سمية نصر
- بي بي سي نيوز عربي
في 7 سبتمبر/أيلول عام 1813، حصلت الولايات المتحدة على لقب "العم سام"، الذي لا يزال يستخدم إلى الآن كرمز للبلاد وحكومتها. فما أصل هذه التسمية؟ وهل العم سام شخصية حقيقية؟ وكيف تطورت الشخصية عبر التاريخ؟
سام ويلسون
يسود اعتقاد عام تدعمه بعض المصادر التاريخية بأن مصدر الإلهام لذاك التجسيد الشائع للولايات المتحدة استُلهم إبان حرب عام 1812 بين الولايات المتحدة وحلفائها من السكان الأصليين من جهة، وبريطانيا وحلفائها في أمريكا الشمالية من جهة أخرى، هو تاجر يُدعى صاموئيل (سام) ويلسون، والذي كان يزود هو وشقيقه إبينيزر الجيش الأمريكي بلحوم البقر من مدينة تروي بولاية نيويورك.
وكان لدى الأخوين ويلسون حوالي 200 عامل، بعضهم من أقاربهما الذين جاءوا إلى تروي للعمل في تجارة العائلة المتوسعة التي كانت تركز بالأساس على تعبئة اللحوم وتغليفها.
كان أبناء إخوة سام ويلسون ينادونه بـ"العام سام"، وسرعان ما انتشر اللقب بين باقي الموظفين وسكان البلدة.
ولأنه كانت هناك حالة من الالتباس بين الجنود حول ما يرمز إليه اختصار "U.S" الذي كان يطبع على عربات إمدادات الجيش، يُعتقد أن ذلك أدى إلى انتقال لقب "Uncle Sam" أو العم سام من ويلسون إلى الحكومة الفدرالية.
اعتراف رسمي
وفقا لبحث نشر في عدد ديسمبر/كانون الأول 2015 من مجلة The New England Quarterly الأمريكية الربع سنوية، تلك الرواية المقبولة بشكل عام حول كيفية بدء إطلاق لقب العم سام على الحكومة الأمريكية ذُكرت للمرة الأولى في مقال لا يُعرف كاتبه نشر في صحيفة نيويورك غازيت عام 1830.
يزعم المقال أن لحوم البقر التي كان يزود الأخوان ويلسون الجيش بها كانت تنقل في صناديق مطبوع عليها اختصار "U.S" (الذي يرمز إلى الولايات المتحدة United States)، وعندما سأل أحد عمال الشركة عما يشير إليه الاختصار، أجابه آخر مازحا "العم سام".
انتشرت القصة بين عمال شركة ويسلون، الذين التحق بعضهم فيما بعض بالجيش، وقبل انتهاء الحرب، أصبح الناس يستخدمون لقب العام سام للإشارة إلى الحكومة.
أغلبية الكتاب الذين تناولوا أصل التسمية يتقبلون هذه الرواية، كما أنها حظيت باعتراف رسمي.
في عام 1959، صدق المجلس التشريعي لولاية نيويورك على قرار ينص على الاعتراف بسام ويلسون بوصفه العم سام الأصلي. وفي عام 1961، أدلى الكونغرس بدلوه، إذ صدق على قرار يشيد بـ"العام سام ويلسون ابن مدينة تروي بنيويورك، بوصفه أصل الرمز الوطني لأمريكا".
ولكن ثمة روايات بديلة وإن كانت لم تحظ بنفس شهرة رواية سام ويلسون، كما ظهرت في السنوات الأخيرة بعض المقالات والخطابات القديمة التي استخدمت فيها تسمية العم سام للإشارة إلى الحكومة الأمريكية في عام 1810، وهو ما يلقي بظلال من الشك على كون سام ويلسون هو أصل التسمية، رغم أنه ربما يكون قد لعب دورا في انتشارها بحسب المتشككين.
ومن بين الأمثلة التي ذكرت فيها التسمية للإشارة إلى الدولة الأمريكية ما نشر في صحيفة الغازيت الصادرة في بورتلاند في عددها الصادر في 1 أكتوبر/تشرين الأول عام 1813 عن شكوى الجنود من تأخر رواتبهم: "يقولون إن الولايات المتحدة، أو العم سام كما يطلقون عليها، لا تدفع لهم [رواتبهم] في موعدها".
ومع اقتراب نهاية الحرب (في عام 1815)، كانت القوات البريطانية الموجودة في كندا تطلق على الجنود الأمريكيين اسم "الأعمام سام".
وظهرت التسمية في كتاب صدر عام 1816 تحت عنوان "مغامرات العم سام، بحثا عن شرفه المفقود"، والذي كان ينتقد الحرب والزعماء الجمهوريين.
ويشير البحث المنشور في صحيفة New England Quarterly إلى أن العم سام تخلص من مدلولاته السلبية، ولا سيما بين أفراد الجيش، وأصبح يستخدم في الإطار المحلي الأشمل في عشرينيات القرن التاسع عشر.
كاريكاتور للـ"أخ جوناثان" وهو يلاكم ملك بريطانيا جورج الثالث، في إشارة إلى الخسارة التي منيت بها البحرية البريطانية في بداية حرب عام 1812
تصوير العم سام
العم سام لم يكن أول شخصية أسطورية ترمز إلى الولايات المتحدة.
في عام 1738، أي قبل الاستقلال، ظهرت شخصية سيدة تدعى كولومبيا كانت هي أول تجسيد معروف للولايات المتحدة.
وخلال حرب الاستقلال، ظهرت شخصية "الأخ جوناثان" في الرسوم الكاريكاتورية السياسية والوطنية.
كان الأخ جوناثان يصَور كرجل يرتدي ملابس أمريكية بسيطة، وعادة ما كان يقف في مواجهة شخصية الرجل البدين "جون بُل" (John Bull)، الرمز التقليدي لبريطانيا.
الملصق الإعلاني الذي صممه جيمز مونتغومري فلاغ لحملة التجنيد بالجيش الأمريكي خلال الحرب العالمية الأولى
كانت هناك رسوم كاريكاتورية للعم سام خلال ثلاثينيات القرن التاسع عشر، ولكن الرسم الشائع حتى وقتنا هذا - ذاك الرجل المسن، النحيف، طويل القامة ذو اللحية البيضاء، الذي يرتدي سروالا مخططا ومعطفا ذا ذيل وقبعة عالية - كان من إبداع رسام الكاريكاتور الشهير توماس ناست خلال سبعينيات القرن ذاته. يشار إلى أن ناست يُعزى إليه أيضا ابتكار صورة "سانتا كلوز" أو "بابا نويل".
ثم حول رسام الكاريكاتور جيمز مونتغومري فلاغ صورة ناست إلى الأيقونة المألوفة لدى الأمريكيين إلى يومنا هذا، عندما صمم الملصق الإعلاني لحملة التجنيد الذي يحمل صورة العم سام، وقد كتب بأسفلها عبارة "أريدك لجيش الولايات المتحدة" لتشجيع الشباب على التطوع أثناء الحرب العالمية الأولى.
اكتسب هذا الملصق شهرة كبيرة عندما نشر للمرة الأولى على غلاف مجلة Leslie's Weekly في يوليو/تموز عام 1916. وقد أعيد استخدام الملصق مرات عديدة منذ ذلك الحين باستخدام تعليقات مختلفة، ولأغراض مختلفة.
على سبيل المثال، يظهر العم سام في رسم كاريكاتوري كمتسول يستجدي الناس، للإشارة إلى كثرة النفقات الحكومية. كما يصوره كاريكاتور آخر يعارض الحرب، كداعية للقتال متعطش للدماء.
وقد صار العام سام معروفا في شتى أنحاء العالم بوصفه رمزا للولايات المتحدة منذ بدايات القرن العشرين.
كاريكاتور سياسي بعنون "لا يمكننا أن نتقاتل" يعود إلى عام 1896 يشير إلى المصالح العديدة التي تربط أمريكا وبريطانيا مجسدتين في شخصيتي العم سام وجون بُل
العم سام والقيم الأمريكية
الكاريكاتور الذي نشر في صحيفة Harper's Weekly بتاريخ 20 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1869 والذي يصور احتفال العم سام بعيد الشكر يعبر عن رؤية ناست لأمريكا ما بعد الحرب الأهلية.
يقف العم سام على رأس المائدة يقطع ديكا روميا ضخما، بينما جلس حول المائدة أناس يمثلون انتماءات عرقية ودينية، وقد كتبت على جانبي الصورة عبارتا "أحرار متساوون"، و"فلينضم إلينا الجميع".
تمثل الصورة برأي مؤرخين رؤية ناست السياسية والطوباوية لأمريكا موحدة ترحب بالمهاجرين من شتى الخلفيات، والذين هم برأيه قادرون، رغم اختلافاتهم، على إقامة علاقات إنسانية مع بعضهم بعضا، والعيش في بلد يوفر لهم الحرية والمساواة وتكافؤ الفرص.
كاريكاتور احتفال العم سام بعيد الشكر
في عام 1989، أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب يوم 13 سبتمبر/أيلول يوم العم سام، تكريما لسام ويلسون الذي ولد في ذلك اليوم. وقد صادف ذلك أيضا احتفالات مدينة تروي التي عاش بها ويلسون بمئويتها الثانية.
هناك رموز أخرى تستخدم في العصر الحديث للإشارة إلى الولايات المتحدة - كالنسر الأصلع وناقوس الحرية والعلم الأمريكي بنجومه الزرقاء وخطوطه الحمراء وتمثال الحرية. ولكن يظل العم سام هو الشخصية الأسطورية التي لطالما استخدمت كرمز للحكومة الأمريكية تارة، وللشعب الأمريكي تارة أخرى، تلك الشخصية التي استخدمتها الحكومة ووسائل الإعلام والإعلان كأداة ترويجية للأفكار والعقائد - بل والسلع كذلك.