القاهرة – جدل وتساؤلات أثارهما إعلان وزيرة التخطيط المصرية هالة السعيد عن إنفاق 400 مليار دولار (أكثر من 6.2 تريليونات جنيه) على مشروعات البنية التحتية خلال الفترة من 30 يونيو/حزيران 2014 حتى 30 يونيو/حزيران 2021 ، ضمن جهود الدولة في تحسين جودة الحياة للمواطن.
وتركز الجدل حول تأثير ذلك الرقم الضخم على حياة المصريين، خاصة أنه كان قد ورد أيضا على لسان الرئيس عبد الفتاح السيسي، وذلك بالتوازي مع استمرار الشكوى من تردي الأوضاع الاقتصادية والخدمية، كما أثار تساؤلات حول مصدر هذا الرقم الكبير والقطاعات المستفيدة.
وخلال إحدى الجلسات النقاشية بمناسبة إطلاق المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية، الاثنين الماضي، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي، قالت وزيرة التخطيط إن المشروع القومي (حياة كريمة)، والذي يستهدف أكثر من 50 مليار دولار على مدار 3 سنوات، هو أكبر مشروع تنموي في العالم.
ورهنت الوزيرة استدامة معدلات التنمية وشعور المواطن بثمارها، "بضبط معدلات النمو السكاني"، حيث فشلت كل جهود السلطات حتى الآن في الوصول إلى مستهدفات النمو السكاني، عبر خفض مستويات الإنجاب إلى 1.6 طفل لكل سيدة بدلا من 2.9 طفل حاليا.
وكان السيسي قال -خلال افتتاح معرض مصر الدولي للبترول "إيجبس 2022″، منتصف فبراير/شباط الماضي- إن "الدولة نفذت مشروعات خاصة بالبنية الأساسية بقيمة 400 مليار دولار خلال الـ7 سنوات الماضية".
أضخم رقم في تاريخ مصر
هذا الرقم يعادل نحو 3 أمثال ديون مصر الخارجية البالغة 137 مليار دولار تقريبا، ويقترب جدا من الناتج المحلي الإجمالي لمصر البالغ 6.4 تريليونات جنيه في 2021/2020، وأقل بقليل من ديون مصر الداخلية والخارجية (الدين العام) البالغة أكثر من 6.3 تريليونات جنيه. (نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي تبلغ 90% ومتوقع أن يرتفع الناتج إلى 7.1 تريليونات جنيه). (الدولار = 15.7).
ويبقى السؤال الأكثر إلحاحا، ما حقيقة إنفاق هذا المبلغ الضخم في ظل تكرار شكوى المسؤولين من نقص الإيرادات وعدم وجود مخصصات مالية لقطاعات مثل الصحة والتعليم والأجور والدعم التمويني، ومن أين حصلت الدولة على كل هذه الأموال، وهل يمكن تصور أن جميع هذه الأموال ذهبت للبنية التحتية فقط، وماذا عن باقي البنود، وإذا كانت كذلك فلماذا لا يشعر بها المواطن؟
ولطالما كرر السيسي في مناسبات عدة أن المواطن لن يشعر بأي تحسن في حياته المعيشية، طالما نسبة النمو السكاني على هذا النحو؛ لأن الزيادة السكانية تشكل عبئا على الاقتصاد القومي ولا تتماشى من النمو الاقتصادي للدولة، وتمثل تحديا كبيرا أمام جهودها المستمرة في مجال التنمية.
اختلاف الأرقام وقطاعات مستأثرة
الحديث عن حجم الإنفاق على مشروعات البنية التحتية واحد على لسان المسؤولين المصريين، ولكن الرقم ليس واحدا؛ هذا الرقم الضخم اختلف عن رقمين سابقين للوزيرة نفسها، الأول قالت فيه إن الدولة أنفقت 2.3 تريليون جنيه في 6 سنوات، والثاني إن الدولة أنفقت 4.4 تريليونات جنيه في الفترة من يوليو/تموز 2014 إلى يونيو/حزيران 2021)، فيما ساق رئيس الوزراء رقما ثالثا جاء في تقرير باسم مسيرة الإنجازات في 7 سنوات، وبلغ 6.2 تريليونات جنيه.
وأضاف التقرير الصادر نهاية العام الماضي، أنه جرى إنجاز وجار تنفيذ مشروعات قومية في الدولة المصرية بقيمة 6.2 تريليونات جنيه حتى الآن، نفذتها وزارة الدفاع ممثلة في الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، بينما تولى جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التنفيذ والإشراف على العديد من المشروعات المنفذة، وذلك بإجمالي 1.52 تريليون جنيه.
واستأثرت 3 قطاعات ليس من بينها الصحة أو التعليم بحجم الإنفاق وهي الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة بنحو 1.5 تريليون جنيه، والبترول والثروة المعدنية بنحو 1.1 تريليون جنيه، والنقل بنحو 1.3 تريليون جنيه، فيما جاءت المشروعات التنموية الممولة من وزارة الدفاع ممثلة في جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة بنحو 240 مليار جنيه، ومشروعات الصحة بنحو 153 مليار جنيه، والتربية والتعليم بنحو 50 مليار جنيه فقط، وفقا للتقرير.
ومن شأن الإنفاق الكبير للدولة المصرية على البنية التحتية أن يزيد مساحة مصر المعمورة من 7% إلى 12%، وفق تصريحات صحفية لمدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية الدكتور عبد المنعم السيد، في ظل ما تشهده البلاد من تحولات كبيرة وجذرية اقتصادية واجتماعية خلال الـ7 سنوات الماضية، وتحويل التحديات إلى فرص تنموية واعدة، حيث حققت إنجازات تاريخية غير مسبوقة، وهي بداية لتأسيس دولة حضارية جديدة، وفق قول السيد.
تحسين صورة الحكومة
في تعليقه على تصريحات المسؤولين المصريين بشأن حجم الإنفاق على البنى التحتية، قال عضو لجنة النقل والمواصلات بالبرلمان سابقا، المهندس محمد فرج "في البداية ما هي البنية التحتية؟ هي كل شيء يتم استخدامه في الحياة اليومية لتسهيل الحياة في المجتمع، ومن هنا يدخل تحت نطاقها الطرق والجسور وإمدادات المياه والكهرباء والصرف الصحي والهواتف والإنترنت والمستشفيات والمدارس والجامعات والمرافق المختلفة".
وأوضح فرج في حديثه للجزيرة نت أن أول ما يلحظه المرء هو عدم عدالة توزيع الإنفاق على البنية التحتية سواء من ناحية الكيف أو الكم، إذا أخذنا في الاعتبار حجم الإنفاق الذي أعلنته الحكومة، بمعنى هل هناك عدالة بين المدن والريف وبين الصعيد والدلتا والقاهرة الكبرى في الإنفاق؟ هذه واحدة، والثانية هل هناك عدالة في حجم الإنفاق على القطاعات، أم أن نصيب الأسد يذهب لقطاعات بعينها كالطرق والبترول والإسكان مقابل القليل للصحة والتعليم؟، مشيرا إلى أن هناك تفاوت واضح في هذه المسألة.
وانتقد البرلماني السابق ما وصفه بعدم إتاحة بيانات وتقارير ترصد نصيب كل قطاع والإنفاق عليه وحجمه، وإعداد قوائم بالمشروعات وتكلفتها في كل قطاع وفي المحافظات والمدن والقرى، حتى يستطيع المجتمع المدني مناقشة الحكومة في أوجه الإنفاق ووضع اليد على مواطن الخلل، ولكن إطلاق الأرقام على عواهنها يضعنا أمام تصريحات براقة الهدف منها هو تحسين صورة الحكومة المصرية لا حياة المواطن المصرية، وفق قول المهندس فرج.
إيرادات الدولة في 7 سنوات
المفارقة وفق حسام الشاذلي أستاذ إدارة التغيير والتخطيط الإستراتيجي الزائر بجامعة كامبردج المؤسسية بسويسرا، أن الدولة لم توضح مصادر تلك التريليونات، هل هي قروض؟ وإذا كانت قروض فهي وحدها لا تكفي، هل هي إيرادات الموازنة العامة للدولة؟ أيضا حجم الاستثمارات في موازنات السنوات السبع الماضية لا يكفي أيضا، إذن نحن أمام أرقام الهدف منها إرسال رسالة مغلوطة في الداخل والخارج، كما يعتقد الشاذلي.
ويقترب مبلغ الـ400 مليار دولار من حجم إيرادات الدولة المصرية منذ موازنة عام 2016/2015 وحتى موازنة 2022/2021، والتي بلغت في أول موازنة 525 مليار جنيه، وفي آخر موازنة 1365 مليار جنيه، حيث يصل مجموع إيرادات الدولة في تلك السنوات نحو 6 تريليونات و733 مليار جنيه.
وفي تصريحات للجزيرة نت، يقول الشاذلي إن إنفاق هذا المبلغ الضخم حتى وإن سلمنا به فهو إهدار للمال العام؛ لأنه ينفق بعيدا عن أولويات نهضة الأمم في التعليم والصحة والصناعة والزراعة التي تمس حياة المصريين بشكل مباشر، وإن كان جزءا من حجم الإنفاق يذهب للتخطيط الحديث للمدن وإزالة المناطق العشوائية وتحسين شبكة الطرق الخارجية.
وأشار الشاذلي إلى أن اختلال الأولويات في سياسية الحكومة الاقتصادية جعل ملايين المصريين لا يشعرون بأي تحسن، بحسب تصريحات السيسي نفسه، لأنه يأخذ من الفقير والمعدم ومحدود الدخل مثله مثل الأغنياء والمقتدرين، ويفرض عليه نفس الأعباء من تحرير أسعار الطاقة والوقود والغاز والمياه والتموين وغيرها، وبالتالي نحن أمام منظمة لا تهتم سوى بالصورة العامة للاقتصاد الكلي والأرقام وليس بالصورة العامة لحياة المصريين والارتقاء بمستوى دخولهم ومعيشتهم على حد سواء.
المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة