أحب التمر حبا جما.. لكني لا أتحمل أكل البلح، وأعجب لمن يتحمله.
لا داعي – أيها المعلقون- لإضاعة الوقت في شرح مزايا "الگيطنه" وفوائد البلح وموائده، ومنظومته قديما وحديثا، فهذا تحصيل حاصل عندي لله الحمد.
دعي ما ذا علمتُ سأتقيه ** ولكن بالمغيب نبئيني.
لكني أتحدث عن حالي (ولكم أن تستعيذوا منها) وهي غير مستمدة من شيء مما تذهبون إليه، وعن ذوقي (والأذواق لا تناقَش).
ولا داعي للتصنيف الفئوي الجهوي البائس.. فالكلام عن مادة لا تختص بقوم ولا بجهة.
فإن أصررتم فاسمحوا لي أن لا أتفاعل مع تعليقاتكم ولا أهتم بها.
أعجب من الأفواج التي تؤم الواحات وتمضي وقتها وتنفق مالها من أجل البلح، ولكن هذا شأنها، فأفعال العقلاء مصونة عن العبث. ولو شئت لفعلت مثل ما يفعلون أو زدت عليه، ثم إن لي أصدقاء أعزة من ملاك النخل في مختلف أرجاء البلاد؛ بل يمكنني أن "أگيطن" دون أن أبرح موطني؛ بل دون أن أبرح منزلي فلطالما دعاني أحبتي من الشرفاء في أمندور وتگند النخل للـ"گيطنه" معهم فكرّرت جوابي الموحّد بأني "أگيطن" الأحباب لا البلح، وهؤلاء ليس للقائهم موسم محدد لله الحمد.
خروجا عن الموضوع.. لفت انتباهي منذ 30 سنة أن ملك النخيل في ولاية الترارزه منحصر تقريبا في مجموعات الشرفاء، ترى أهو حنين إلى المنطلق وتقليد متبع، أم له سبب آخر، أم لا سبب له؟!
أما التمر فحبذا ذِكْرُه وأكله ورؤيته ولمسه، ومهما توالت علي النعم به وبغيره تظل عالقة بذهني ذكرى هدية منه متميزة شكلا ومضمونا، تلقيتها سنة 2000 في وادان من إمامه وابن أئمته، أحمدُ بن المصطفى بن الكتاب عليه رحمة الله.
شيعني الأمام وصهره ابن عمه الشيخ ابن حنبوب - رحمهما الله- إلى السيارة التي حجزتُ مقعدا بها إلى أطار، ولاحظت أن الإمام يرخي كُمَّه على شيء ما فصرفت النظر عنه؛ لا لأنه يتعلق بي، وإنما لأن تتبع المكتوم والتفطن له ليسا من مكارم الأخلاق.
انحدرنا من الهضبة التي تقل المدينة وجلسنا على الطريق نتحدث بانتظار شحن السيارة بالجزر من المزارع القريبة، وحين وصلتْ ودّعتهما وركبت فإذا بالإمام يضع عند قدميَّ علبة شاي من فئة 5 كغ، ويغلق الباب. كان إلى جانبي عمدة وادان؛ فقد تكون له أو للسائق، وقد تكون رسالة سبق الإشعار بها، وفي أثناء الطريق رأيت اسمي مكتوبا عليها بالخط العريض. جئت بها أهلي فلم نجد ألذ ولا أجود من محتواها!!
لا يختص ما ذكرته بالبلح؛ بل يشمل اللبن أيضا، فأنا لا أحب شربه وأعجب من رجال يجوبون البلاد ويعطلون مصالحهم ويُخِلّون بالتزاماتهم من أجل شربه، لكني أيضا أعلم أنهم أدرى بشأنهم.
معذرة عن هذا التداعي الحر، فقد تطاول شاي الصباح فتلهّيت به.