إعلانات

حماية قلعة الاتحاد.. أوروبا ترفع أسوارها بوجه المهاجرين واللاجئين

خميس, 21/03/2024 - 03:28

 

 

 

زهير حمداني

يتحرك الاتحاد الأوروبي في اتجاهات عدة لإحكام غلق منافذ الهجرة إلى بلدانه، فقد تم ربط ميثاق بروكسل لإصلاح نظام الهجرة واللجوء الذي أقرّ أواخر عام 2023 بإجراءات أخرى وقائية تحد من وصول المهاجرين غير النظاميين عبر تقديم إغراءات مالية ولوجستية لدول جنوب البحر الأبيض المتوسط المتعثرة اقتصاديا.

وبعد تونس وموريتانيا، وقّع الاتحاد الأوروبي في 17 مارس/آذار اتفاقية مع القاهرة بهدف دعم السلطات المصرية لوقف تدفق المهاجرين غير النظاميين وتحسين ظروف استقبال اللاجئين على أراضيها، حيث تقدر منظمة الهجرة الدولية وجود نحو 9 ملايين مهاجر ولاجئ، بما في ذلك 4 ملايين سوداني و1.5 مليون سوري.

وأقر الاتحاد الأوروبي حزمة مساعدات لمصر بقيمة 7.4 مليارات يورو (8 مليارات دولار) في شكل منح وقروض حتى عام 2027 لمساعدتها اقتصاديا، ويتخوف الاتحاد أساسا من أن يؤدي الصراع في السودان والعدوان الإسرائيلي على غزة إلى تفاقم المشاكل المالية والاقتصادية في مصر وبالتالي زيادة ضغوط الهجرة على أوروبا.

حرّاس الجنوب

في عام 2023 سجلت بيانات منظمة الهجرة الدولية وصول حوالي 286 ألف مهاجر غير نظامي إلى الاتحاد الأوروبي عبر طرق برية وبحرية مختلفة، من بينهم نحو 155 ألفا وصلوا إلى إيطاليا قادمين من سواحل ليبيا وتونس بدرجة أولى.

ويضغط الأوروبيون على حكومات دول الضفة الجنوبية للمتوسط، والتي تنطلق أو تعبر منها موجات المهاجرين غير النظاميين لوقف تدفقهم وإقناع تلك الدول باستقبال من يقيمون بشكل غير شرعي في دول الاتحاد الأوروبي مقابل إغراء المساعدات المالية والأمنية والاستثمارات.

وكان الاتحاد الأوروبي قد وقّع مع موريتانيا في 7 مارس/آذار 2023 إعلانا للتعاون المشترك في مجال محاربة الهجرة غير النظامية يشمل عدة بنود، من بينها منع تدفق المهاجرين نحو السواحل الأوروبية، وخصوصا إسبانيا، وكذلك إعادة المهاجرين الموريتانيين الذين لا يتمتعون بحق الإقامة على التراب الأوروبي.

وينص الاتفاق أيضا على تعزيز التعاون مع وكالة حرس الحدود والسواحل الأوروبية (فرونتكس) مقابل الحصول على مساعدات تتجاوز 522 مليون يورو، إضافة إلى مشاريع في قطاع النقل والطاقة، لكن الاتفاق يثير مخاوف الموريتانيين من أن يكون مقدمة لتوطين المهاجرين غير النظاميين في البلاد.

وفي 16 يوليو/تموز 2023 وقّع الاتحاد الأوروبي "مذكرة التفاهم بشأن الشراكة الإستراتيجية والشاملة" مع تونس تنص بدورها على مساعدة بقيمة 105 ملايين يورو لمكافحة الهجرة غير النظامية، فضلا عن مساعدة مالية مباشرة بقيمة 150 مليون يورو، وتهدف الاتفاقية بالأساس إلى الحد من وصول المهاجرين من تونس إلى سواحل إيطاليا وخصوصا جزيرة لامبيدوزا.

 

وتعاني تونس من تدفق كبير للمهاجرين غير النظاميين، وتشير التقديرات إلى وجود 20 ألف مهاجر غير نظامي على الأقل من دول أفريقيا جنوب الصحراء في تونس بانتظار العبور إلى إيطاليا. ويرى رئيس الوزراء الهولندي مارك روته الذي حضر توقيع المذكرة أن غايتها ستكون "من  أجل إيقاف التهريب ومقاومة الاتجار بالبشر، وإدارة الحدود، وهذه الخطوة ستكون فارقة".

ورغم المذكرة وصفت في البداية بكونها مرجعا في التعاون بين الاتحاد الأوروبي وبلدان جنوب المتوسط، فقد أدى عدم وضوح بنودها بالقدر الكافي إلى توترات مع السلطات التونسية، حيث أعادت إلى الاتحاد دعما ماليا قدره 60 مليون يورو، كما أعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد في 2 أكتوبر/تشرين الأول رفضه "الصدقة" من الاتحاد الأوروبي.

ومع ذلك يستمر التعاون بين الاتحاد الأوروبي وتونس في مكافحة الهجرة غير النظامية. وفي رسالة إلى المجلس الأوروبي، سرّبتها منظمة (ستايت ووتش) "Statewatch" في أكتوبر/تشرين الأول 2023، أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين تسليم قطع الغيار لخفر السواحل التونسيين الذين يقومون بتشغيل 6 قوارب وسيتم إصلاح البعض الآخر بحلول نهاية العام.

كما تم تدشين مركز التدريب المشترك لصالح الوكالات الثلاث المسؤولة عن إدارة الحدود في تونس، ومواصلة العمل على إنشاء منطقة بحث وإنقاذ في المياه التونسية، بهدف تعزيز مشاركة  تونس في تنسيق عمليات الاعتراض وتمكين الدول الأوروبية من الهروب من مسؤوليات البحث والإنقاذ.

ويرى الناطق الرسمي للمنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والسياسية رمضان بن عمر في حديث للجزيرة نت أن "تونس تحولت إلى لاعب رئيسي في المقاربة الأوروبية للحد من ظاهرة الهجرة غير النظامية من خلال القيام بدور أمني مكثف من خلال توفر إمكانيات للحرس البحري وبرامج التعاون والتدريب مع بلدان أوروبية".

غلبة المقاربات اليمينية

خلال عام 2023، أظهرت النقاشات في بلدان الاتحاد الأوروبي وبرلمانه أن أحزاب الوسط ويمين الوسط الحاكمة والممثلة في البرلمانات، باتت أقرب إلى الطروحات المتشدّدة التي تتبناها أحزاب اليمين المتطرف الأوروبي بشأن سياسة اللجوء والهجرة.

وبشكل عام، نحت تلك النقاشات نحو العمل على وقف اللجوء وتقييد الهجرة والبحث عن وسائل فعالة لحماية الحدود الأوروبية"، و"تعزيز البنية التحتية ومعدّات المراقبة".

ويشكّل ذلك نكوصا عن اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئ وبروتوكولها الإضافي لعام 1967. وبات الحديث يدور أساسا حول تمويل الأسوار الحدودية وتشديد الإجراءات وليس مدى قانونية ذلك.

وطرحت المداولات أيضا مدى جدوى بقاء مئات آلاف المهاجرين غير المستحقين للجوء وتسريع طردهم إلى بلدانهم الأصلية، كما نوقشت فرضية تسهيل الترحيل القسري إلى "دول ثالثة"، مثل رواندا (خارج القارة) أو ألبانيا (خارج الاتحاد الأوروبي). وأبرمت إيطاليا اتفاقا مع ألبانيا لمدة 5 سنوات يقضي بترحيل 3 آلاف مهاجر وطالب لجوء -ممن يتم إنقاذهم في عرض البحر- إليها شهريا، وهو ما وصفته منظمة العفو الدولية بأنه "اعتقال تعسفي".

وباتت دول من الاتحاد مثل النمسا وهولندا وإيطاليا، وكذلك السويد والنرويج (خارج الاتحاد) تؤيد ضمنيا إقامة مخيمات استقبال للمهاجرين خارج القارة، تماهيا مع الخيار الذي تبنته سابقا كل من الدانمارك وبريطانيا (من خارج الاتحاد الأوروبي).

وبشكل عام، تستند المقاربة الأوروبية الجديدة أساسا إلى محددات، وهي الاحتجاز والترحيل وتقييد اللجوء والهجرة الانتقائية، فمن ينحدر من بلد يصنف آمنا، يُعاد إليه بغض النظر عن أسباب خروجه منه، بينما يوضع من تعذر ترحيلهم مباشرة في مراكز احتجاز قد تكون في "دولة ثالثة"، بانتظار حسم طلبات لجوئهم وفقا لأهليتهم مع شروط مشددة، كما سيتم أيضا تشديد عملية تجنيس الأبناء ولَمّ الشمل وتأشيرات العمل.

تحفظات حقوقية

ومقابل هذه النظرة لقضية الهجرة واللجوء، انتقدت المنظمات المدافعة عن المهاجرين غير النظاميين المقاربة الأوروبية الأمنية الجديدة وتشديد الحراسة على الحدود وفي عرض البحر، مما يؤدي أحيانا إلى غرق بعض القوارب.

واعتبرت منظمة العفو الدولية أن الإجراءات التي أعلنتها حكومات الدول الأوروبية أو على مستوى التكتل الأوروبي ذات أبعاد سياسية ولا تأخذ في اعتبارها المعاناة الإنسانية لطالبي اللجوء، حيث يتم إعادة ترحيل الكثير منهم إلى بلدانهم الأصلية رغم أنها ليست آمنة وستؤدي إلى "تفاقم المعاناة، وعرقلة قانون اللجوء الأوروبي لعقود مقبلة".

وإضافة إلى العفو الدولية وجهت نحو 50 منظمة غير حكومية، من بينها "أوكسفام" و"كاريتاس" و"أنقذوا الأطفال" و"مالدوزا" و"سي ووتش" رسالة مفتوحة إلى النواب الأوروبيين لتحذيرهم من تحول هذا الميثاق إلى "نظام سيء التصميم ومكلف وقاس".

وبينما رأت زعيمة حزب الجبهة الوطنية الفرنسية مارين لوبان أن الاتفاق الأوروبي يمثل "انتصارا أيديولوجيا" لمعسكرها من اليمين المتطرف وصفه زميلها النائب الأوروبي في حزب الخضر داميان كاريم، بأنه "معيب لأجمل قيم أوروبا. قائلا: "لقد خرجنا بنص هو أسوأ من الوضع الحالي، سنموّل جدرانا وأسلاكا شائكة وأنظمة حماية في كل أنحاء أوروبا".

وإضافة إلى الانتقادات الموجهة لروح القوانين الأوروبية التي غلبت السياسي والمصلحي على الإنساني، تشك دوائر أوروبية في مدى نجاح الاتفاقيات التي تبرمها أوروبا مع أنظمة وحكومات شمال أفريقيا في كبح موجات الهجرة أو احترام حقوق الإنسان.

وتقول سارة بريستياني، مسؤولة برنامج الهجرة واللجوء في الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان إن "الاتحاد الأوروبي على وشك أن يرتكب خطأ إستراتيجيا وسياسيا بتوقيعه اتفاقا مع مصر مشابها لما تم مع تونس دون وضع شروط تنطوي على رقابة مالية كافية أو ضمانات بشأن حقوق الإنسان".

ويستبعد خبراء وباحثون أيضا نجاح سياسات تشديد الهجرة واللجوء في أوروبا في القضاء عليها، بسبب إغفالها العوامل التي تدفع الناس للهجرة، وبينها الحروب والنزاعات وتغير المناخ والأزمات السياسية والتي ما فتئت تتفاقم، بما يجعل كل الأسوار والحصون قاصرة أمامها.

المصدر : الجزيرة