إعلانات

رحم الله الدكتور الإنسان أحمد ولد السيد

ثلاثاء, 21/02/2023 - 02:44

عبد الله محمدن امون

 

بداية التسعينات كان الدكتور الطيب الهاش الباش أحمد ولد السيد قد صنع لنفسه مكانة يحسد عليها بين الأطباء وذكرا حسنا بين المرضى وذويهم، كما حفر اسمه بين أهم سدنة الحرف من خلال أعمدته الثابتة في الجرائد المحلية من قبيل القلم والزمان، فكنا ونحن فتية ننتظر على أحر من الجمر صدور أي عدد جديد لنتحلق مستمتعين بقراءة تلك السرديات الادبية الفريدة للدكتور، وعلى هامش النقاشات نتداول آخر ما وصلنا من انطباعات المرضى الذين كان من حظهم أن المرحوم هو من عاينهم،

كان صديقنا أحمد يساهم في كل مجلس لنا بقصة عن إحدى معاينات الدكتور لأخته "صفية" الطالبة الجامعية التي كانوا يحملونها إليه فيستقبلهم في كل مرة بوجهه البشوش وابتسامته المريحة ليدخل في دردشة مطولة مع الفتاة تنتهي بذهابها مع ذويها دون أن يعطيها أية عقاقير،

كانت الفتاة تصل إلى العيادة محمولة غير قادرة على المشي، موقنة بأن أجلها قد حان، تبكي وتعاني من ضيق في التنفس وتسارع في النبض وارتفاع في الضغط السيستولي بشكل خاص، وتخرج بعد الدردشة مع الدكتور وهي مبتسمة نشيطة مقبلة على الحياة.

سأعرف بعد ذلك بعقود أن ما كانت تعانيه الفتاة ليس سوى "نوبات هلع" ناتجة عن "إضطراب القلق العام" الذي يبدو أنها كانت تعاني منه، وأن ما كان يقدمه الدكتور لها هو نوع مما يعرف با "العلاج السلوكي المعرفي" لكن المرحوم كان يعرف تماما ما تعانيه وفضل اسلوب الجلسات النفسية التى ليست تخصصه و لا أشك في أنه قرأ عنها وطور فيها من مهاته رغبة في علاج الحالة التي كانت بين يديه، كان بالامكان أن يصف لها أي دواء من أدوية ما يصطلح عليه محليا "الحموضة" لكن الواجب والضمير والشعور بالمسؤولية والوازع الديني وغيرها من الصفات النبيلة التي كانت من طبع المرحوم، كل ذلك جعله ينحاز إلى مصلحة المريضة ويختار الحل الأصعب والأطول بدل اللجوء الى دوامة العقاقير التي قد تقود الى مشاكل أخرى قد لا تحمد عقباها.

أما أنا فكان تاريخي مع التهاب اللوز قديم وسوابقها في إمراضي لا تنسى، لكنها تلك المرة زادت عن الحد مما اضطرني إلى اتخاذ قرار حاسم بزيارة أحد الأطباء الذي لم يكن سوى طيب الذكر المرحوم أحمد السيد.

دخلت عليه وهو حينها يداوم في العيادات المجمعة المعروفة ب Polyclinique، استقبلني ببشاشته المعهودة وسأل عن أحوال الأهل وبعد الفحص والمعاينة قال لي لديك أضراس إذا لم تعالج فستظل اللوز تلتهب من حين الآخر لذلك علينا أن نعالج أصل العلة.

أخذ ورقة وقلما وبدأ يكتب بخطه الجميل، وقع الورقة وختمها ووضعها في ظرف ثم سلمني إياها وقال ستسلم هذه الرسالة الى الدكتور..... في العيادة..... وسيقوم باللازم

ودعني بنفس الابتسامة التي استقبلني بها والتي كانت من الطبع لا التطبع

رحم الله الدكتور أحمد السيد الذي نعزي فيه أنفسنا وبقية ذوي القربى ونسأل الله أن يحشره في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين إنه ولي ذلك والقادر عليه.