قالت هيومن رايتس ووتش إن قوات الأمن اليونانية "توظف" رعايا دول ثالثة (مهاجرين)، لدفع طالبي اللجوء للعودة عند الحدود البرية مع تركيا. التقرير أورد شهادات لأكثر من 20 مهاجرا ممن أكدوا تواجد مهاجرين مع الشرطة اليونانية.
تقرير جديد أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش يتحدث عن أحداث "مروعة" تعرض لها مهاجرون وطالبو لجوء على الحدود اليونانية، بعد عبورهم من تركيا. التقرير المؤلف من 29 صفحة أورد شهادات لمهاجرين وطالبي لجوء تعرضوا لكافة أصناف الانتهاكات من قبل قوات الأمن التركية، وأجبروا على العودة إلى تركيا. العناوين العريضة للتقرير قد لا تبدو جديدة، خاصة وأن الكثير من التقارير الصحفية والمؤسساتية (منظمات غير حكومية)، تحدثت خلال السنوات الماضية عن الانتهاكات الجمّة التي يتعرض لها المهاجرون، حيث تم توثيق عمليات إبعاد قسرية في بحر إيجه، ضرب وانتهاكات لمن تمكنوا من عبور الحدود البرية، تجريد من الملابس وسرقة الأموال والهواتف، احتجاز في مراكز أقرب ما تكون إلى السجون... وغيرها من التفاصيل.
لكن المثير في هذا التقرير هو المعلومات التي أوردها عن استخدام قوات الأمن اليونانية لأشخاص من دول ثالثة (مهاجرين) لإبعاد الوافدين حديثا من تركيا. هؤلاء يعملون كمساعدين للشرطة التي تحتجز طالبي اللجوء على الحدود البرية بين اليونان وتركيا عند نهر إيفروس، ثم تسلمهم لرجال ملثمين يجبرونهم على ركوب قوارب صغيرة ويأخذونهم إلى منتصف نهر إيفروس، ليلقوا بهم هناك لإجبارهم على العودة إلى الضفة التركية.
مهاجرون يبعدون مهاجرين
قال 16 مهاجرا ممن وردت شهاداتهم في التقرير إن رجالا يتحدثون العربية أو إحدى لغات جنوب آسيا كانوا يقودون القوارب التي تعيدهم إلى تركيا. معظمهم كانوا يرتدون زيا أسودا شبيه بالملابس العسكرية، ويغطون أوجههم بأقنعة. ثلاثة من أصحاب الشهادات قالوا إنهم تحدثوا مع سائقي القوارب. هؤلاء أكدوا أن سائقي القوارب قالوا لهم إنهم أيضا مهاجرون، وظفتهم الشرطة اليونانية للقيام بتلك المهمات مقابل وعود بتزويدهم بوثائق تمكنهم من السفر.
مهاجر أفغاني (عضو سابق في الجيش الأفغاني يبلغ من العمر 28 عاما) أُعيد إلى تركيا في أواخر كانون الأول/ديسمبر، أكد في شهادته أنه أجرى محادثة بلغة الباشتو (إحدى اللغات المحكية في أفغانستان) مع الرجل الباكستاني الذي كان يقود القارب. وجاء في الشهادة "قال سائق القارب نحن... نقوم بهذا العمل لمدة ثلاثة أشهر وبعد ذلك يعطوننا... وثيقة تخولنا التحرك بحرية داخل اليونان وبعد ذلك يمكننا التوجه لدولة أخرى".
وصف شاب أفغاني آخر يبلغ من العمر 18 عاما تجربتهبعد أن نقلته الشرطة اليونانية من مركز الاحتجاز إلى النهر "على الحدود، كان هناك أشخاص آخرون ينتظروننا... من لغتهم تمكنا من تحديد أنهم باكستانيون أو عرب. أخذ هؤلاء الرجال نقودنا وضربونا. ألقوا بنا في وسط النهر...".
المنظمة الحقوقية أوردت في تقريرها شهادة كانت منظمة "جسور" غير الحكومية قد نشرتها في 2021، لمهاجر سوري تم إبعاده إلى تركيا، قال فيها "كان هناك ضابطان آخران مع القارب على جانب النهر (...) أحدهما سوري ويتحدث بالعربية ويرتدي ملابس سوداء لا تحمل علامات. أعلن هذا الضابط الذي يتحدث العربية باللهجة السورية للمجموعة أنه ‘إذا كان أي شخص يستطيع التحدث باللغة الإنكليزية، يمكنه أن يعمل لديهم (الشرطة اليونانية) لمدة ستة أشهر وبعد ذلك سيحصل على أوراق لجوء‘".
"الممارسات اليونانية تسخر من القيم الأوروبية المشتركة"
بيل فريليك، مدير حقوق اللاجئين والمهاجرين في هيومن رايتس ووتش وأحد معدي التقرير قال إنه "لا يمكن إنكار أن الحكومة اليونانية مسؤولة عن عمليات الإعادة غير القانونية على حدودها، واستخدام وكلاء لتنفيذ هذه الأعمال غير القانونية لا يعفيها من أي مسؤولية". وأضاف "ينبغي على المفوضية الأوروبية أن تفتح إجراءات قانونية على وجه السرعة وتحاسب الحكومة اليونانية على انتهاك قوانين الاتحاد الأوروبي التي تحظر الطرد الجماعي".
وأضاف "في الوقت الذي ترحب فيه اليونان بالأوكرانيين باعتبارهم ‘لاجئين حقيقيين‘، فإنها تقوم بعمليات صد قاسية للأفغان وغيرهم ممن يفرون من حرب وأعمال عنف مماثلة. الكيل بمكيالين يسخر من القيم الأوروبية المشتركة حول المساواة وسيادة القانون والكرامة الإنسانية."
وكان وزير الهجرة اليوناني نوتيس ميتاراتشي قد صرح أمام البرلمان مطلع آذار/مارس الماضي أن الأوكرانيين هم "اللاجئون الحقيقيون"، مشيرا إلى أن أولئك الموجودين على حدود اليونان مع تركيا ليسوا كذلك.
نفي رسمي
من جهته، نفى اللواء ديميتريوس ماليوس، رئيس فرع الأجانب وحماية الحدود في الشرطة اليونانية، مزاعم هيومن رايتس ووتش، وقال إن "وكالات الشرطة وموظفيها سيستمرون في العمل بطريقة دائمة ومهنية وقانونية وسريعة، مع اتخاذ جميع التدابير اللازمة لإدارة تدفقات اللاجئين والمهاجرين بشكل فعال، وبطريقة تحفظ من ناحية حقوق الإنسان للأجانب ومن ناحية أخرى تحمي المواطنين خاصة في المناطق الحدودية".
يذكر أن وكالة حماية الحدود الأوروبية "فرونتكس" متواجدة عند النقاط الحدودية اليونانية مع تركيا، لمساعدة سلطات أثينا على مواجهة تدفقات اللاجئين إلى أراضيها. شهادات المهاجرين أوردت مشاهدة عناصر بألبسة عسكرية تحمل شارات "فرونتكس"، كانوا متواجدين لحظة توقيفهم، إلا أنها (الشهادات) لم تؤكد تواجد تلك العناصر أثناء ارتكاب الانتهاكات الحقوقية بحقهم.
ولطالما أنكرت الحكومة اليونانية التورط في عمليات صد أو إبعاد قسرية، واصفة تلك المزاعم بأنها "أخبار مزيفة" أو "دعاية تركية"، وتوعدت بفرض عقوبات جنائية ضد من يروجون لمثل تلك "الدعايات".
شهادات إضافية
وفي تقرير صادر عنها في أيلول/سبتمبر 2021، أكدت "شبكة مراقبة العنف على الحدود" (تراقب انتهاكات حقوق الإنسان على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي) من خلال شهادات لمهاجرين، وجود عناصر من دول ثالثة (مهاجرون أيضا) على الحدود اليونانية، يقومون بعمليات الإبعاد القسرية ويمارسون شتى الانتهاكات بحق المهاجرين، مقابل وعود بحصولهم على وثائق قانونية في اليونان، أو تعويضات من نوع آخر.
تقرير آخر صادر عن نفس الشبكة في 22 آذار/مارس الماضي، أورد شهادة لمهاجر تونسي تعرض لأشكال متعددة من الانتهاكات من قبل الشرطة اليونانية، أكد وجود عناصر "مدنية" مع قوات الأمن اليونانية عرب. المهاجر قال إنهم سوريون "قال لنا ‘لا تغضبوا الضابط كي لا تتعرضوا للضرب، دعونا نضربكم نحن، فقط اتبعوا الأوامر. جئنا بكم إلى نقطة قريبة من أدرنة (تركيا)، توقفوا عن المحاولة (عبور الحدود) قبل أن تفقدوا حياتكم".
وكان مهاجر نيوز قد نشر عددا من التقارير والشهادات حول الانتهاكات التي تمارسها قوات الأمن اليونانية بحق المهاجرين على الحدود، كالاحتجاز والضرب والتجريد من الملابس ومصادرة الحاجيات الشخصية والأموال.
وتنتهك عمليات الإعادة القسرية العديد من المعايير الحقوقية، بما فيها حظر الطرد الجماعي بموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والحق في الإجراءات القانونية الواجبة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والحق في طلب اللجوء بموجب قانون اللجوء في الاتحاد الأوروبي وميثاق الاتحاد الأوروبي، ومبدأ عدم الإعادة القسرية بموجب اتفاقية اللاجئين لعام 1951.