إعلانات

ترجمة محتوى الإعلام الجديد.. بين خيانتين!

ثلاثاء, 14/03/2023 - 15:31

 

 

 

 

الترجمة الإعلامية أو الصحفية ضرورة تواجهنا يومياً في غرف التحرير والأخبار، وأغلب المصادر التي نستقي منها الخبر أو التعليق أو التحليل هي مصادر مكتوبة بلغات أخرى فضلاً عن التصريحات والبيانات.

وفي هذا المقال سأعرج على أهمية الترجمة السليمة مع ذكر تطورها وتأثير البيئة والثقافة والرقابة عليها، مركّزاً على ترجمة محتوى وسائل التواصل الاجتماعي.

فقد أصبحت وسائل التواصل من أهم مصادر الأخبار؛ إذْ لا تكاد تجد شخصية عامة سياسية أو فنية أو علمية أو حتى جهة اعتبارية أو شركة أو مؤسسة إلا ولها حسابات على هذه المواقع، وتنشر عليها بياناتها ومواقفها وتوجهاتها.

لذلك صار لزاماً علينا -في الإعلام عموما وفي الإعلام الرقمي خصوصاً- أن نتتبع هذه المواقع ونترجم عنها ما يرد فيها من تصريحات رسمية وغير رسمية أحياناً، ومع هذه المواقع أتت تحديات تواجه الإعلامي المترجم لهذا المحتوى الاجتماعي (content social).

والإعلام ووسائله -القديمة منها والحديثة- هي أدوات للتواصل ونقل المعارف والمعلومات بأشكالها المختلفة من المصادر المنتِجة لها إلى الجمهور المستهدَف بها. وهي بذلك تسهم إسهاماً جوهرياً في تشكُّل الوعي وتصورات الجمهور فيما يتعلق بالقضايا المختلفة.

وهذه الوسائل لها أيضاً تأثيرها العميق على الثقافة بسبب الطريقة التي تُظهر وتُصور بها بعض القيم المجتمعية على أنها حقيقة.

والترجمة -التي هي نقل المعلومات والرسائل من نظام ترميزي إلى آخر، أي من لغة إلى أخرى- تستلزم أحياناً التغيير والتعديل في هذه المعلومات والرسائل، ومن هنا جاءت المقولة القديمة إن "الترجمة خيانة". وفي الإعلام الجديد تتضاعف فرص تلك الخيانة لعدة عوامل سنعرض لأهمها في هذا المقال.

ووفقاً لبعض الدارسين، فإن وساطة الترجمة (أي كونها وسيطة بين لغتين) هي أحد العوامل الرئيسية التي تسهم في مشاكل التحيز (bias).

 

 

التنوع.. التحدي والفرصة

وحديثاً أصبح التنوع -بأشكاله المختلفة- يميز الدول القومية الحديثة التي تدافع عن المزايا الاجتماعية والسياسية للتعددية الثقافية والعرقية لها، وقد حظي التنوع الاجتماعي اللغوي على وجه الخصوص (سواء كان بين اللغات أو بين اللهجات) باهتمام متزايد مع تزايد دور الإعلام الجديد أو الاجتماعي.

وتقسم المجتمعات نفسها عن طريق اللغات المميزة، والمؤثرات الاجتماعية، والجنس، واللهجات، وما شابه، وفي سياقات مختلفة تنشر أساليب متنوعة بدرجات متفاوتة.

وبطبيعة الحال، يطرح هذا مشكلات نموذجية للمترجمين، حيث إن أي رسائل متفردة خاصة بمجتمع ما أو بثقافة ما ستكون لا محالة لها دلالات إقليمية أو عرقية أو اجتماعية اقتصادية أو اجتماعية سياسية متأصلة بقوة في ثقافة اللغة المصدر.

ومع ذلك، يوفر هذا أيضاً فرصاً رائعة، حيث يمكن أن تساعد الترجمات في التقريب بين الثقافات المتفردة والتواصل معها بشكل أكثر تفهماً لها وربما تعاطفاً معها كذلك.

ويرى جون كاتفورد في عمله الأساسي "نظرية لغوية في الترجمة" (A Linguistic Theory of Translation) (1965)، أنه غالباً ما يسود تأثير التسطيح أو التحييد. لذلك، يمكن أن تعزز الترجمة التجانس بدلاً من عدم التجانس، غالبًا عن غير قصد.

كما ادعى الناقد الأدبي رولان بارت (Roland Barthes) أن المؤلفين والمترجمين على حدٍ سواء تعاملوا مع الأشكال "غير المعيارية" بشكل غير ملائم، ويرجع ذلك أساساً إلى أنها غالباً ما كانت تعتبر هامشية (بارت: 1984، 123).

إضافة لكل هذا، فإن الانتباه إلى مثل هذه الاختلافات أمر لا مفرّ منه في بعض الأحيان. وإن كان يصعب تقريب هذه الفروق الدقيقة في الغالب، وهذا ما يكشف حتماً "المسؤولية الجمالية والأيديولوجية والسياسية للمترجم".

وبالتالي، كلما كان التعامل مع حالات التباين اللغوي الواضح مطلوباً وجب أن يشارك المترجمون في المهمة الصعبة المتمثلة في نقل هذا التنوع عن طريق اللغة، وتكشف قراراتهم بشكل كبير عن وجهات نظرهم العالمية وأيديولوجياتهم الأساسية.

 

مزالق التحيز

ومن الممكن أن يُقرأ أي نص بوصفه تعبيراً عن ثقافة أو أيديولوجية معينة. ويقدم النص المترجَم -أو الوسيط- صوتَ المؤلف من خلال صوت المترجم، في تجاور معقد لوجهتَيْ النظر الأيديولوجيتين. كما ذكر باسنيت وليفيفير في مقدمة مجلد الترجمة والتاريخ والثقافة، فـ"الترجمة -مثل جميع الكتابات- ليست بريئة أبداً".

وفي أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن الماضي، شددت ما تسمى بـ"مدرسة التلاعب" على قوة الترجمة في نقل رسالة أيديولوجية لا تكرر بالضرورة -ويمكن أن تعكس أحياناً- رسالة النص الأصلي. ووفقاً لهذا الرأي، فإن "كل ترجمة تتضمن درجة من التلاعب بالنص المصدر لغرض معين" (Hermans, 1985).

وفي هذا الإطار أيضاً تعمد الرقابة على نطاق واسع إلى قمع أو تشويه أو منع نشر الأفكار التي تتعارض مع الأيديولوجية السائدة أو المفاهيم التي تعد لائقة. وعادة ما تمارس الأنظمة القمعية الرقابة، ولكن حتى ضمن ما يطلق عليه "العالم الحر" أو "المجتمعات الحرة" نرى ضرورةً بعضَ أشكال الرقابة.

ويتقاطع عمل الرقيب وعمل المترجم بعدة طرق كما قال بواسي-بيير وهولمان، "فكلاهما حارس يقف في نقاط تحكم حاسمة، يراقب ما يأتي وما يبقى خارج أي منطقة ثقافية أو لغوية معينة".

وغالباً ما يكون من الصعب التمييز بين الرقابة المؤسسية وأشكال الرقابة الأكثر دقة التي تحددها الأعراف الاجتماعية، فالمترجمون في بعض الأحيان يرغبون في الرقابة وربما يمارسون الرقابة الذاتية، وفي أوقات أخرى يخضعون هم أنفسهم للرقابة.

وهنا يمكننا أن نتساءل: ما المسؤولية الأخلاقية للمترجم في الإعلام الجديد خصوصاً؟ وهل من الشرعي أن تنتقل الرقابة من خلال الترجمة؟ وما وسائل مقاومة الرقابة المؤسسية المتاحة للمترجم؟

إشكاليات جديدة

وإضافة إلى المشكلات العامة التي عرضنا لبعضها، فإن الإعلام الجديد أو الاجتماعي يطرح قضايا جديدة وإشكالات متنوعة في عمل المترجم. لأن الحفاظ على الحضور في وسائل التواصل الاجتماعي أمر حيوي لجميع الأعمال التجارية الحديثة، سواء كانت صغيرة أو محلية أو متعددة الجنسيات.

لذلك، لا مناص من ترجمة منشورات وسائل التواصل الاجتماعي لهذه الشركات خصوصاً ذات الجمهور المتعدد اللغات. وتستخدم الشركات الكبرى وسائل التواصل الاجتماعي للتفاعل بشكل كامل مع جمهورها المستهدَف، لا بلغتها بل بلغة جمهورها.

ولو حاول الجمهور المستهدف ترجمة منشورات وسائل التواصل الاجتماعي والمحتوى بنفسه، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى شعوره بالضيق والإحباط، وفي كثير من الأحيان إلى الاستسلام وتجاوزه إلى محتوى آخر.

وقد اختصرت بعض الشركات أعمال الترجمة واستخدمت عمالاً يتحدثون لغتين، وهذه ليست فكرة جيدة لأنه من الضروري الحصول على أفضل ترجمة من مترجم متمرس يعرف خصوصيات اللغتين عند الترجمة. وينبغي أن يكون هذا الشخص سريعاً في فهم المصطلحات والفروق الدقيقة حتى ينجز ترجمة دقيقة.

على المبرمجين أن يتوصلوا إلى أفضل طريقة لترجمة الشبكات الكاملة للمنصات المختلفة

في الأيام الأولى لوسائل التواصل الاجتماعي، كانت اللغة الإنجليزية الأميركية هي اللغة الرئيسية المستخدمة، ومع مرور الوقت أصبحت المنصات الآن متعددة اللغات.

فكان على المبرمجين أن يتوصلوا إلى أفضل طريقة لترجمة الشبكات الكاملة للمنصات المختلفة. ومن الصعب للغاية ترجمة منصة وسائط اجتماعية رئيسية مثل فيسبوك، لذلك كان أغلب المترجمين يميلون للاحتفاظ بالعنوان كما هو.

بالإضافة إلى ذلك، فقد تُرجمت ميزة "الإعجاب" حرفياً إلى العديد من اللغات الأخرى باستخدام العبارة "أعجبني" في العربية و(j’aime) في الفرنسية مثلاً. لكن على منصات الوسائط الاجتماعية الأخرى مثل تويتر، كان من الضروري إنشاء أوامر بناءً على اللغة والمصطلحات الأصلية.

وعلى سبيل المثال، في العربية الفعل "to tweet" هو "يغرد"، نظراً لأن التغريدة مرتبطة بالصوت الذي يصدره الطائر، ولا تستخدم هذه الطريقة بشكل عام لأنها قد تمحو صورة العلامة التجارية.

وقد حاولت روسيا والصين إنشاء منصات وسائط اجتماعية خاصة بهما، مثل "VK" في روسيا و"RenRen" في الصين، لكنهما لم تنجحا في نشر أجنحتهما خارج بلديهما. وما زال فيسبوك هو العملاق الأميركي لوسائل التواصل الاجتماعي على مستوى العالم. وما زال يطرح تحديات عند ترجمة النظام الأساسي إلى اللغات الأكثر استخداماً في العالم.

وتوجد أيضاً قيود الطول في منشورات التواصل الاجتماعي؛ حيث يحتاج المترجم إلى معرفة ما إن كانت مشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي محدودة بالطول. وعلى سبيل المثال، مع ترجمات تويتر ينبغي تضمين حساب الأحرف لأنه يقبل فقط المنشورات القصيرة.

لذلك، إذا كانت الرسالة المترجمة من الإنجليزية إلى العربية على سبيل المثال تتطلب كلمات أقل، فإن عدد الأحرف الأقل ضروري لنقل الرسالة، نظراً للحاجة إلى عدد محدد من الأحرف، ويمكن ملء المساحة الفائضة بمزيد من التفاصيل. ويختلف هذا عندما تكون الكلمات المطلوبة أكثر من الأصل، حيث يجب أن تكون أكثر إيجازاً في ترجمتك.

وتظهر أيضاً تحديات ترجمة العامية، فلكل من منصات التواصل الاجتماعي مختصراتها ومفرداتها الخاصة، وهي تحتاج إلى إتقان حتى تكون الترجمة فعالة. وهنا يستطيع المترجمون تعلم كيفية ترجمة لغة الوسائط الإعلامية على المنصات الاجتماعية، ولكن من المفيد جداً الإلمام بالسياقات لضمان أن تكون الترجمة طبيعية، لا حرفية ولا مهلهلة.

____________________________________

  • محمد ولد إمام

    كاتب صحفي ومترجم موريتاني، صدر له حتى الآن ديوانان من الشعر، الأول بعنوان وحي الفجر، والثاني شعار. وكتاب بعنوان كشكول الحياة، له محاضرات عن اللغة والترجمة والأدب على يوتيوب