بي بي سي
يتحدث اللغة السواحيلية، التي نشأت في شرق أفريقيا، أكثر من 200 مليون شخص، وهي إحدى اللغات العشر الأكثر انتشارا في العالم. وفي هذه المقالة تقول بريا سيبي، إن هناك جهدا متجددا ومتعاظما باتجاه أن تصبح السواحيلية لغة التواصل المشترك في القارة السمراء.
""آن الأوان، لنكف عن استخدام لغة المستعمر".
ليست العبارة السابقة جزءا من خطاب حماسي لأحد الدعاة النموذجيين للقومية الأفريقية، وإنما قائلتها هي الطالبة الغانية السواحيلية أنابيل نا أودارلي لانكاي.
لكن كلماتها هذه تحمل صدى تصريحات، لطالما رددها حالمون بمستقبل أفريقي مختلف على مر عقود.
وتضيف الشابة التي يبلغ عمرها 23 عاما "ينبغي أن يكون لأفريقيا شيء نابع منا، ولأجلنا".
وتنتشر اللغة السواحيلية ولهجاتها اعتبارا من أجزاء من الصومال نزولا إلى موزمبيق، وعبر الأجزاء الغربية من جمهورية الكونغو الديمقراطية.
لكن مبنى الكلية التي تدرس فيها لانكاي في جامعة غانا في العاصمة أكرا، يقع على بعد حوالي 4500 كيلومتر إلى الغرب من المنطقة التي تعتبر مهد اللغة السواحيلية وهي ساحل كينيا وتنزانيا.
ويمكن اعتبار هذه المسافة الشاسعة بين المنطقة التي نشأت بها اللغة والمكان الذي تطالب منه الشابة باعتماد السواحيلية لغة مشتركة في أفريقيا، مقياسا لمدى انتشار هذه اللغة وجاذبيتها المتزايدة.
ووفقا للانكاي، فالكلمات والعبارات باللغة السواحيلية، التي تنتقل عبر أغاني نجوم مثل دياموند بلاتنومز من تنزانيا، تزداد شعبية على نطاق واسع في غانا.
وعلى الرغم من أهمية هذه اللغة، تقول لانكاي إن "أصدقاءها وعائلتها استغربوا عندما علموا بأنني أدرس اللغة السواحيلية". ولكن إضافة إلى مبدأية إعجابها باللغة، تعتقد الشابة أن معرفتها بالسواحيلية ستساعدها في الحصول على وظيفة بعد التخرج.
وبعد أن حددت منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم والتربية (اليونسكو) السابع من يوليو/ تموز يوما عالميا للغة السواحيلية، فقد يكون لوجهة نظر لانكاي ما يبررها بالفعل.
ساهم التجار العرب بشكل كبير في نشر السواحيلية، التي تشكل كلمات مأخوذة من اللغة العربية نحو 40 في المئة من مفرداتها، على طول ساحل شرق أفريقيا.
واكتسبت اللغة طابعا رسميا لاحقا، في ظل حكم الاستعمارين الألماني والبريطاني للمنطقة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، باعتبارها لغة معتمدة في الإدارة والتعليم.
وعلى الرغم من نقاشات سابقة بخصوص اعتبار السواحيلية بديلا للإنجليزية أو الفرنسية أو البرتغالية كلغة للتواصل المشترك في القارة، أو اللغة المفهومة بشكل عام ومشترك في أرجائها، تشهد هذه القضية اليوم زخما متجددا.
ترسيخ الهوية الأفريقية
في الاجتماع الأخير لرؤساء الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، تم اعتماد اللغة السواحيلية كلغة عمل رسمية في دول الاتحاد.
وهي أيضا اللغة الرسمية لمجموعة شرق أفريقيا، التي تستعد جمهورية الكونغو الديمقراطية للانضمام إليها.
وأصبحت اللغة السواحيلية عام 2019 أيضا اللغة الأفريقية الوحيدة المعترف بها من قبل مجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية. وبعد ذلك بفترة وجيزة، بدأ تعليمها في الفصول الدراسية في أنحاء جنوب أفريقيا وبوتسوانا.
كما أعلنت جامعة أديس أبابا الإثيوبية مؤخرا أنها ستبدأ تدريس اللغة السواحيلية.
ويتوقع مختصون بعلم اللغات أن انتشار اللغة السواحيلية في أفريقيا سيستمر في التوسع.
ويرى توم جيلبكي، الباحث في اللغة السواحيلية من كلية لندن للدراسات الشرقية والأفريقية، أنه مع تنامي الروابط عبر القارة الأفريقية، سيحتاج الناس إلى وسيلة مشتركة للتواصل.
وهو يعتقد أن قربها من لغات أخرى في شرق ووسط أفريقيا سيعزز مكانة السواحيلية في تلك المناطق. في حين قد تلعب منطلقات أيدولوجية دورا في انتشارها خارج المناطق المذكورة.
ويقول علي خلفان، المحاضر في جامعة ولاية زنجبار، "السواحيلية ... ترتبط بالاحساس بالامتلاك". في توافق مع ما رأي لانكاي، مضيفا "الأمر يتعلق بامتلاكنا (للغة) وهويتنا كأفارقة".
وتم الترويج لفكرة أن السواحيلية هي لغة لكل أفريقيا في ستينيات القرن الماضي من قبل جوليوس نيريري، أول رئيس لتنزانيا بعد الاستقلال، والذي استخدم اللغة السواحيلية لتوحيد شعب بلاده بعد استقلالها عن الحكم البريطاني.
بين الحلم الأفريقي والمعطيات الواقعية
ولكن رغم هذه الرؤية لما بعد المرحلة الاستعمارية النابعة من وجوب تخطي الإرث الثقافي الاستعماري، ورغم الانتعاش الذي تشهده اللغة السواحيلية حاليا، فهناك حاجة أيضا لمزيد من الواقعية في مقاربة الموضوع انطلاقا من المعطيات على الأرض.
ففي الواقع، لا تزال اللغات الأوروبية مهيمنة في أنحاء القارة، وتغيير ذلك سيتطلب بذل جهود كبيرة.
ولا تزال الإنجليزية هي حاليا اللغة الرسمية أو اللغة الثانية في 27 دولة من أصل 54 دولة في أفريقيا، كما أن الفرنسية هي اللغة الرسمية في 21 دولة في القارة.
ويقول تشيغي غيثيورا، أستاذ اللسانيات من كينيا إن "الإنجليزية لا تزال لغة السلطة" نظرا للواقع السياسي والاقتصادي في القارة الأفريقية.
وهو يدعو إلى ما يسميه "طلاقة تعددية اللغات" التي تعني شعور الناس بالراحة عند التحدث بعدة لغات عابرة للحدود الوطنية.
وفي حين تمتلك اللغة السواحيلية حضورا وإقبالا في شرق ووسط وجنوب إفريقيا، فهي تواجه بقدر أكبر من المنافسة في غرب القارة وشمالها.
فاللغة العربية هي السائدة في الشمال، أما في الغرب فتوجد لغات أفريقية أخرى مثل الهوسا والإيغبو واليوروبا، والتي يمكن أن تنافس على لقب اللغة المشتركة.
وإذا كانت السواحيلية ستصبح حقيقة لغة أفريقية عامة، فسيتطلب الأمر إرادة سياسية، وضرورة اقتصادية واستثمارات مالية لتشمل جميع المناطق.
وتقول الدكتورة جوزفين دزاهين - كوارشي، أستاذة اللغة السواحيلية في جامعة غانا "عندما بدأ تدريس اللغة السواحيلية لأول مرة في غانا عام 1964، حصلت الخطوة على دعم كبير من جامعة دار السلام، لكن هذا لم يستمر".
وتضيف "إذا بذلت دول شرق أفريقيا مزيدا من الجهود في الترويج لتعلم اللغة السواحيلية في مناطق أخرى، فسيمكننا تحقيق تقدم، لكنني لا أتوقع لها أن تصبح لغة مشتركة للقارة بأكملها".
ومع ذلك، فإن طلاب دزاهين - كوارشي في جامعة أكرا، مثل لانكاي، سيستمرون في الحلم، ومواصلة تعلم السواحيلية، لأنها تملك آفاقا إلى جانب جاذبيتها الفكرية والعملية.