تمهيد
يركز الإسرائيليون في تسويق قضاياهم على الإعلام، ويستثمرون في صناعته ويحتكرون مؤسساته لخدمة أجنداتهم، وخلق رأي عام غربي يناصر وجهات نظرهم، ولا أدل على ذلك من أنك لايمكن أن تجد صورة لاجتماع الحكومة الإسرائلية إلا في قاعة صغيرة، وهم متقاربون جدا، وكأنهم يقولون للعالم نحن أرضنا صغيرة ونحتاج إلى توظيف كل شبر منها.
من ناحية أخرى، يلاحظ المتتبع لتغطية عملية طوفان الأقصى أن كتائب القسام قد طورت المرتكز الإعلامي في إطار سياستها الدفاعية، فبات لديها إعلاميون مختصون يرسمون وينفذون استراتيجية إعلامية فعالة، وقد بدأت تعطي أكلها مع استمرار الحرب.
يسعى المقال إلى تحليل إدارة كتائب القسام للمعركة الإعلامية، من خلال تحليل التغطية الإعلامية لعملية السابع من أكتوبر ، وتوظيف ورقة الأسرى إعلاميا، إضافة إلى الخرجات الإعلامية للناطق باسم كتائب الأقصى.
*أولا: التغطية الإعلامية لعملية طوفان الأقصى*
شاهد العالم كله بأم عينه تفاصيل اقتحام جنود القسام للسياج الفاصل، بين غزة وغلافها، واستسلام الجنود العاملين في قاعدة غزة، وسيطرة كتائب القسام على عشرات المستوطنات، وقد كان التصوير احترافيا وبتقنية عالية، كما أن كتائب الأقصى غطت وجوه الجنود الأسرى وهو ما سيمكن مختلف القنوات الإخبارية من نشر تلك الصور دون الخوف من متابعة قضائية مستقبلية من طرف أولئك الجنود بتهمة التشهير. وهذا يعني أن الخلية الإعلامية كانت موجودة في المقدمة ووثقت جميع مراحل العملية، وقد تفرج كتائب القسام عن مزيد من الفيديوهات والصور في المستقبل.
*ثانيا: توظيف الأسرى إعلاميا*
وظفت كتائب القسام ورقة الأسرى إعلاميا، حيث قامت بإعداد مواد إعلامية ونشرتها في توقيتات استراتيجية، وقد ساهم نشر تلك المواد في تحسين صورة حركة حماس دوليا، وتفنيد الادعاءات الإسرائيلية، وتعزيز الموقف التفاوضي للحركة.
*1 إطلاق سراح الأسيرة الإسرائيلية وطفليها*
روج رئيس الوزراء الإسرائيلي خلال الأيام الأولى للحرب، دعوى مؤداها أن جنود المقاومة قاموا بذبح الأطفال وحرق جثثهم، وقد تبنت الإدارة الأمريكية تلك الدعوى، كما روجت لها بعض القنوات الفضائية مثل CNN، ثم عادت واعتذرت عنها لاحقا، ولا شك أن المقاومة نجحت في تفكيك هذه الدعوى، وتكذيبها من خلال نشر فيديو إطلاق سراح الأسيرة الإسرائيلية مع طفليها، ومرافقة الجنود لها لتأمينها حتى اقتربت من السياج، وقد ساهم نشر هذا الفيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي في إظهار البعد الإنساني لرجال المقاومة من جهة، ودحض ادعاءات رئيس الحكومة الإسرائلية المتعلقة باتهام حركة حماس بسوء معاملة الأطفال.
*2 نشر فيديو يتضمن علاج كسر لذراع شابة إسرائيلية أسيرة*
يتابع قواد حماس باهتمام ما يحدث في الشارع الإسرائيلي من ردات الفعل نحو طريقة إدارة الحكومة الإسرائيلية لأزمة الرهائن، وقد لاحظوا أن امرأة اسرائيلية تمكنت من خلق رأي عام لقضية أسر ابنتها الشابة في غزة، وقد وظفت حماس ذلك الموضوع حيث بثت فيديو يظهر تلك الشابة وهي تُعالج في غزة من كسر أصاب منكبها نتيجة قصف الطائرات الإسرائيلية لمكان احتجازها، كما تضمن الفيديو كلمة للشابة ناشدت من خلالها الحكومة الإسرائيلية بالإسراع في إطلاق سراحها، وسيزيد انتشار ذلك الفيديو من الضغط على حكومة نتانياهو خاصة فيما يتعلق بالإسراع في عملية المفاوضات المتعلقة بإطلاق سراح الأسرى.
*3. نشر فيديو الأسيرات الثلاث*
كان نشر فيديو الأسيرات الثلاث اليوم ضربة سياسية ناجحة، خلطت أوراق الحكومة الإسرائيلية، وسجلت من خلالها المقاومة نقطة هامة في مسار المفاوضات الجارية الآن والمتعلقة بإطلاق سراح الأسرى، حيث خاطبت الأسيرات رئيس الوزراء بالعبرية، واتهمنه بالفشل في حمايتهن والعجز عن تحريرهن لما وقعن في أيدي حماس، كما اتهمنه بعدم الجدية في إطلاق سراحهن، وأنه يهدف إلى قتلهن من خلال استمرار المناورات البرية.
*ثالثا: الخرجات الإعلامية لأبي عبيدة*
ينتظر الشارع العربي والغربي بفارغ الصبر تلك الخرجات الإعلامية للناطق باسم كتائب عز الدين القسام المعروف بأبي عبيدة، ورغم أن تلك الخرجات بدأت سنة 2006، عندما ظهر أبو عبيدة ليعلن عن اسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، إلا أن عجز إسرائيل عن تحديد هويته يعتبر نصرا استراتيجيا للمقاومة، كما أن جميع مداخلاته يتم تحضيرها بعناية وإلقاؤها بدراية، وهي مشحونة بالرسائل الظاهرة والتي بين السطور، والغريب أنه استطاع توصيلها للمتلقي دون توظيف لغة الجسد فهو دائما مقنع بكوفيته الحمراء.
*الخلاصة*
يمكن القول أن كتائب عز الدين القسام أدارت معركة الإعلام بنجاح حتى الآن، وهو ما يمكن قياسه من خلال مؤشر تزايد التأييد للمقاومة وللقضية الفلسطينية عربيا وإسلاميا ودوليا، رغم المضايقات التي تفرضها المواقع على المحتوى المناصر لفلسطين خاصة منصة فيسبوك، كما يؤكد هذا النجاح الإعلامي على أن قيادة كتائب عز الدين القسام باتت تولي جانب الإعلام اهتماما أكثر في سبيل خدمة القضية الفلسطينية، وإظهار زيف دعاوي الحكومة الإسرائيلية، وهو ما يشي بحدوث تطور كبير في السياسة الدفاعية للمقاومة.
*يعقوب عبدالله أبن*
*باحث مختص في علوم الإعلام والاتصال*