شيّع الفلسطينيون جثامين 12 شهيدا سقطوا خلال العملية العسكرية الإسرائيلية في مدينة جنين ومخيمها، وقال جيش الاحتلال إن أهداف العملية تحققت رغم تكبده ثمنا باهظا. وفي حين توعد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بالتعامل مع الضفة بنفس نهج غزة، اعتبر مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن الضربات الجوية الإسرائيلية والعمليات البرية في جنين قد تشكل جريمة حرب.
وسار الآلاف من المواطنين في تشييع 10 شهداء داخل المخيم، وانطلق الموكب الجنائزي من أمام مستشفى جنين الحكومي باتجاه وسط المدينة إلى مقبرة الشهداء في المخيم، بينما تمّ تشييع ودفن الشهيدين الآخرين في مسقط رأسيهما خارج المخيم.
وقد هتف المشيعون خلال التشييع للشهداء -الذين تقل أعمار خمسة منهم عن 18 عاما- وصمود المقاومة في مواجهة العدوان، متوعدين بمواصلة طريق المقاومة حتى دحر الاحتلال.
وأجبرت هتافات مشيعين غاضبين قيادات في السلطة وحركة فتح أبرزهم محمود العالول وعزام الأحمد على مغادرة مسيرة تشييع شهداء جنين.
وفي أعقاب توترات اليوم أظهرت المشاهد انتشار قوات الأمن الفلسطينية في محيط مبنى المقاطعة في جنين، كما أظهر مقطع متداول لحظة اعتقال شاب على يد عناصر الأمن الفلسطيني في جنين أيضا.
وكان شبان غاضبون في مسيرة تشييع شهداء جنين قد تجمعوا أمام مقر المحافظة في المدينة ورشق بعضهم المبنى بالحجارة، في حين أطلق الأمن الفلسطيني الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين الغاضبين.
الآلاف شاركوا في تشييع 10 شهداء داخل مخيم جنين (الأناضول)
جرائم حرب
وفي أعقاب العدوان على جنين، قالت خبيرتان أمميّتان مستقلّتان الأربعاء إنّ "الضربات الجوية والعمليات البرية" التي نفّذتها القوات الإسرائيلية في مخيّم جنين للاجئين الفلسطينيين هذا الأسبوع، "يمكن للوهلة الأولى أن ترقى إلى جرائم حرب".
وأشارت المقرّرتان الأمميّتان إلى أنّ هذه "الهجمات هي الأعنف في الضفة الغربية منذ تدمير مخيّم جنين في 2002".
والخبيرتان هما: فرانشيسكا ألبانيز المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، وباولا غافيريا بيتانكور المقررة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان للمشردين داخليا، وهما لا تعبّران عن موقف الأمم المتّحدة.
بدوره أعلن مكتب المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، أنّه "يواصل مراقبة الوضع والتطورات في فلسطين من حيث صلتها بالتحقيقات المستمرة للمحكمة الجنائية الدولية".
ولم يقدّم مكتب المدّعي العام معلومات أخرى أو تحديثاً للتحقيق الذي تجريه المحكمة ويشمل جرائم محتملة تعود لحرب 2014 في غزة.
وكانت المحكمة -ومقرها في لاهاي- فتحت في 2021 تحقيقات رسمية تتعلّق بالأراضي الفلسطينية المحتلّة، ورفضت إسرائيل -وهي ليست عضوة في المحكمة- التعاون مع هذه التحقيقات أو الاعتراف باختصاص المحكمة.
غالانت يتوعد ويتحدث عن دور السلطة
من جهته، هدد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بأنّه "لن يبقى مكان آمن للإرهاب"، وقال إن الجيش الإسرائيلي سيفعل في الضفة الغربية مثلما فعل في غزة، بحسب تعبيره.
وأضاف أنّ الجيش الإسرائيلي عمل في جنين ضد كلّ من وصفها بمنظمات الإرهاب، وهو قادر على نسخ عمليته وتنفيذها في أي مكان آخر.
وأضاف أن العملية العسكرية الإسرائيلية في جنين حققت نتائج كبيرة تمثلت في ضبط مخازن ومعامل أسلحة وذخائر وتصفية مسلحين، على حدّ تعبيره.
كما قال في تصريحات لاحقة نقلتها قناة "كان" التابعة لهيئة البث الرسمية الإسرائيلية، إن جيشه له "حرية العمل" بمدينة جنين معتبرا أن ذلك لم يكن ممكنا في الماضي، لكنه أضاف أن ذلك "قد يستغرق جولة أو اثنتين إضافيتين من القتال"، وفق قوله.
وعن دور السلطة الفلسطينية، قال غالانت "عندما تكون السلطة فاعلة والأجهزة الأمنية (الفلسطينية) تقوم بعملها، فإن ذلك يعتبر مصلحة أمنية إسرائيلية"، وأضاف "إذا تحملت الأجهزة الأمنية المسؤولية فسنسمح لها بالعمل وأداء دورها".
لكنه أردف أنه "عندما يكون من الضروري حماية مواطني إسرائيل، فلن نتردد في العمل في أي مكان في المناطق أ، ب، ج".
وصنفت اتفاقية أوسلو (1995) أراضي الضفة إلى 3 مناطق: (أ) تخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، و(ب) تخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية وإدارية فلسطينية، و(ج) تخضع لسيطرة مدنية وإدارية وأمنية إسرائيلية.
وغداة الانسحاب من جنين، أفاد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي باعتقال 300 شخص وقتل 12 آخرين قال إنهم مسلحون في جنين، وأضاف -في تصريحات لإذاعة إسرائيلية- أن عملية جنين التي استمرت 48 ساعة، كانت معقدة وفي منطقة وصفها بالصعبة.
من جانب آخر، وصف الناطق باسم الجيش الإسرائيلي العملية العسكرية في جنين ومخيمها بأنها كانت ناجحة وحقّقت نتائج كبيرة، لكنّه قال إنّ الجيش تكبّد ثمنا باهظا، في إشارة الى مقتل أحد جنود قوات النخبة.
ونفى أن يكون هناك قتلى من المدنيين الفلسطينيين، معتبرا أنّ هناك جرحى ومصابين لأنّ من وصفهم بالإرهابيين اختبؤوا خلف المواطنين.
ونصب عناصر من القسام وسرايا القدس وشهداء الأقصى كمينا محكما، أدى لمقتل جندي إسرائيلي وإصابة آخر، وأظهرت صور استهداف المقاومة داخل مخيم جنين آلية عسكرية إسرائيلية بعبوة ناسفة.
حماس والجهاد تردان
وفي ردود الفعل الفلسطينية، قالت حركة حماس إن انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من مخيم جنين، هو إعلان لفشله في تحقيق أهدافه وهزيمته أمام إرادة الصمود البطولي للمقاومة.
وأضافت الحركة في بيان أن الشعب الفلسطيني موحد ومتمسك بخيار المقاومة، وشددت على تعزيز التنسيق الميداني المشترك في مواجهة الاحتلال ومستوطنيه.
ودعت الحركة المجتمع الدولي والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى تجاوز حالة الاستنكار والإدانة، والاضطلاع بمسؤولياتهم في إنهاء الاحتلال وملاحقته قانونيا ومحاسبة قادته على جرائمهم وإرهابهم.
من جهة أخرى، قال الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة إن الشعب الفلسطيني حقق انتصارا كبيرا بهزيمة العدوان الإسرائيلي على جنين ومخيمها، على حد تعبيره. وقال النخالة في بيان إن "كتيبة جنين قادت بكل شجاعة وبطولة هذا الانتصار الكبير".
ودعا النخالة إلى التكاتف الفلسطيني "من أجل تعزيز صمود مخيم جنين، ليبقى عنوانا ملهما للثورة والتحدي والجهاد والمقاومة".
كما خرجت كتائب عز الدين القسام (الذراع العسكرية لحماس) وكتيبة جنين التابعة لسرايا القدس (الجناح المسلح لحركة الجهاد) ببيانات منفصلة تشيد بشجاعة وصمود مخيم جنين، وتؤكد على أن المقاومة لقنت العدو درسا قاسيا وألحقت به خسائر كبيرة، وقالت إن قوات الاحتلال خرجت مهزومة من المخيم.
إعادة انتشار المقاومة
وانتشر عشرات المسلحين الفلسطينيين اليوم الأربعاء وسط مخيم جنين بعد انتهاء العملية العسكرية الإسرائيلية، وأعادوا نصب حواجز حديدية على مداخل المخيم، تحسبا لأي اقتحام إسرائيلي جديد، وفق مراسل وكالة الأناضول.
واعتبر أحد المسلحين -في تصريح للوكالة، رافضا ذكر اسمه- أن الجيش الإسرائيلي فشل في تحقيق أي من أهدافه، وأضاف أن قوات الاحتلال انسحبت من المخيم تحت ضغط وقوة المقاومة التي واصلت التصدي لقواته على مدار ساعات العدوان.
واقتحم جيش الاحتلال الإسرائيلي فجر الاثنين جنين، في أوسع اقتحام له منذ عملية السور الواقي عام 2002، إذ شارك في الاقتحام أكثر من 3 آلاف جندي و200 آلية عسكرية وعشرات الطائرات. وإلى جانب الشهداء، أصيب في العملية الإسرائيلية نحو 120 آخرين، بينهم 20 في حالة حرجة.
غارات على غزة ودعس وطعن في تل أبيب
وبعد إعلان انسحابه من جنين، شنّ الجيش الإسرائيلي غارات على قطاع غزة استهدفت مواقع للفصائل الفلسطينية، ردا على إطلاق صواريخ من القطاع اعترضتها القبة الحديدية.
وأفاد مراسل الجزيرة بأن الطائرات الحربية الإسرائيلية قصفت بعدد من الصواريخ موقعا للمقاومة الفلسطينية في بلدة بيت لاهيا شمالي القطاع، وموقعا آخر غرب مدينة غزة.
وقال المراسل إن الغارات الإسرائيلية ألحقت أضرارا مادية في الموقعين المستهدفين من دون الإبلاغ عن إصابات.
وفي تل أبيب، أصيب 7 أشخاص بعملية دعس وطعن نفذها شاب فلسطيني أمس الثلاثاء.
وأفاد شهود عيان بأن منفذ العملية كان يقود سيارة بسرعة فائقة، واصطدم بقوة بمحطة لتوقف الحافلات، وبعدئذ ترجّل وطعن إسرائيليين قبل أن يطلق حارس أمن النار عليه من قريب.
وتبنّت حركة حماس عملية تل أبيب ونعت منفذها عبد الوهاب خلايلة، وأكدت أن هذه العملية هي بداية الرد على عدوان الاحتلال على جنين.
المصدر : الجزيرة + وكالات