إعلانات

لماذا راهنت على ولد غزواني؟

ثلاثاء, 03/12/2019 - 23:17

محمد ناجي ولد أحمدو

 

في البدء راهنتُ وما زلت على الرئيس غزواني كثيرا، وربما وصمني بعضهم بأنني مصفق أو طبال.. كانت تلك الكلمات في البداية تؤثر علي..
مع الزمن عرفتُ أنه علي أن أتصالح مع نفسي؛ وأعبر عن مواقفي براحة ضمير، ولا ألقي بالا للتعليقات والتتفيهات، وحتى الهجوم النابي..
خطاب الأول من مارس؛ فعل فعله في كما فعل في كثر.. قالوا أصيبوا بأعراض "الغزونة" أو "التغزون"؛ لم تعن لي تلك الكلمات الكثير؛ أنا موريتاني أحب هذا البلد؛ عشرات من آبائي دفنوا في هذا الأديم، أعرف أماكن سبعة منهم نسقا، لا امتداد جغرافيا لعائلتي الخاصة خارج الجغرافيا السياسية التي ترسم حدود هذا الوطن، وقد شمت برقا أراه يبشر بغيث عميم يسقى الربوع التي احتضنت قبورا آبائي، وستحتضن جسدي إذا ما شاء الله، ومن خيانة الآباء والأجيال القادمة إذا تقاعست عن دعمه..
مبررات رهاني على غزواني كثيرة، وفي كل مرة تزداد بمعطى آخر..
لأول مرة في حياتي أدلج سحرا لأحضر بصفة نضالية لا حضور أول للبعد الصحفي في شخصي فيها؛ كان ذلك بوادي الناقة فاتح إبريل، لقد قررت أين أتموقع في هذا المشروع، لم أشأ أن انضم لفسيفساء اللجنة الإعلامية للحملة، رغم أن إخوة كراما لهم الشكر والتقدير سعوا إلى ذلك، فقد رابني أن بعض حراس ومريدي المشهد الذي منه أهرب قد تسوروا عليها..
كان قراري أن أخدم البرنامج والمرشح والمشروع.
وصل المرشح خيام الاستقبال في واد الناقة العتيقة تمام التاسعة صباحا، تحلق حواليه الجميع: شبابا طامحين لموريتانيا أخرى، موظفين دأبوا على حضور المشاهد القريبة من السلطة، ديناصورات التطبيل عبر العصور.. لم يكدر علي الحضور فهي حملة تستهدف الجميع؛ والأكثرية هي التي تصنع الفرق..
جلست غرب المنصة، كان التدافع كبيرا، لم أشأ أن أدخل الزحام فلست من هواته، لذلك لم أحظ بمصافحة مرشحي الذي اندمجت بالفعل والقوة في مشروعه.
بالكاد وصل غزواني للمنبر، وهناك كان بوق زيدان حاضرا؛ ليس اللوم على زيدان في تتفيه وتسويق (من السوقة لا من السوق)المجالس العامة، بل العيب في النمط الذي كان سائدا خلال العشرية، الذي ارتكس بمستوى الخطاب العام وسط تشجيع ورعاية أكابر أو كبائر القوم.
امتعض غزواني الوقور؛ الذي ليس من عادته التعليق على كل شيء من هتافات زيدان، وأشار له بيده أن يكف..
تحدث الرجل عن المقاطعة حديث العارف بها وبمشاكلها وأهلها وتاريخها، ولم يبال حرارة شمس الضحى.
عرفت من لغة قسمات الرئيس المنتظر أنه يسير بهدوء، وأنه يعرف هدفه، وأنه يعرف تفكير الجميع، وأنه ليس في عجلة من أمره.
وعرفت أنه لن يكون امتدادا لأحد أي أحد؛ فهو صاحب رؤية تدعمها ثقافة رصينة وتربية سامية وخبرة بدهاليز السلطة في البلد؛ وعلاقات دولية حسنة؛ وتلك ملامح الرجل الذي نبحث عنه..
واستمر قطار الحملة تصاحبه الانتصارات المدوية؛ وترافقه أحايين غيوم التشويهات ونثار الأكاذيب..
وكنتُ مؤسسة إعلامية تسخر نفسها للمشروع؛ قوامها جهاز هاتف، في ظروف الحرب لا يسوغ الاعتماد على الأسلحة الثقيلة مثل الكمبيوترات؛ لأنها تعيق المحارب، لذا نحيت كومبيوتري جانبا..
أبرزتُ نقاط قوة مرشحي وما أكثرها؛  وضربت خصومي؛ طبعا الظرفيين في الحملة، تحت الحزام، وكانت هذه الصفحة المتواضعة لسانا وقلما وشاشة للحملة، مستفيدة من خبرة وماضي صاحبها الإعلامي؛ وعلاقاته التي راكمها عقد ونصف من الاكتواء بشرف بجذوة صاحبة الجلالة.
لم أشأ أن أرد على السفاسف، فتربيتي توجب عليّ الترفع عن الحضحاض ودغل الأحراش، وذاك أيضا هو نهج مرشحي فقد برهن في الحملة وبعد توليه السلطة، على أنه رئيس القوم الذي لا يحمل الحقد، وأنه ممن يخاف أعقاب الأحاديث في غد.
وانطلقت الحملة الفعلية، وغام أداء اللجنة الإعلامية، وعانى الصحفيون من النقص الشديد في الإيجازات الإخبارية والصور ومقاطع الفيديو من مهرجانات المرشح..
بمبادرة مشتركة مع زملاء كرام من خارج الحملة الإعلامية نذروا أنفسهم لتوصيل خطاب المرشح وجدت نفسي بعيد منتصف ليلة الأحد التاسع يونيو على صهوة رباعية دفع تمخر طريق الأمل، لنقل خطابات مرشح الأمل..
كانت كيهيدي محطتنا الأولى، وكان يوم كيهيدي يوما من الشعرى، وكان عليّ وعلى رفقتي: المصور ومساعده والسائق ذا السحنات الإيكيدية الواضحة أن نتقمص صبر وجَلد الشنفرى؛ في ظل اكتظاظ النزل والإقامات المكيفة في عاصمة غورغول؛ وقبيل السادسة من ذلك المساء، والأستاذة الثريا؛ وليست ثريا عمر بنت الحارث، تبسط سطوتها في عالم البروج، حطت طائرة الغزواني، كان وجوه الولاية في الاستقبال، في صف منتظم ربما هو الوحيد خلال استقبالات الرجل في الحملة، القوم متقدمون في ثقافة الطابور على إخوتهم في الولايات الأخرى.
دخلت الصف وصافحت رئيسي للمرة الأولى، ولم أقدم له نفسي؛ فأنا أعرف حرارة الجو والعنت الذي يكابده من ينتقل من جو الطائرة المكيف؛ وتستقبله لفحات سموم ضفة النهر في يوم من أيام "ردم النجوم"؛ وأرى أيضا المئات التي ما تزال مصطفة تنتظر مصافحة الرجل.
خلال المهرجان افترقت وصحبتي، بعد أن نقلت جانبا مهما منه على شكل شذرات مكتوبة هنا على هذه الصفحة؛ ونفدت طاقة هاتفي، وبلغ مني العطش مبلغا، والحال أن النقود تركناها في السيارة، لا خيار في الصبر والاستماع بانتباه لفقرات الخطاب، لتخزينها في قرص الذاكرة، فأنا الليلة على المحك لتقديم إيجاز سريع وواف لمختلف الزملاء الصحفيين عن خطاب كيهيدي..
وعَدّت محطة كيهيدي، ورحب بنا الروض في سيلبابي، التي كنا نخال أنها لن تكون دون أختها حرارة جو، ولكنها كسرت سقف توقعنا فقد استقبلتنا بيوم لطيف وديع..
وبعد ذلك تتابعت محطات لعيون وكيفة وتجكجة وأكجوجت..
من خلال استماعي بتركيز وانتباه لستة خطابات متتالية في الحملة؛ كان تقديري وإيماني به يزداد، ويزداد وضوح استقبالي لما تحت سطور خطابه، ويرتفع مستوى فهمي لما تخفيه أكمة اللغة خلفها..
كنت أعرف سابقا أن غزواني ذكي، لكنني عرفت أيضا أنه ألمعي.
كنت أعرف أنه هادئ ورزين ووقور، لكنني تأكدت أنه حازم وصارم وإن بنعومة..
عرفت وفهمت من خلال خطاباته أنه يستخدم عدة مستويات من الخطاب، ولكل مستوى جمهوره المستهدف..
اليوم بعد أربعة أشهر من تولي الرجل مقاليد السلطة، ها قلاع المعارضين والمشككين تتهاوى واحدة بعد الأخرى؛ نتيجة خطوات الرجل الهادئة والرزينة والفعالة.
وها هو بحمد الله يحقق كل يوم انتصارا يضاف إلى انتصارات أمس وأول أمس..
عرفت أخيرا.. أنني كنت وما زلت بحمد الله في المكان الصحيح؛ الذي يمليه علي واجبي وضميري..