كانت أراضي القارة الافريقية حاضرة في اذهان مؤسسي الكيان الصهيوني و ضمن خياراتهم الاولى لإقامة دولة الاغتصاب اليهودية ، وبعد عدولهم عن اوغندا إلى لفلسطين السليبة اتجهت استراتيجياتهم الى كيفية يستطيعون بها تحويل البحر الأحمر إلى مياه صهيونية تشرف اساطيلهم من خلالها على ممر مائي يربط بين ثلاث قارات من ضمنها القارة الافريقية الغنية بثرواتها البشرية والطبيعية، قبل أن تواجه مخططاتهم ثورة يوليو 1952 وتتحول إفريقيا تحت تاثير خطاب جمال عبد الناصر الثوري الى واحدة من أقوى منصات دعم التحرر العالمي، في زمن كان الفكر السياسي العربي يقظاً في صياغة مفهوم الأمن القومي العربي ويدفع بالتحولات والمناخ الإقليمي والدولي وتوازناته الى ما يخدم تصور وأبعاد هذا الأمن. ورغم كامديفد ووادي عربة وأوسلو بقي التطبيع مع كيان ارهابي جريمة اخلاقية في وجدان اغلب شعوب العالم حتى وقع الانهيار الذي بدأ باحتلال وتدمير العراق وواصلته ثورات ( برنار ليفي ) وتحت دخانه سرى حريق التطبيع بوقاحة في أحراش ومروج كانت في نظر كثيرين خارج غابات الاستهداف التقليدية .. وتحولت أمة بكاملها الى صفر (0) حضاري يستجدي موائد عدوه ويبادر بعضه لمساعدته في مد شبكاته حول القارات الخمس ليزيد منع الضمائر من التقاط صرخات الفلسطينيين البائسة، وصباحات تغتسل بالأسى من محتل اصبح بَعضُنَا لا يرضى بان يُعطى وصفه الحقيقي وهو الاستلاء على ارض فلسطين و طمس هوية شعبها استنادا الى حجج واهية تعود الى عصر الطوفان !! برفض الافارقة للنسخة المقترحة لهم من التطبيع مع الكيان الصهيوني لقبوله مراقبا في تجمعهم القاري يتاكد حجم الاحساس بالحرية لديهم ونبض المروءة ونصرة القضايا العادلة لدى أبناء هذه القارة السمراء التي تحدى رؤساؤها بطائراتهم الشخصية حصار امريكا على ليبيا في تسعينيات القرن الماضي حين أذعن أشقاؤهم العرب، كما ان الافارقة الشرفاء بوقفتهم هذه منعوا البقايا الشريفة في ضمير البشرية ان تزول وتتلاشى.. وسيكون امامهم من التحديات الكثير، ثمنا لموقفهم الانساني الكبير، لكن باستطاعتهم تطويعها والتغلب عليها وتجاوز أوضاع بلدانهم الاقتصادية والأمنية، و حالة عدم الاستقرار الداخلي والحدودي بمزيد من الوحدة والتعقل والاعتماد على الذات والامم الصديقة النقية من لوثة الماضي الاستعماري العنصري ومشاريعه النشطة التي تمثل الصهيونبة أقوى حواضنها في العالم الْيَوْم . وعلى بلادنا ان تلعب دورها الْيَوْم في هذا التوجه - وهي قادرة عليه - وعلى تقديم المبادرات الخلاقة نحو وحدة الافارقة واندماجهم وتسوية خلافاتهم البينية ودعم مناخات الديمقراطية في اوطانهم . فافريقيا بقدر ما تحتضنه من موارد تسيل لعاب القوى العالمية وبقدر ما تحويه من حضارات ورموز وتاريخ مشرق مؤهلة ان تنقذ العالم من لوثة الهرولة نحو التطبيع مع مرتكبي الجرائم الانسانية التي يريد بعض بني جلدتنا أن نذعن لها وتصبح عقيدتنا الجديدة.