النجاح بنت محمذفال
ميدان الكتاب قضايا جيوسياسية غاص المفكر بدي في ثناياها خاصة ما يتعلق بالقضايا التي ما زالت تحكم أو تتحكم في مصائر العالم.
ينطلق الكتاب في ذلك من أطروحات الكاتب الروسي آلكسندر زيونيفييف Alexander Zinovie والتي يعبر عنها قوله: "الليبراليون أشد خبثا من الستالينيين اعرفهم فهم يتشابهون كما تتشابه الفسافس في ثنايا خشب الإيسبا".
وهو طرح يعزز ما سيصل إليه الكاتب الروسي فيما بعد في كتابيه "الغربوية" و ="القطيعة الكبرى" الذي وصل فيه إلى أن انتصار الغرب في الحرب الباردة هو نهاية أوروبا حيث أصبحت مستسلمة للتاريخ؛ لا صانعة له! لأن العولمة قضاء على التعددية القطبية التي هي شرط للديمقراطية..
وبذلك تكون نهاية الحرب الباردة في نظره ليست فقط نهاية للشيوعية بل نهاية لما بعد الشيوعية أي الديمقراطية!
وهنا يطرح المفكر بدي المرابطي سؤالا: هل انشق ألكساندر عن انشقاقه؟ أي هل تراجع عن انشقاقه عن الشيوعية، والحال أنه إنما انشق عن الشيوعية من أجل الديمقراطية في حين قضت العولمة على الشيوعية والديمقراطية معا..
ويلاحظ المفكر بدي ابنو أن آلكساندر بهذا الرأي إنما يشعر بنوع من تأنيب الضمير دافعه تناقض معطيات السنوات الأولى لما بعد الحرب الباردة مع معطيات السنوات الأخيرة لما بعدها! حيث تشكلت لديه الصورة الكاملة من أن نهاية الشيوعية هي نهاية أوروبا التعددية ومن ثم هي نهاية الديمقراطية التي تنبني على شرط أساسي هو التعددية القطبية. الأمر الذي أدى به إلى اكتشاف حقيقة التخطيط لإلغاء روسيا ولو على مراحل فمن هنا جاء تأنيب الضمير...
تأنيب مرده حسرة خسارة روسيا تموقعها بين أقطاب عالم يراه الكاتب ألكسندر لم يعد يلقي بالا للديمقراطية بحيث اختفت منه أبعاد القضايا الاجتماعية التي كان الغرب يدرجها في مساره السياسي تنافسا مع الشيوعية مثل القضايا النقابية؛ وتفردت فيه الرأسمالية الاقتصادية بالسيطرة على حساب الرأسمالية السياسية…
لا يتوقف الكتاب عند حد التصورات العامة عن موضوع روسيا بل يغوص في ثنايا السياسات الجيوستراتيجية في العالم، سالكا في ذلك دروبا وعرة احيانا تجذب القارئ إلى استنفار ذاكرة التاريخ حول سرديات الإرث البيزنطي! ومن يرث من؟
وفي ذلك تزدحم الأفكار حول مصير عالم لا يرى للمنطقة العربية من دور إلا أنها تعزز الصراع..
وهو أمر يطرح إشكالا آخر لم يتعرض له الكتاب إلا لماما حول دور الربيع العربي، ليس في تغيير خريطة العالم الجيوستراتيجية؛ بل بقدر توسيع أو تضييق هوة الصراع...
قد لا يرضي الكتاب نهم المتطلع لإبراز تأثير المنطقة العربية في العالم، وكون أحداث هامة ساهمت في توازن العالم كانت هذه المنطقة أحد أطراف صناعتها مثل تأميم قناة السويس وما لحقه من عدوان ثلاث دول ضد دولة مصر والاحداث المتلاحقة والمتزامنة مع انهيار الشيوعية مثل حرب عاصفة الصحراء ضد الجمهورية العربية العراقية وما صاحب ذلك من تأثير سقوط دول عربية غدا مواطنوها يغذون صناعة الغرب للإرهاب وتوسيع دائرة سوق السلاح لروسيا؛ مع ما لذلك كله من تأثير على مسار العالم.. خصوصا وأن المفكر بدي المرابطي سعى إلى استنفار الذاكرة فيما يتعلق بدور تركيا!
غير أن هذا التجاوز يظل أمرا طبيعيا إلى حد ما في الكتاب (عن روسيا وعن " نهاية "نهاية التاريخ).