في الشهور الماضية كنت خارج التغطية بالنسبة للفيسبوك وأخواته من وسائل التواصل الاجتماعي الفعالة، وفي ذات صباح باكر في العشر الأواخر من رمضان الماضي، كسر صمت هاتفي اتصال من البلد على غير العادة في مثل هذا الوقت، فإذا به صوت الشاعر المبدع المحبب: صديقي المختار السالم، يسمعني معلقة رائعة أبهجتني، قال إنها أرقته ليلته حيث هبطت عليه "من المحل الأرفع" فأحب أن يسمعني مسودتها صوتيا ريثما، يضع عليها اللمسات الأخيرة، وينشرها بعد الفطر، وبعد نشره إياها في وسائط التواصل، وجدت هاجس الشعر ينتزعني من كل مشاغلي الضاغطة، الأرد التحية الشعرية بمثلها في الإيقاع، لكنها دونها في الإبداع، ودونها في النبل؛ حيث الفضل للمتقدم، وبما أنني عدت مؤخرا للفيسبوك..فقد أحببت أن أنشر حوار المشاعر هذا على صفحتى المتواضعة، احتفاء بعودتها:
رسالة إلى الشَّاعر : أدي ولد آدب
شعر/ المختار السالم
أتَعْلَمُ أنَّـنِي إَنْ قُلْتُ شِعْراً
تَرَاني لَا، غُـلُوَّ، ولَا كِـذَاباَ
تَرَانـي لَسْتُ أرْجُو مِنْ ثَنَاءٍ
كَـفَـتْـنِي النَّفْسُ فِي دَرْبي ثِـقَاباَ
فلمْ أشْكُ الرَّمَادَةَ في حَــيَاتِي
وَلاَ ظُلْـمَ البِـــلَادِ وَلَو عِـتَاباَ
وَلَمْ أجْعَلْ إِلَى ذَهَبٍ مَسِيـري
وَقَدْ يَـشْريْهِ مَنْ عَمِلَ احْتِطَاباَ
وإنِّـي لاَ أحَابـِـي النَّاسَ أَمْراً
وَمَا كُـنْتُ الـمُغفَّـلَ كَـيْ أحَابى
لِـيَـمْدَحْ نَــفْسَهُ الـمُــثْــنِي عَلَينَا،
وَيَـحْذَرْ مَا تَـقَاصَـرَ أنْ يُـعَاباَ
فَنَحْنُ بَقِــيّةٌ مِن قَوْمِ طُــهْرٍ
يَـرَونَ الشِّعْرِ مُنْـتـَـبَذاً عُـجـَاباَ
أَخِـي يا الدِّي ابْـنَ آدُبَّ الـعَوَالي
إِلَيْكَ رِسَالَتِي.. حَرْفاً رِحَاباَ
أَخِـي إنِّــي أُحِسُّكَ فِي حُرُوفِي
دَمَاءُ النَّجْمِ لا تَـخْفَــى إِهاباَ
وإنِّــي إذْ أحِـسُّكَ للمَعَالي
ذُرَا نَبْعٍ قَد انسَكَبَ انْسِكَاباَ
لأعْرِفُ كَــمْ قَليل حِـيْـنَ تُــعْزَى
إَلَيكَ كَـواكِبُ الدُّنْـيَا صِـحَاباَ
جَلَـبْتَ لِشَعْبِكَ الأمْجَادَ فـَخْراً
وَقَدْ أعْـطَــيْتَ شِنْـقِــيْطَ الـمَهَاباَ
قَد اسْتَحْضَرْتَ عُـقْبـَةَ في خِصَالٍ
وَلَلضَّادِ العَـزِيزِ فَـتَـحْتَ بَاباَ
بَكَ العَرَبيَّةُ استَقْوَتْ فنُوناً
وَتَارِيْـخاً تُسَوِّمُهُ عِــرَاباَ
نَــثَـــرْتَ مُـتُونها عِشْرِيْـنَ قَـرْناً
وقُلْتَ: "أنا لَها أجْلو الضَّبَاباَ"
ومِنـْـكَ تَسَنْـبَلَ الضَّادُ الـمُعَلَّى
سِلَالَ الرَّأْيِ والرُّؤْيَا صَــوَاباَ
وأبْـدَعْتَ القَصَائِدَ كَـلّ وَادٍ
تَـركْتَ يَـــبَابهُ بــَحْراً عُــبَاباَ
حَمَلْتَ إِلَــى السُّهُولِ ضِيَاءَ فَـجْرٍ
بِهِ لــذَّ الـهَـوَى عُمْراً وطَاباَ
حُرُوفُـكَ للرِّمَالِ نَدَى فُؤَادٍ
يَـمُدُّ لكلِّ عَـــــــاثِـرةٍ رِكَاباَ
وتَـقْدحُ للطَّرِيْقِ خُـطَاكَ دَرْباً
وتَـمْنَــحُ مَن سَرَى فِــيـهَا شِــهَاباَ
......
زَمَانٌ يا خَلِيْلَ الضَّوءِ تُـفْشِي
مَنَارتَكَ الـمُسَوَّرَةَ احْـتِسَاباَ
فَشَبَّ البُعْدُ فِي نظَرَاتِ شِيْبٍ
تُبصِّرُ كُلّ مَن يَــعْرَى حِــجَاباَ
وشِعْرُكَ قد أزالَ القُبْحَ عَـــنَّا
وَأَفشى في خَطَايانا الـمَــتَاباَ
وصِدْقُـكَ ثَمْــرةُ الأرْضِ التِّي لَا
تَـرُومُ لَهَا القِنَاعَ وَلَو سَــحَاباَ
فأنْتَ الشَّاعِرُ الـمَوهُوبُ حَقاًّ
وَأَنْتَ العَبْقَرِيُّ وَقَدْ أَصَاباَ
وأنْتَ الشَّاعِرُ الـمــَسْكُونُ صَـحْواً
عَلَى صَـحْوٍ، وَعَنْ جِـيْلٍ أَنَاباَ
وَعَن جِيلٍ تَغَنَّى القدْسَ قُـدْساً
يُبَايِـعُ في قَضِيَّـتِـها الكِــتَاباَ
فأضْحَى نَبْضُهُ للقُــدْسِ سُوْراً
وأمْسَى في دُجُــنَّـتِــها حُـبَابَا
وَسَوَّرَ عَــهْدَ بَـغْدَادٍ نَـخِيْلاً
وأسْمَعَهَا قَصَائدَهُ العِــذَاباَ
وَكَمْ أفْضَى لَأَنْدَلُسٍ بِبُشْرَى
سَنُـرْجِعُها وَلَو طَالَتْ غِــيَاباَ
إِلَى الزَّمَنِ "الـمُحَـرَّقِ" بَاتَ يَشْدُو
لتُـصْبِحَ جَـمْرةُ الـمَـنْـفَى رُضَاباَ
وَفِي أنْشُودَةِ الـمَـــنْفَى تَسَامَى
عَلَى الآفاقِ أزْجَـلَها لُبَاباَ
وأزْهَرَ وَرْدَةَ الـمَعْنَى جُذُوراً
فَلَـمْ يَـقْبَلْ لثَــمْـرَتِــهَا اسْتِلَاباَ
وإنَّ الدِّي لشَاعِـرُنَا الـــمُــعَـنَّى
بِـمَا هَــمَّ الـمَــفَازَةَ واليَبَاباَ
وَمَا هَــمَّ العُرُوْبَةَ من عَنَاءٍ
وأحْنَاهَا وأذْوَاهَا مُصَاباَ
بـَــكَى فِيــهَا مَـعَــزَّةَ أنـْبِـيَاءٍ
بـَــكَى فِيــهَا الصَّوامِعَ والقِبَاباَ..
وَسَعْداً والـمُثَنَّى.. و"النَّشَامَـى"
وأيَاماً أخِذْنَ بِـــهَا غِــلاَباَ..
ولم يَنْسَ الرُّبى زِرْيَابُ فِيــهَا
يُعَتِّقُ للصَّدَى لَحْناً رَبَاباَ
وَحَـيْـنَ "تأبَّطَ" الرَّجُلُ القَوَافِي
وَأَجْزَلَ فِي خُطَى الـمَـعْـنَى رِئَاباَ
وَأَعْلَى الأَهْلَ ذِكْراً فَوقَ ذِكْرٍ
وأرْجَعَ أمْرَهُـمْ أمْراً شَبَاباَ
تَوَاصَوا بالنَّكِـيـرِ!.. فـَـأيُّ قَــوْمٍ
أضَاعُوا الـمَـاءَ واسْتَسْقَوا سَرَاباَ
أضَاعُوا حَــقَّ شَاعِرِهِـمْ غَبَاءً
فَهَلْ حَثُّوا الخُــطَى إِلاَّ تَبَاباَ
وإنِّـي قَدْ عـَجِـبْتُ لِأَنَّ قَـــوماً
وَقَـدْ مَكُروا ضُحًى مَكْراً عُـجَاباَ
تَنَاسَوا بَالتَّــنَـاكُــرِ لَــيْثَ عِــزٍّ
وَمدُّوا للذُّبَابِ القَشِّ نَاباَ
وقد يـَجْفُو أُسُودَ مَـعَــزَّةٍ منْ
تَـراهُ مَذَلَّـةً مَدَحَ الذُّبَاباَ
ولكنْ بالفَتَى "الكُــنْـتــِـيِّ" كَانَتْ
شعيرةُ بيْـرَقِ العَلْيَا نِــصَاباَ
ألا إنَّ ابنَ عقبة مَجْدُ قـَوْمٍ
وَتَارَيْــخ تَـرَفَّــعَ أنْ يُــذَاباَ
سَيَــبْقَى فَــوْقَهَا هَرَماً أصِيْلاً
ويَــبْقَـى مِن ذَوِي القُرْبَى قُـرَاباَ
وإنَّ مَقَالتِي لَلأَهْلِ أنْ لَا
شِفَاءَ لِـمُخْبِتٍ وَهَجاً رُهَاباَ
فكَـمْ ضَاعَ الغَبيُّ إذاَ تَذَاَكى
وَكَــمْ فَازَ الذَّكِــيُّ إِذَا تَغَابى.
فكتبت له تحت عنوان : إلى مختار القوافي:
"أمُخْتار القوافي".. الشعْرُ.. ذابا
على شفتيْكَ.. سِحْرًا.. مُسْتطابا
تسامَى في مَعاريج المَعَاني
فأعْجزَ أنْ يُجارَى.. أو يُجابا
ترقْرَقَ كوْثرًا رَوَّى صديقا
تحــــدَّى الكُرْهَ.. وابْتَلَعَ الحِرابا
فبيْنَ "الحاء والباء" ارْتضاهُ
له وطنًا.. تَقَدَّسَ.. واسْتَطَابا
"تأبَّطَ قلبَه" الصافي.. سِلاحا
وغامرَ.. مُفْردا.. شَقَّ العُبَابا
فلا.. أبَدًا.. على أحدٍ تَوَكَّا
ولا اسْتَجْدَى.. ولا الأخْطَارَ هَابا
على "رَمَضِ الرَّصِيفِ" مَشَتْ خُطَاهُ
إلى العَلْيَاءِ.. يطلبُها غِلَابا
فخَطَّ "اسْمًا" .. له "فِعْلٌ".. و"حَرْفٌ"
و"مُبْتَدَأٌ" زكَا "خَبَرًا".. وطابا
فيا مُخْتارُ.. قد "أعْرَبْتَ حَالِي"
و"نَعْتِي".. تقْتَفِي "بابًا".. فـ "بابَا"
فقلْ لـ "نُحَاةِ لحْنِ القوْل"ِ: إنّا
عن الغبْرا.. توَطَّنَا السحابا
فأنْتَ المُبْدِعُ الموْلودُ.. نجْما
بوادي عبْقَرٍ.. تزْهُو شِهَابا
فنثْرُكَ أنْجُمٌ خلقتْ سمَاها
وشِعْرُكَ أخْصَبَ الأرْضَ اليَبابا
أشيخ "السالمية".. دُمْتْ قلْبًا
سليما.. ينفثُ السحْرَ العُجابا
على "القِيعانِ داميةً"، فيَسْقِي "
سَراديبا" بها "النسْيانُ" شابا
"ظلالُ حُروفك".. الخضْرا.. إذا ما
رَوَتْ" وجَعَ السَّرَابِ".. غَدَا شَرابا
خُلِقْتَ "قرينَ قافية"، و"نهْد"
"عميدَ السَّادِنِينَ الحَرْفَ".. دَابَا
سلامُ "الشعْر والشُّعَرَاءِ" نبْضٌ
لقلْبَيْنَا.. به اتَّسَقَا اصْطِحَابا
"عصى مُوسى" قصيدتُكَ التي قدْ
أزاحتْ عن رُؤى ذاتِي الحِجَابا
تلقَّفْت الذي يَزِرُ الحَزَانَى
متَى مَا مُبْدِعٌ "بَلَغَ النِّصَابا"
حُروفِي قاومتْ مَحْوِي عِنادا
وقد خَلَّدْتَ مَطْمُوسِي كِتَابَا
فمَنْفَايَ اقْتِرَابٌ.. لا اغْتِرَابٌ
وإنْ غُيِّبْتُ أحْتَضِر الغِيابا
لـ "روحي بصْمَة".. "تأويلُ رُؤْيا"
فذاتي الأصْلُ؛ لم تُنْسَخْ كِذابا
أنا " وَطَنِي عَلَى كَتِفِي".. تُريِني-
هناك- "خرائطُ الوجَع" العَذابا
"أُصَلِّي بالقوافي".. تَزْدَهِيني
"فلسطينُ القصيدةُ".. كيف آبى؟
و"تكتُبُنِي الوُجوهُ".. إذا توضت
بسِرٍّ خالدٍ.. يأْبى الذهابا
فيا مختارُ.. دُمْ.. لي.. فيْضَ روحٍ
فشَا عبَقا.. قد اكْتَنَفَ الصِّحابا
فنحْنُ.. معًا.. بنُو الهَمِّ المُفَدَّى
نُذِلُّ بطاقةِ الرُّوحِ الصِّعَابَا
لك الفضلُ استباقا في القوافي..
وإني- كالصدى- كنتُ الجوابا.
أخوك : أدي ولد آدب/15/5/2022