
قرأت آراء لا يرى أصحابها ضرورة للتشاور في ظل أوضاعنا الراهنة؛ لعدم وجود "دواع سياسية أو أمنية تحتمه، كما يقع في الديمقراطيات العريقة". وفي نظري أن التشاور سنة حميدة، ومنهج ديمقراطي عريق؛ زكاه ديننا الحنيف بالأمر الإلهي: "وشاورهم في الأمر"، وأنه من حقنا أن نرسي أعرافا ديمقراطية تنبع من واقعنا، وقيمنا؛ لذلك ينبغي أن نرتاح لكون القوى السياسية تجتمع في هذا الشهر العظيم لتدارس قضايا الوطن، ولبحث المشترك بينها. ونرى أن يكون شهر رمضان دائما شهر تشاور وتسامح بين الأغلبية والمعارضة، ولكن يجب أن يكون ذلك التشاور عمليا صادقا، غير مكلف ماديا، وأن يصل إلى نتائج تخدم الوفاق الوطني، وتسهم في تجنيب الحياة السياسية مظاهر الحنق والاحتقان اللذين يدفعان المعارضة إلى البحث عن كل ما من شأنه عرقلة تنفيذ برامج الأغلبية. وبخصوص ما تخشاه بعض أطراف الأغلبية من أن يكون قرب بعض أطر المعارضة من برنامج فخامة الرئيس منافسا لها في في الوظائف والامتيازات فلا أراه وجيها؛ لأننا شعب قليل الكفاءات، والوظيفة فيه يجب، خدمة للمصلحة العامة، أن لا يكون معيارها الوحيد الولاء. وكما في كل الديمقراطيات تكون فيه بعص الوظائف مرتبطة بالحزب الحاكم، ولكن أغلب الوظائف يجب أن تكون جمهورية، وأن يكون التعيين فيها والخروج منها وفق مساطر واضحة وشفافة؛ لا ترتبط بهذا الحزب أو ذاك؛ وبالتالي تستمر المعارضة إلى جانب الأغلبية، وتتواصل الرقابة والنقد البناء في ظل شعور الجميع بالتنافس لكسب ثقة المواطن؛ بعيدا عن الإقصاء والغبن وقطع الأرزاق لمجرد الخلف في الرأي.