
-2-
منذ القرون الخمسة الماضية تم استهداف الصحراويين أو "البيظان" من طرف القوى الاستعمارية الكبرى (البرتغال، إسبانيا، هولاندا، بريطانيا، فرنسا). ولم يكن الصحراويون وحدهم المستهدف بخرائط الاستعمار، التي "فصَلَتْ وفصّلَت كل شيء.
وكان أن حزّ مشرط التفتيت في مكوّن "البيظان" كما حزّ في مكونات أخرى عربية وإفريقية في المنطقة المستباحة، فمثلاً وزعت قومية الفلان وقوميات إفريقية أخرى نحو "سياسة الشتات" لتعاني الأمرين بين الحدود والمصالح والأمزجة.
لقد أصرتْ فرنسا الديكولية إصرارا شرسا غريبا على إنشاء كيان في الصحراء سمّــتْه وما تزال تسميه موريتانيا.
إبان عهد "الاستقلالات"، وجد الرئيس الأسبق المختار ولد داداه (رحمة الله عليه)، نفسه مدعوا كغيره من الشخصيات العربية والإفريقية إلى تسلم وثيقة الاستقلال الصوري التي فَرضتْ عليه، الاستقلال الذي لم يكن لديه من مقوّماتهِ غير تلك الوثيقة الصورية المكتوبة بلغة أجنبية والمعلن عنها في حفل "استقلال" في نواكشوط كل حضوره تقريبا أجانب جاءت بهم السلطات الاستعمارية التي جعلتْ كل شيء في ذلك الحفل السوريالي الغريب بلغة المستعمرين وكرّست كل الخُطب لشكر المستعمرين والاحتفاء بهم، لتمجيد المستعمرين ومدعويهم الحاضرين وتجاهل "المستقلين" الغائبين. وخلال سنوات قليلة على هذا "الاستقلال" الهزلي، كشّر الاستعمار الفرنسي عن أنيابه، فصبّ الزيت على النار، وحرّك الملف العرقي لتدمير هويّة البلد، وكان ذلك صدمة كبيرة للرجل، الذي وجد بعض مواطنيهِ فرنسيي الولاء قد أخذ مطية التأجيج العرقي واللساني سبيلا للحفاظ على المستعمرة مستعمرةً.
وقد واجه الرجل بحنكة مقدَّرة دخول الطوابير الخامسة في المنطقة على خط الترهيب، فتجاوز الخُطُوط الحمراء، وأسّس عملته الخاصة وحاول التّخفيف من هيمنة لغة المستعمر، وتحرّك نحو المغرب والجزائر بوصفهما العمقين الإستراتيجيين للبلد ومُـجتمعهِ، فبدأ السّعي علنا لنوع من الاندماج أو الوحدة معهما، وقد اتضح من خلال تتبّع التقارير أنّ الرجل كان يطمح لكونفدرالية مغاربية تشكّل نوعًا من إعادة الإرث للورثة، وحماية للإقليم.
لكن للأسف جاءت هذه المحاولات في وقتٍ كان فيه الغرب مُصمّما على منع انبثاق قوة إقليمية من المغرب والجزائر، الجزائر التي تحولت إلى أيقونة للنضال العالمي بوسم مليون ونصف المليون شهيد.
وسريعًا وجد المختار ولد داداه نفسه مرغما على الاختيار بين المغرب والجزائر، بين عينيه ويديه وقدميهِ وقلبيهِ. وكان الخيار صعبا وثمنه "حرب الصحراء"، التي كانت مشروعا مبكّرا لوأدِ "الحلم المغربي" كلّه وليس فقط "دولة البيظان".
يتبع
مواد ذات صلة: