سودة جوب غي
عرفتها امرأة صادقة رزينة متفانية في حب أسرتها الصغيرة ، محبة للصلاة حريصة على دينها رغم أنها لم تحفظ الا قصار السور، وكانت تردد دائما لاأريد أن يصيبكن ماأصابني من عدم التعلم ، فسألناها مندهشات ..! ولماذا جدتي ؟ ألم تكن عندكن مدارس مثل ما عندنا ؟ فقالت بلى يا حفيداتي الحبيبات :
عرفت السنغال تعليم القران الكريم منذ دخول الاسلام فيها أوائل القرن الحادي عشر الميلادي ،
لكن طبيعة الكتاتيب القرآنية في السنغال لم تكن تناسب التكوين البيولوجي للبنات ، لماكان فيها من شظف العيش والأعمال الشاقة التي كان الطلاب يتكبدونها من أجل توفير لقمة العيش ، وجلب الحطب من الغابة للاستنارة ، وكذلك حمل المياه من الأنهار والآبار ، زد على ذلك الهجران الطويل للأهل ….
وعلى الرغم من كثرة المدارس القرآنية آنذاك في كل قطر من انجامبور إلى سالم ، ومن فوتا الى جولوف، لم نعرف مدرسة قرآنية خاصة كانت تتولى تحفيظ القرآن الكريم للبنات وتكوينهن آنذاك الا ما ندر .
لكن رغم ذلك كله لم تفتقر البنت السنغالية إلى التكوين الديني و التربية على الأخلاق الإسلامية بالفطرة أو من البيئة المحيطة بها ، والتي كانت متأثرة بالتعاليم الإسلامية ، فترعرعت البنت السنغالية على الحياء والحشمة والعفة .. توقر الكبير وترحم الصغير ، مطيعة لوالديها ، وإذا زفت إلى زوجها تجعله سيدها ، وتسهر على خدمته وطلب رضاه ، بالإضافة إلى التفاني في تربية أولادها التربية الحسنة ، وكل ذلك كما نعلم منبثقة من تعاليم ديننا الحنيف..”
قلنا لها معا شكرا جدتي ،
وأدركنا لاحقا أن مدرسة كوكي الحديثة العتيقة والمشهورة بهذا العمل النبيل والتي أسست في سنة 1939سجلت حافظتها الأولى في سنة 1983 كما أكدت لي هي بنفسها ( السيدة صفية لوح ) عبر اتصال تلفوني ، وقس على مدرسة كوكي بقية المدارس القرآنية التاريخية مثل بير ، وفاس توري وجامل وغيرها وغيرها ، فلم تكن للبنات اذن حظ كبير في تعلم كتاب الله تعالى وحفظه ، اللهم الا بنات المشايخ وقريباتهم اللواتي كانت الكتاتيب القرآنية في عقر دورهن ، وحتى هن كانت الأعمال المنزلية الشاقة من طحن وطبخ وغسل الثياب وجلب المياه والاحتطاب تحول بينهن وبين حفظ الكتاب كله والتحصيل العلمي الا من رحم ربي .
وحمدنا الله تعالى كثيرا أن جعلنا من هذا الجيل الذي صادف
انطلاق المبادرات لإنشاء المدارس العربية الحرة في البلاد ، فشهدت الساحة السنغالية إقبال البنات عليها ، لكن التعليم كان مزدوجا ، وكان القرآن الكريم يدرس كمادة من بين المواد المدرسية ، إلى جانب مواد اللغة العربية ،
وظلت الأمور على هذه الوتيرة حتى بدأ نظام التعليم القرآني الداخلي ( internat) بثوبه العصري الجديد والمنظم الخالي من التسول والمسكنة ،والحياة القاسية ، لأن أولياء أمور التلاميذ صاروا يساهمون في توفير المعيشة والرعاية لأولادهم ، حرصا منهم على أن يحفظوا كتاب الله عز وجل بكيفية لائقة وفي ظروف مناسبة ومحترمة ،
فتم تسجيل البنات في هذه الدارات الداخلية إلى جانب البنين ، فكانا يتعلمان معا ويفترقان في المسكن ، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر : دار القرآن الكريم لأمنا الشيخة مريم ابراهيم انياس خادمة القرآن رحمها الله ، وكذلك مؤسسة دار الاستقامة ، و مدرسة نيل المرام التي أسسها الشيخ خادم نيانغ ، ومجمع دار الايمان لمؤسسه الدكتور محمد حبيب الله سي ، و” دار الأرقم ” في تيانابا التي أسسها الداعية الشيخ علي غي رحمه الله ، و معهد “أحمد الصغير لوح “في بون دكار ، وكذلك توجد مدارس القرآن في القرى والأرياف السنغالية.
أما الدارات القرآنية المتخصصة بتحفيظ القران الكريم للبنات فقط ، فلم نعرفها الا في تسعينات القرن الماضي ، بمبادرة الأخت الحاجة بنت تياو في داكار العاصمة بعدافتتاحها مدرسة ” ياي عائشة أم المؤمنين” ذات القسم الداخلي ، ثم تبعتها مبادرات أخرى من سيدات أخريات أبرزهن :
دار مام جار بوسو كرمسار / للسيدة مام حواء ديم
دار الحاجة بنتا تياو لمؤسستها السيدة زينب فال رحمة الله عليها.
دار “سميات مام جار بوسو “، للمرحوم الشيخ مصطفى بشير امباكي
دار المؤمنات لمؤسستها الأستاذة / سودة جوب
دار منن الباقي القديم في طوبى لمؤسستها الشيخة مسلمة امباكي
دار أحمد مبارك لوح للسيدة / بنتا لوح
دارالمجد التابعة لدار الإستقامة لمؤسستها السيدة الداعية عايشة مباي
دار حدائق الفضائل في طوبى لمؤسستها السيدة / فاامبي انيانغ
دار محمد الامين كان ، لمؤسستها الداعية السيدة آدم كان ، وغيرها مما لايتسع المجال لذكرها هنا ،
هذا بغض النظر عن مدارس قرآنية أخرى للبنين توجد في أكثرها أقسام للبنات ، وذلك لما لوحظ من الإقبال المتزايد من طرف أولياء الأمور على دور التحفيظ بعد أن أصبحوا واعين ومدركين أهمية الاعتناء بتربية البنات وفي نظرهم – وهذا هو الحق – أن أول مايجب عليهم هو تحفيظهن كتاب الله تعالى مع تربيتهن تربية إسلامية خالصة منذ نعومة أظفارهن لينشأن بعيدات عن الاخلاق الفاسدة وأزمة القيم التي تعيشها بلادنا في هذه السنوات ..و تبقى مطالبة الحكومة السنغالية بإنشاء دور لتحفيظ القرآن الكريم ورعايتها رعاية كاملة ، لأن ذلك مطلب شعبي ، فعليها القيام ببناء مراكز تتولى تكوين مدرسي القرآن وتوظيفهم بعد ذلك في هذه الدور ، فحقوق أبناء القرآن من المواطنين ليست بأقل من حقوق أبناء المدرسة الفرنسية
المصدر: رفي دكار