محمد إسحاق الكنتي
مثل خطاب فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني اليوم، في شكله ومضمونه، تساميا على الخطابات النمطية التي تغرق في العموميات لتقول كل شيء، دون أن تقول شيئا محددا! فمن حيث الشكل استخدم فخامة الرئيس الحسانية في سابقة فاجأت الحضور الذي توقع خطابا "رسميا" يشيد بالإنجاز، ويسدي بعض النصح، ويتطلع إلى المستقبل. عزز هذا الشعور إخراج الرئيس ورقة من جيب بدلته. لكن ثوانٍ من الصمت، والرئيس ينظر إلى الحضور، مهملا الورقة، أثارت الانتباه، وأزالت من أذهاننا جميعا تصورنا المسبق لشكل الخطاب ومضمونه. كانت تلكم أولى المفاجآت التي أعطت للخطاب نكهته الخاصة شكلا ومضمونا. فقد شعر الحضور أن رسالة الخطاب لا تقف عند المستويات الرسمية، وإنما تتجاوزها إلى العمق الشعبي ليدرك الشعب أن رئيسه ليس حبيس القصر، والتشريفات، والرسميات... وإنما هو على اطلاع بظلم فاتورة الكهرباء، واختفاء عداد الماء نهاية الأسبوع، ودوامة المداخلات... أمثلة ضربها فخامة الرئيس لمعاناة المواطن في تعامله مع إدارة وجدت لتخدمه في أحسن الظروف!
لقد استخدم الرئيس لغة مهذبة، وشدد على أن الأمثلة التي ساقها عينات ممثلة لداء تعانيه إدارتنا؛ وأول علاج للداء تشخيصه بشكل صحيح. وصف الرئيس الداء بلغة توصل المعنى دون تشنيع أو تهويل؛ تعاني إدارتنا من "اختلالات". قد تبدو العبارة مخففة لكنها توحي بضرورة الإسراع في العلاج؛ فالتراكم عبر الزمن يؤدي إلى تفاقم ما كان في الأصل أمرا بسيطا. وختم فخامة الرئيس حديثه بنفس العبارات المهذبة، موحيا إلى سامعيه في قصر المؤتمرات، وخارجه، بأن إصلاح الإدارة قرار قد اتخذ، وعلى العاجزين عن مواكبته "اتخاذ" القرار السليم. ولا يخفى على العارفين بأسرار اللغة المهذبة أن إسناد الفعل إليهم ليس سوى تورية.
لقد كتب "قف" اليوم في متن التسيير، قد يكتمل "نظمه" في الأيام القادمة، ليتكفل ما تبقى من المأمورية ببسط معانيه في الحواشي والطرر...