إعلانات

“زوبعة كنتية” / محمد إسجاق الكنتي

اثنين, 24/04/2023 - 01:01

 

عنوان أستعيره من أحد أصدقاء الصفحة، عند إعادة نشره تعليقي على حادثة النمجاط.

أشكر الإخوة الذين تناولوا التعليق من زوايا مختلفة، إذ في ذلك إثراء لنقاش موضوع غير سياسي، وهو حدث نادر في هذا الفضاء. أعتذر لمن صدمهم التعليق، احتراما لمشاعرهم، لا تراجعا عن مضمونه.

أريد أن أوضح لمن يقرأ ما أنشر، أمرا لابد أنه لاحظه: لقد تعودت التعبير عن آرائي بصراحة وصدق. “وهل يملك النهر تغييرا لمجراه!” تعودت على ذلك من أيام الثانوية العامة.. في درس التاريخ كان موضوعنا عن الوحدة الإفريقية، وزع علينا أستاذنا السنغالي خطابات نكروما، وسينغور في حفل تأسيس المنظمة. سألته: لماذا لم يعطنا خطاب عبد الناصر وهو من المؤسسين؟ رد علي: كان توجه عبد الناصر قوميا عربيا في الأساس. قلت: إذا كان ذنب عبد الناصر أنه قومي عربي، فلماذا لم تعطنا خطاب المختار ولد داداه، والدرس يلقى على أرضه؟ رد علي ممتعضا: لم أجده. لملمت الخطابات وأعدتها إليه قائلا: هذه الخطابات لا تعنيني.. وتركت قاعة الدرس.

حين حصلت على الثانوية العامة سجلت في كلية القانون جامعة نواكشوط. اخترت بحثا في القانون الدستوري أقدمه في الأعمال الموجهة TD. صادف تقديم البحث ذكرى انقلاب الرئيس معاوية. ألقى خطابا قال فيه:”… إن بلدنا دولة قانون، لكن الشأن السياسي يظل من اختصاص اللجنة العسكرية…” في مستهل تقديمي للبحث نبهت إلى هذا التناقض، فأوقفني الأستاذ بحدة. فقررت أن أترك تخصص القانون، وأن أهجر جامعة نواكشوط.

لم أهاجر إلى “واحة الديمقراطية وحرية التعبير” كما نتصور جميعا. رغم ذلك، سمح لي بالتعبير عن رأيي غالبا. حين كنت طالبا، على منحة من مكتب الإتصال باللجان الثورية وهي منحة لم تكن خاصة بالقذافيين، بل استفاد منها قوميون، وإخوان، ويساريون، منهم موريتانيين، حضرت في ذات العماد مؤتمرا نظمه اتحاد الطلاب حول تجديد الخطاب الديني. وحين سمعت ما اعتقدت أنه تشويه للإسلام وقفت في القاعة مقاطعا المحاضر، وأبديت رأيي. حين انتهت الجلسة التف حولي الطلبة العلمانيون يكادون يسطون بي. وحين ثبت على رأيي تفتقت عبقرية أحدهم عن ما عده مسكتا، بل موردا إياي التهلكة.. قال في نشوة:” ما تقوله يعارض الكتاب الأخضر!”، نظرت إليه، ثم أردفت في هدوء:” وما علاقتي بالكتاب الأخضر؟” فبهت.كان المكان يعج بالمخبرين. لكن أحدا لم يسألني عن شيء…

حين كنت أستاذا في كلية الآداب والعلوم في هون أسر إلي أحد المشفقين:”أنت تصنف إسلاميا”. سألت صديقي عبد الله عثمان أحد كوادر اللجان الثورية عن تداعيات مثل هذا التصنيف. فقال:”مادمت لا تنتظم في جماعات سرية، فلا شأن لأحد بآرائك. حين تنتظم سيصطادك الأمن.”

حين كنت أستاذا في جامعة التحدي، ومدير تحرير لمجلتها الثقافية كتبت مقالا عن سير الامتحانات لم يعجب عميد الكلية، فامتنع عن السلام علي وامتنعت. وأشاع بين زملائي أنه لن يجدد عقد عملي. استدعيت في مكتب مدير شؤون أعضاء هيئة التدريس فوجدت رئيس الجامعة الدكتور عبد الحميد ابن أخت القائد رحمه الله جالسا على كرسي مدير شؤون أعضاء هيئة التدريس. سلم علي بحفاوة ثم سألني عن مشكلتي مع عميد الكلية فأبلغته بالواقعة، مضيفا أننا نحتاج في المجلة إلى نقد توجيهي يكسبنا بعض المصداقية عند قرائنا. فرد على:”أنت حر، إنطلق!” بمعنى أكتب ما تشاء.

شاركت في مؤتمر علمي حول الخطاب الإسلامي، كنت رئيس لجنته العلمية، نظمته جامعة التحدي في مجمع قاعات واغادوغو، ببحث عنوانه: الإسلام دين ودولة حضرته العديد من الشخصيات الفكرية من الوطن العربي وإفريقيا، وحضره الدكتور رجب بودبوس، والأستاذ أحمد إبراهيم فك الله أسره، وغيرهما من منظري الفكر الجماهيري… أثناء مداخلتي انزعج الدكتور بودبوس فقاطعني. فرددت عليه:” لا تقاطعني! انتظر حتى أنهي مداخلتي، ثم علق بما تشاء.” فاستشاط غضبا وترك القاعة، رحمه الله، وهو من هو في الجماهيرية سلطة فكرية، وسطوة سياسية. لم يحاسبني أحد.

حين عدت إلى وطني قررت مواجهة التنظيم الدولي الذي يريد إحراق وطني كما أحرق أوطانا أخرى،أعزل، إلا من رأيي؛ عاطلا عن العمل، بلا سند حزبي، ولا ظهير قبلي، إذ لا يعرفني أحد. ولم أكتب طلبا لتعيين، علم الله! فما كنت أعتقد إمكانية تعيين من لا ينتسب للوظيفة العمومية.. كتبت دفاعا عن قناعاتي، وذودا عن وطني.

وحين أصبحت مستشارا في رئاسة الجمهورية حافظت على حرية التعبير عن رأيي رغم كل الحملات التي تعرضت لها.

وعام 2020 أصدر الوزير الأول تعميما يمنع الموظفين من التدوين، ولم ألتزم. فاستدعاني في مكتبه وطلب مني التزام الصمت. فقلت له:” صاحب المعالي! إذا لم يدافع الموظفون عن النظام فمن سيدافع عنه؟ ليس من مصلحتكم إسكاتي، لأن خصومنا الإخوان سيستأسدون علينا، إذا خلت لهم ساحة وسائل التواصل..” وبعد نقاش ودي سمح لي بالاستمرار في الكتابة، وجاءني إيعاز بذلك من جهة أخرى. هذا لا ينفي أن حرية تعبيري قد تزعج أحيانا، لكن ذلك هو ثمن مصداقية ما أكتب بصفته رأيا شخصيا، يقصد مصلحة نظام أنتمي إليه، وقد لا يوفق دائما في تحقيق تلك المصلحة.. وإنما الأعمال بالنيات.

بناءً على ما سبق.. أنبه قرائي إلى أنني باحث في الفكر الإسلامي، كانت أقصى أماني الوقوف في قاعة الدرس، والتأليف والنشر. لكن تآمر الإخوان، يسندهم آخرون منعني من الاكتتاب في المدرسة العليا للتعليم، واكتتب بدلا مني دكتور انتسب إلى تواصل بعد شهر من اكتتابه!!!

وحين تقدمت إلى مسابقة جامعة لعيون ونجحت فيها، تم إلغاؤها نزولا عند رغبة متنفذ لم ينجح مرشحه. وحين صدر حكم قضائي لصالحي وزملائي، وأنهت وزارة التعليم العالي والوظيفة العمومية الاجراءات المتعلقة بهما، حسب برنامج الرئيس لانصاف أصحاب المظالم، لا يزال الملف قابعا في وزارة المالية، منذ أكثر من سنة، ينتظر الفرج من الله…

كل ذلك يعني أنني جئت إلى السياسة مضطرا، لذلك لا أجيد لغة أهلها الخشبية؛ التي لا تقول أي شيء، وتقول كل شيء. ولم تستهوني يوما التلمذة لجميل.

رأيي في التصوف نشرته في كتاب مرفوع على الشبكة:” إشكالية الجمع بين الشريعة والحقيقة عند متصوفة الأشاعرة”، وصلت فيه إلى خلاصات واضحة، لخصتها في التعليق المذكور.

يسعدني مناقشة آرائي بالنهج العلمي الذي أتبعه، أو بالسب والشتيمة، والتذكير وشاية بوظيفتي الرسمية… كل ينفق مما عنده.

والعاقبة للمتقين

الكنتي