لا شك أن المثقف الحقيقي هو الذي يلتزم قضية معينة، أو نظرية محددة، أو فكرا حقيقيا، أو تماه مع نخبة مثقفة لحل المشكلات ومعالجة الأزمات. فهو المدافع عن الأسس والقضايا التي تهم الناس وتسعى إلى الأخذ بيد المجتمعات إلى الأمام من خلال تطلعات كبيرة واهتمامات واسعة، فيوظف معارفه وإبداعه لخدمة واقعه أينما كان وأينما وجد بوصفه المعِّبر الحقيقي عن هموم الحياة والمترجم لأبعادها، والمرآة الصقيلة العاكسة بجميع الألوان البهية لكل خصائصها ومواصفاتها في الوجود.
إنه أيضا من يلتزم الحياة وينتمي إلى التراب الوطني والفضاء الحضاري، و المدار الإنساني، لا يفرق بين الألوان، ولا يميز بين الناس على أساس هوية، أو دين، أو عرق، أو توجه، أو انتماء سياسي، أو طائفة أو مذهب لأنه يدرك جيدا أن المجتمعات عبارة عن مجموعة مستويات تعلو وترتقي أو تهترئ وتنضوي.
والمثقف الحقيقي يلتزم القضايا الحقيقية التي يرى انعكاس ذاته في مرآتها، يتألم من جراء المصائب التي تحيق ببلده وشعبه ويتحسس مناطق الضياع التي تتربص بالأجيال، ويفكر بالمستقبل الذي يمتلك أدوات استشرافه، ولا يساوم على مبادئه المثقفة أو يتنازل عنها، ولا على قيمه الحضارية ومواقفه الإنسانية، ولا على إبداعاته الجماعية، وأفكاره السامية، كما لا يلطخ نظافته ولا يساوم على مواقفه، ولا تَهن أو تتأثر صلابتُه، ولا تتوقف أو تتراجع مواجهاته أمام التحديات وإزاء “المثقفين” الآخرين الذين لا يعرفون إلا الرخوية، والانصياع والحر بائية.
صفات تنطبق في مجملها على الدكتور محمد سيدي أحمد فال بوياتي، المدير المؤسس للمركز الموريتاني للبحوث و الدراسات الإنسانية (مبدأ)، كما أنها تصدق على مساره العلمي والمهني في كل تجلياته. فهو إلى جانب التدريس الجامعي، تقلد مناصب وأوكلت إليه عديد المسؤوليات العالية على رأس مؤسسات عمومية، استطاع خلال إدارتها وتسييرها أن يترك بصمة “الأمانة” على المقدر ويرفع مؤشر نهج “الدفع” إلى الأمام في الأداء المهني العالي للحصول على كل مخرج منتظر بالنتيجة. كما كان في كل مرة متصفا بأمارات القائد الجيد الذي يتحمل المسؤولية ويتصرف بحكمة في الأوقات الصعبة.
ولقد أظهر الدكتور بياتي، خلال توليه هذه المهام، قدرة عالية على “التواصل” الجيد وإظهار “التعاطف” المنشود في بيئة العمل، وسعة صدر مكنته من التحلي بعقلية النمو والتطور والطموح.
و فوق كل هذا أثبت الدكتور أنه من الذين يلهِمون مَن حولهم بمنهجيته التشاركية، وأريحيته الفطرية، وتفتحه على الآخر وآرائه، وتواضعه الذي لا يوازيه إلا حزمه وصرامته وحبه المجازفة البناءة التي لا ينظر في خضمها إلى التحديات على أنها عقبات، بل يعتبرها خطوات ضرورية، يخلق ضمنها الظروف للإبداع من أجل نجاح الخطوات المرسومة للوصول إلى الأهداف المنشودة،.
ولأن الدكتور بوياتي قامة ثقافية عالية وفكرية فريدة وإطار نادر من فصيلة الأطر النادرين في هذا البلد الذين يدركون بتواضع وموضوعية أنهم لا يستطيعون بمفردهم القيام بأي عمل أو إنجاز أي برنامج، وأن العمل الجماعي هو الطريق الأمثل لتحقيق النجاح فيقومون على إعداد موظفيهم ليتقلدوا بدورهم مناصب قيادية في المستقبل.
وهو بما يتصف به من صفات المثقف الملتزم، والسياسي الناضج، والإطار المحترف، يعد بحق من الذين يصلحون للمشاركة في وضع الاستراتيجيات “العملية” على مستوى القطاعات، ولتولي الحقائب السامية التي تناسب قدراته الثقافية والسياسية والتسييرية.
وقد لعب، ويلعب المركز الموريتاني للبحوث و الدراسات الإنسانية “مبدأ”، الذي يرأسه، أدوارا رائدة أسهمت في رفع مستوى الوعي وتمثلت أساسا في دعم المسار الديمقراطي المستدام من خلال:
– توفير المعرفة المقارنة،
ـ والمساعدة في الإصلاح الديمقراطي،
ـ والتأثير على سياسات الحكامات “القطاعية” والسياسة عامة من خلال المحاضرات والندوات واللقاءات، التي يختار لها الخبراءَ والمتخصصين والمحللين المرموقين،
ـ والاهتمام على وجه التحديد بتنظيم الندوات الدولية والحوارات السياسية حول المسار الديمقراطي الوطني وأدوار الأطراف الوطنية الفاعلة وكذلك قضايا وهموم المواطن الأساسية والملحة والعالقة.
كما اهتم ويفعل المركز بضمان كون المحصلات الديمقراطية تتسق مع المشاركة والتمثيل السياسي الكامل والمتساوي للجنسين، ومع الشمولية فيما يتعلق بمختلف تعابير التنوع في المجتمع، وأيضا مع التقليل من الصراعات وتعزيز السلام والأمن. كما يتناول المركز، في مجمل أنشطته، القضايا الوطنية الكبرى وأدوار الأحزاب السياسية في إطار عمل برنامج السياسية والمشاركة والتمثيل على مستوى الدولة، ويركز في هذه الأنشطة على مسألة تحسين المصداقية والفاعلية وقدرة أداء الأحزاب السياسية لصالح بناء الإنسان وتطور البلاد وازدهارها ورفاه المواطن.
الولي سيدي هيبه