إعلانات

قتلة اقتصاديون محليون

جمعة, 02/08/2019 - 04:38

هل يوجد قتلة اقتصاديون محليون يعطلون المشاريع التنموية

 

د. عبد الحي زلوم

 

كتب جون بيركنز كتاباً بعنوان (الإغتيال الإقتصادي للأمم إعترافات قرصان إقتصاد Confessions of an Economic Hit Man) وهو موجود على الانترنت بالعربي والانجليزي مجاناً وانصح بقراءته .

ملخص الكتاب أن والد زوجته كان ضابطاً كبيراً في البحرية الامريكية وبعد تخرجه من الجامعة ارسله الى واشنطن مع توصية للعمل في وكالة الامن القومي (اكبر وكالة استخبارات امريكية – NSA). تم عمل الامتحانات المطلوبة عن شخصيته بما في ذلك استعمال جهاز كشف الكذب ورجع بعد ذلك الى بوسطن بإنتظار النتيجة . جاءه اتصال من مصدر غير متوقع هو شركة استشارية هندسية في بوسطن اسمها (MAIN ENGINEERING). وعندما سأل عن وظيفته قالوا له أنه سيكون (قاتل اقتصادي Economic Hit Man )  . أخبروه أن المطلوب هو بيع الدول مشاريع مفيدة للشركات والاقتصاد الامريكي سواءًا كانت هذه المشاريع تفيد أو لا تفيد البلد المستهدف، على أن يتم ذلك بكل الوسائل بما فيها افساد الطبقة الحاكمة باستعمال الرشاوي والجنس. أما الدول المستهدفة فهي اساساً الدول النامية الغنية لامتصاص ثرواتها و الفقيرة ايضاً بما في ذلك تحميلها من المديونية ما يفقدها سيادتها الاقتصادية وبالتالي سيادتها السياسية . ‏

سأعطي مثالا واحدا فقط عن عملية إفساد ‏لمسؤول ‏في دولة ‏نفطية لإتمام إحدى الصفقات. ‏طلب المسؤول تحضير امرأة شقراء عيونها زرقاء وهو لا يريدها من بنات الهوى لكنه يريدها أن تكون متزوجة. ‏يقول ‏ بيركنز ‏أن الشركة قد وجدت له ما طلبه في زوجة طيار. وبعد لقاءهم الغرامي مرات عديدة قررت زوجة الطيار أن تتوقف عن خيانتها لزوجها وكانت أحدى اكبر المشاكل اقناع المسؤول النفطي بالكف عن ملاحقتها ومضايقتها والقصص كثيرة ومثيرة.

**

في بداية ثمانيات القرن الماضي طلب مني احد المسؤولين الكبار في الاردن تقريراً موجزاً عن تصوري لتطوير قطاع الطاقة في الاردن . كنت  آنذاك بالاضافة الى ادارتي لشركة زلوم اند اسوشيتس  الاستشارية للمشاريع النفطية كنت مستشاراً أيضاً لمؤسسة البترول الفرنسية (IFP والمالكة ل15 شركة تعمل في قطاعات  النفط المختلفة). كنتُ مسؤولاً عن منطقة الشرق الاوسط من ليبيا وحتى الخليج العربي. كتبتُ تقريراً لا يتجاوز 20 صفحة ملخصه تقسيم الموضوع الى قسمين : ترشيد الاستهلاك وخصوصاً في قطاع المواصلات وبناء شبكة مواصلات عامة ، وتعظيم وسائط انتاج الطاقة. وهنا كتبتُ ان الاردن يملك الهواء والشمس لتوليد الطاقة النظيفة ولكنه يمتلك ايضاً حوالي  70مليار طن من الصخر الزيتي والذي يحتوي على حوالي 50 مليار برميل من المواد الهيدروكربونية (البترول) التي يمكن استعمالها للحرق في توليد الكهرباء أو لاستخراج النفط منها. 50مليار برميل هو اكثر مرتين من مجموع احتياط نفط قطر و عُمان مجتمعتين،أو نصف مخزون احتياطي الامارات.

الى ما قبل سنوات قليلة كانت اقامتي خارج الاردن ولكني في كل زيارة بل و مناسبة كنت ادعو لاستغلال الصخر الزيتي في توليد الكهرباء . كان ذلك في مقابلات عديدة مع التلفزيون الرسمي الاردني وفي عدة محاضرات في نقابة المهندسين ومجمع النقابات الاردنية. مع أنه كان يجب أن يُعطى الموضوع في بلد فقير بالثروات الطبيعية كل الاهتمام الا أن الغريب انه كان هناك عداءٌ لفكرة المشروع وبطريقة منهجية بل ومؤسسية وعلى كافة المستويات . في احدى الندوات التي شاركت فيها مع وزير طاقة سابق كانت اجابته على بعض اسئلة الحضور بأنه اذا كنا نستورد القمح فما المشكلة لو استوردنا وقود توليد محطات الكهرباء؟

**

في إحدى المناسبات مؤخراً كنت أجلس بجانب  الفريق المتقاعد بسام قاقيش وكنتُ أعلمُ انه كان يسعى ويعاني من مقاومة شديدة لمشروع صخر زيتي لتوليد الطاقة الكهربائية . بدأ الفريق قاقيش بالسعي للمشروع قبل ما يزيد عن عشر سنوات . سألته أين وصل في مشروعه. فقال الحمد لله نحن في مرحلة متقدمة من بناء المشروع . اتفقنا أن أقوم بزيارة المشروع في وقت مناسب. زرت المشروع يوم الثلاثاء 30/7/2019 وسرني ما رأيت . كان في لقائي الدكتور موفق الزعبي وهو مثالٌ للشباب الاردنيين الذين اذا اعطوا فرصة اثبتوا كفائتهم وقدراتهم.

دعني الخص انطباعي عن هذا المشروع الذي تم مقاومته عشرات السنين:

  • قيمة الاستثمارات الاجنبية التي جلبها المشروع للاردن هي حوالي 2.1 مليار دولار وكلها تأتي من الخارج.
  • رأسمال الشركة حوالي نصف مليار دولار . وأما الباقي 1.6 مليار دولار فهو تمويل صيني  أي ان نسبة الدين  الى  راس المال هي حوالي 3 الى 1 وهذا يعكس ثقة الممولين الاجانب في المشروع .
  • الشركاء في المشروع هم شركات ذات اختصاص في التعدين (الفحم الحجري) وتوليد الكهرباء . شركة ماليزية تمتلك (45%)، وشركة صينية تمتلك (45%)، وشركة استونية تمتلك(10%) .
  • الشركتين الماليزية والصينية تعملان في توليد الكهرباء من مناجم الفحم الحجري. إحداهما  تولد 30 الف ميغاواط اي  تُولد الشركة اكثر من 7 مرات من مجموع طاقة محطات توليد الكهرباء الاردنية .
  • الشركة الاستونية تولد الطاقة الكهربائية في استونيا من الصخر الزيتي . قدرات هذه الشركات الثلاثة وتكامل خبراتها هو ضمانة لنجاح المشروع.
  • المتعهد الرئيسي صيني وهو مقاول (EPC) معه مقاولين فرعيين بما فيهم شركات اردنية.
  • سيقوم أحد الشركاء بتقديم المساعدات الفنية في سنوات التشغيل الاولى الخمسة مما يضمن عملية انتقال الخبرة والتكنولوجيا للاردنبطريقة سلسة.
  • سيولد المشروع حوالي 500ميغاواط اي 15% من طاقة الكهرباء الاردنية الحالية.
  • هذا يعني انه يوفر حوالي 50 مليون قدم مكعب من الغاز يومياً مما يوفر بالتالي مئات الملايين من العملات الصعبة سنويا.
  • ويوفر المشروع ما يزيد عن 3 الاف فرصة عمل بشكل مباشر وغير مباشر .
  • المشروع يوفر كل عوامل متطلبات البيئة.
  • مع أن الشركتين الرئيسيتين ماليزية وصينية الا اني لاحظت ان المعدات الرئيسية كالغلايات (البويلرز ) والتوربينات تأتي من شركات غربية من الدرجة الاولى.
  • عملت شركتي زلوم آند اسوشيتس مستشارةً لمشروع تمويله صيني ومقاوله الرئيسي  (EPC)وذلك لمشروع شركة مصفاة الخرطوم (طاقتها 100 الف برميل في اليوم) ومملوكة من الحكوميتين الصينية والسودانية. كنا مستشارين بدءاً من أعمال التصميم فالانشاء والتشغيل، ومن خبرتي هذه استطيع القول أن الشركات الصينية لا تقل كفاءةً عن الشركات الغربية في تنفيذ المشاريع.
  • تبدأ المرحلة الاولى لتشغيل نصف طاقة المشروع في شهر ايار السنة القادمة 2020 والنصف الثاني يتم تشغيله في اكتوبر بنفس السنة.
  • اخبرت الدكتور موفق أن على الشركة أن تتوقع  بعض التحديات وخصوصاً في المشاريع الريادية كمشروعه هذا. لكن برأي فإن الكفاءات اللازمة لحل مثل هذه التحديات موجودة ضمن تركيبة الشركة والشركاء.

**

يستحضرني السؤال:

اذا كان الاردن يملك عناصر توليد الطاقة محلياً والتي تكلف مليارات الدولارات سنوياً والتي كانت سبباً اساسياً في عجوزات موازنة الدولة وبالتالي قوانيين الجباية على شعب منهك اقتصادياً فهل تعطيل مثل هذه المشاريع التنموية هو ناتج عن قتلة اقتصاديين أو جهلة اقتصاديين واترك الجواب عند القراء .

ثم لماذا نتسرع بشراء غاز فلسطيني مسروق ب10 مليار دولار والتي بها يمكن بناء ما يكفي من محطات كمشروعنا قيد البحث وتغطية 100% من طاقة الاردن الاستهلاكية من الكهرباء بالاضافة الى الجهود الجيدة التي تقوم بها وزارة الطاقة اليوم لتوليد الكهرباء من المصادر المتجددة وخصوصاً الطاقة الشمسية . حيث أنني أكتب في هذا المقال عن النواحي الاقتصادية فلن اطيل بالسؤال عن جدوى أن يكون الامن الاقتصادي بأكمله (الكهرباء) بيد عدو غادر مغتصب يدعي حزبه الحاكم ان (للاردن له ضفتان- هذه لنا وكذلك الاخرى) فكيف نقبل أن يكون اغلاق صمام واحد عنده وليس عندنا يوقف محطات كهربائنا بالكامل .

سؤالان تبادرا على ذهني ويحتاجان الى اجابة.

مستشار ومؤلف وباحث