
-3-
قبل ميلاد الدّولة الموريتانية من "مرقّعة جغرافية" أو "مبتّــرة جغرافية"، ثار جدل صحراوي صحراوي كبير وصل بـأصحابه حدّ حمل السلاح، ضد انفصال موريتانيا عن عمقها المغربي، وانقسم مجتمع "البيظان" إلى مجموعتين:
مجموعة التحقت بالمملكة وعملت في ذات الوقت من الداخل من أجل الوحدة، أو عودة الشقيق إلى شقيقه، ومجموعة قادت "الاستقلال" الوهمي وعملتْ في إطار المشروع الفرنسي لـ"استلام" إدارة مدنية إدارية لتأسيس الدولة، وكانت باريس بطبيعة الحال قد اتخذت قرارها من خلال وقفة تجسّس جبلية قام بها الجنرال شارل ديكول في أعالي جبل كدية الجلّ... حيث كرّر حديثه الوريدي عن "دولة الصحراويين"، عن موريتانيا التي "لا يمكنها البقاء طويلا ولكن من مصلحتنا كفرنسيين أن تبقى لفترة ما قبل أن تنهار". تأمّلوا تلك العبارة جيّدا!
يمكن القول بدون جرأة إن المختار ولد داداه انحاز، في ظرف سنوات قليلة، إلى "مشروع الأصل"، إلى توحيد الأصل مع الأصل حتى لا نقول الفرع مع الأصل. وهذا خيار معروف أخذت خطوات الرجل وكلماته ومساعيه وخططه مساره دون تَهيّب، وهو ما يبدو أنّ بعض الأدبياتِ تريد القفز عليهِ، فالمختار ولد داداه بعد الاستقلال سار في مسار الوحدة العربية والوحدة المغاربيةِ، لكنه اصطدم بإرادات الدول العظمى تجاه مصير المنطقة المغاربية، وهو مصير سعى إليه الاتحاد السوفياتي بنفس القدر الذي سعى إليه أصحاب الحنين شمال جبال البرانس، الذين لا يريدون نسيان "التهديد" المغربي، وتحديدًا "أرض الصحراويين"، عبر جيشي بن زياد وبن تاشفين.
قبل أن يحاول المختار ولد داداه الخروج من الزنزانة الفرنسية، علينا أن نذكّر بأنّ الدولة في هذه المنطقة كانت "مغربية أو مغاربية" بامتياز، إذ أسّس "البيظان" أول دولة مركزية مغاربية في التاريخ، أو حتى في الغرب الإسلامي، ولم يؤسّسوا العاصمة شمالاً، أي "مراكش" من العدم، فحسب، وإنما تركوا أثرا عمرانيا وتنظيميا واجتماعيا جذوره أعمق من أي أثر آخر.
ولاحقا ظلّت الدولة بمفهوم السلطان والمرجعية العليا في الشمال، وهو ما لا يتناقض بل يتأكد عبر السلطات التي امتلكتها الإمارات العربية الحسانية في بسط نفوذها في فضاء وادي درعة ثم من وادي نون إلى سين لوي إلى أزواد، وقد كانت تلك الوضعية في القرون المتأخرة مجال أخذ وردّ بين الفقهاء "البيظان" ذوي الخلفية الصنهاجية غالباً، إلى أن دعتْ الضرورة الملحّة لضبط الكيان، فكان مشروع الشيخ ماء العينين من خلال عناوين كثيرة أبرزها "غزي لركاب"، الذي جمع الشيخ من خلاله نخبة "البيظان" في سبيل مشروعية محدّدة، أنهيت بتصميم الدول الاستعمارية على منع أي وحدة للإقليم المغربي أو أجزاء مؤثرة منه، وخاصة "الشاطئ الأطلسي المغاربي"، إلى أن فرضت فرنسا "استقلال" هذا الإقليم كغيره من "الدول" التي خرجت من رحم المشرط، موزعة الوطن الواحد فواصل حائلة بين المرء وقلبهِ ناهيك عن أخيه.
يتبع
مواد ذات صلة:
هذا بيان لسكان هذه الصحراء/ المختار السّـالم (1 من 17)
هذا بيان لسكان هذه الصحراء/ المختار السّـالم (2 من 17)