يقول عزيز سانجار عالم الكيمياء التركي الحائز على جائزة نوبل سنة للكيمياء ٢٠١٥ : "قالت لي زوجتي أَخّرِج القمامةَ يا عزيز" .
قلتُ لها : "أنا حائز على جائزة نوبل" !
فقالت : "أخرج القمامة يا عزيز الحائز على جائزة نوبل" !. ( انتهى الاستشهاد )
تتشايك العلاقة بين السياسة والثقافة ( الاعراف ) تشابكا معقدا للغاية .
والسياسية في حقيقة أمرها ليست سوى النهاية الحتمية للممارسة الاجتماعية ، فالمثالية الأخلاقية التي لا تولد من رحم التفاعل الاجتماعي هي مجرد لوحة إرشادية وظيفتها تذكير المارة بما عليهم الالتزام به أثناء رحلة الوعي الطويلة والشاقة .
قبل أيام تساءل أحد الشباب المهتمين بالنقد السياسي عن دولة لا تزال - في القرن الواحد والعشرين - تراعي استرضاء الفبائل والجهات والأعراق في تشكيل حكوماتها .
لوهلة ما يبدو هذا التساؤل منطقيا فيما لو طرح في قالب إنساني عام ، ليبرر الأمريكيون والبريطانيون والفرنسيون ، وغيرهم هذه المراعاة أو هذا الاسترضاء المعهود في تشكيل حكوماتهم .
القضية الأخلاقية لا تعبر للمستقبل بجلد غير جلدها في الماضي ، لأنها مجردة تماما من الحيز والزمان .
لكن التساؤل المنطقي حقا هو عن الصيغة السياسية المرضية لأمة ما.
فالحمار غير معني بمعايير الجمال البشري حتى نعيره بحجم أذنيه ، لذلك علينا أن نتعامل معه بمنطق لا علافة له براينا في حجم أذنيه ، بمعنى أننا نحتاجه لجر عربة ما أو لحمل حمل ما .
ماذا لو كان المجتمع أكثر نضجا منا حين يفرض خياراته التقليدية على شكل حداثتنا ؟
يؤسفني أن اقول أنه فعلا كذلك ..
ففي القاموس السياسي لا توجد صيغ " التفعيل " وإنما صيغ " التفاعل " وكلما اتسعت دائرة التفاعل لتشمل كل عناصر الواقع الاجتماعي ، كلما نضجت القيم السياسية واستقرت .
وبالتالي يمكننا أن نتحدث بشكل واع عن مبدئية " المثالية الواقعية ".
لكن هذه المثالية لا يمكن أن تكون مثمرة حين يتحدث المجتمع عن رغبته في إخراج القمامة من بيته ولا يتم الاستماع إليه .
فاستقرار البيت مرتبط بتحقيق الرغبات الأساسية والضرورية لكل الفاعلين فيه .
لذلك سيكون علينا أولا أن نخرج القمامة من البيت دون محاججة ، لأن مانفعله مختارين افضل مما نفعله مجبرين .
ولأننا حين لا نفعل ذلك نكون قد حيدنا الخلاصة الإيجابية في الوعي الاجتماعي وتمسكنا بتلك السلبية ، وحينها نكون عكرنا مسار وعينا ووقفنا في طريق الاصلاح والشراكة معا .
ومالم نفعل ، سيظل سؤال الإجماع الوطني عالقا وسنظل ننتظر من يقوم بإخراج القمامة من المنزل .
محمد افو