غراس، وشقيقتها سالي.

وتقول دوركين إن الشعور المخيف بالانفصال والضياع والتشتت لابد وأنه كان يسيطر على هذه الأسر، لا سيما بعد أن فقدت والدة ماتيلدا والد أطفالها وولدين آخرين ظلوا في أفريقيا.

وكانت الوالدة في الولايات المتحدة عاجزة عن منع أخذ ابنتيها منها وبيعهما لمالك آخر وعدم رؤيتهما إلى الأبد.

حاولت ماتيلدا وغراس وسالي الهرب من المزرعة بعد وصولهن بفترة وجيزة، لكن أُمسك بهن.

أدى إلغاء العبودية، في عام 1865، إلى التحرر بيد أن عائلة ماتيلدا ظلت تعمل في زراعة الأرض مقابل حصة من المحصول، يحاصرهن الفقر، ويبدو أن غراس لم تتعلم الإنجليزية جيدا.

وتقول دوركين: "لكن قصة ماتيلدا رائعة بشكل خاص لأنها قاومت ما كان متوقعًا من امرأة سوداء في جنوبي الولايات المتحدة خلال الأعوام التي أعقبت التحرر.

وتضيف: "لم تتزوج، لكن كانت مرتبطة بزواج عرفي لعشرات السنين برجل أبيض من أصول ألمانية، وأنجبت 14 طفلا".

وتقول دوركين إن من المرجح أيضا أن شريكها كان يهوديا.

وتضيف أن علاقة الزوجين كانت "مذهلة" في عصرها، تجاوزت حدود العبودية والطبقية والدين والتوقعات الاجتماعية.

كما غيرت ماتيلدا لقبها من كريغ، مالك العبيد، إلى ماكرير.

وتقول دوركين إنها كانت قوية الإرادة بشكل ملحوظ.

وتضيف دوركين، التي نُشرت أبحاثها في دورية "العبودية والإلغاء": "على الرغم من أنها (ماتيلدا) غادرت غربي أفريقيا عندما كانت طفلة صغيرة، إلا أنها ظهرت طوال حياتها بتصفيف شعر على طريقة اليوروبا التقليدية، وهي طريقة يُفترض أنها تعلمتها من والدتها".

كما حملت ملامح الوجه علامات من طقوس تقليدية في أفريقيا.

سافرت ماتيلدا في السبعينيات من عمرها في رحلة أخرى وقطعت مسافة 15 ميلا عبر طرق ترابية إلى محكمة المقاطعة للمطالبة بتعويض عن فترة استعبادها.

كانت ماتيلدا في ذلك الوقت واحدة من عدد قليل من العبيد الباقين على قيد الحياة من أفريقيا، ويبدو أنهم كانوا على اتصال ببعضهم بعضا.

كان يوجد تجمع سكني على مقربة من موبيل، في ألاباما، يضم أحفاد العبيد ممن كانوا من نفس السفينة مثل ماتيلدا، وكانت لغة الحوار بينهم هي لغة اليوروبا في غربي أفريقيا.

كانت فرصة الحصول على تعويض، في منطقة "الجنوب العميق"، التي تُطلق وصفا على المناطق السفلى في الجنوب الأمريكي، خلال ثلاثينيات القرن العشرين، ضئيلة جدا، وقد رُفضت دعوى قضائية رفعتها مستعبدة سابقة فقيرة سوداء البشرة، في جلسة استماع لم تتسم بالتعاطف.

بيد أن مثل هذه الفكرة التحريضية، ألا وهي الحصول على تعويض عن فترة الاستعباد، جذبت اهتمام الصحافة المحلية وساعدت المقابلات الشخصية في كشف بعض تفاصيل حياة ماتيلدا.

وعندما توفيت، في ظل تاريخ عبودية ظل موضوعا يتسم بالصعوبة والخطورة، لم يكن هناك نعي، ولا اعتراف.

وتقول دوركين: "كان هناك الكثير من الخزي المرتبط بأن يكون المرء مستعبدا".

وتضيف: "كان الخزي على المستعبدين، وليس على تجار العبيد".

وقال حفيدها، كرير: "ولدت في نفس المنزل الذي توفيت فيه".

وعلى الرغم من أن عائلته كانت تعرف أن ماتيلدا من أصول أفريقية، إلا أنه لم يُعرف الكثير عن حياتها.

ويقول عن بحث دوركين: "إنه يسد فراغات كثيرة لدينا عن حياتها".

ولم تكن القسوة التي واجهتها ماتيلدا مفاجأة بالنسبة له.

ويقول: "منذ اليوم الذي أُحضر فيه أول أفريقي إلى هذه القارة كعبد، كان علينا أن نناضل من أجل نيل الحرية".

نشأ كرير في عصر الفصل العنصري، وركز والداه بشكل كبير على التعليم كوسيلة للتخلص من الفقر و"مفتاح لتغيير العالم".

بيد أن قلة معرفته بشأن جدته تعكس كم من تاريخ العبودية لا يزال مجهولا.

ويقول كرير: "لم أتفاجأ بأنها كانت متمردة".

ويضيف إنهم كانوا ينشدون خلال الاحتجاجات المطالبة بالحقوق المدنية أغنيات تحمل جذور سنوات العبودية بـ "نفس الكفاح والنضال المستمرين" ويسعون إلى تحقيق أهداف "الحرية والمساواة الحقيقية" مثل جدته مستقلة الفكر.

ويقول: "إنه لأمر مريح أن تعرف أنها كانت لديها الروح التي تبعث على السمو".

ولكن لا يزال التفكير في كيف تداخل سحر هوليوود في أربعينيات القرن الماضي بشكل مباشر مع حياة النساء والأطفال الذين جُلبوا مكبلين في السلاسل من أفريقيا مثيرا لمشاعر النفس.