أمازون أوضحت أنها تجمع البيانات الشخصية لتحسين منتجاتها وخدماتها وتخصيصها للأفراد (رويترز)
درس الدكتور إبراهيم سميرة -وهو عربي أميركي من أصول فلسطينية- قضايا الخصوصية على الإنترنت بصفته مشرّعًا في ولاية فرجينيا الأميركية، وناقش كيفية تنظيم شركات التكنولوجيا للبيانات الشخصية، ومع ذلك، فقد صُدم عندما علم بالتفاصيل الكاملة للمعلومات التي جمعها موقع أمازون عنه.
فقد اكتشف الدكتور سميرة أن عملاق التجارة الإلكترونية استطاع الوصول إلى أكثر من ألف جهة اتصال من هاتفه الشخصي، بينها أفراد عائلة أصدقائه المقربين، إضافة إلى زملائه في العمل، وكل من له علاقة به من قريب أو بعيد.
كما اكتشف أن الشركة كان لديها سجلات عن أي جزء من القرآن الكريم قد استمع إليه، وذلك كما ذكر الدكتور سميرة في حسابه على تويتر وتناقلته الصحف والمواقع الإخبارية الأميركية.
وعلمت الشركة بكل بحث أجراه على نظامها الأساسي، بما في ذلك بحثه عن كتب حول "تنظيم المجتمع التقدمي" والاستفسارات الحساسة الأخرى المتعلقة بصحته الشخصية التي كان يعتقد أنها خاصة للغاية ولا يجوز لأحد سواه الاطلاع عليها.
بيع منتجات أم عمليات تجسس؟
يتساءل الدكتور سميرة باستنكار "هل يبيعون منتجات أم يتجسسون على الناس العاديين؟" وفي وقت لاحق طلب الدكتور إبراهيم سميرة من أمازون الكشف عن كافة البيانات التي جمعتها عنه كمستهلك.
وكان الدكتور إبراهيم سميرة -وهو عضو عن الحزب الديمقراطي في مجلس ولاية فرجينيا للمندوبين- من بين عدد قليل من المشرعين في الولاية الذين عارضوا مشروع قانون "خصوصية الولاية" الصديق للصناعة والذي صاغته شركة أمازون، وتم إقراره في وقت سابق من هذا العام في البلاد.
وحسب تقرير لمجلة نيوزويك، فإن شركة أمازون تجمع مجموعة واسعة من المعلومات عن عملائها في الولايات المتحدة، وبدأت في إتاحة هذه البيانات للجميع عند الطلب في وقت مبكر من العام الماضي، وذلك بعد أن أخفقت في محاربة مشروع قانون رفعته ضدها ولاية كاليفورنيا عام 2018 يجبرها على كشف هذه البيانات عند الطلب، حيث يمكن لعملاء أمازون في الولايات المتحدة وسنغافورة الحصول على بياناتهم عن طريق ملء نموذج على موقع أمازون.
الدكتور إبراهيم سميرة كان من بين عدد قليل من المشرعين الذين عارضوا مشروع قانون "خصوصية الولاية"(رويترز)
أليكسا.. رأس الحربة
تجمع أمازون البيانات عن المستهلكين من خلال مساعدها الصوتي "أليكسا" (Alexa)، وسوق التجارة الإلكترونية التابع لها، وقارئات كيندل الإلكترونية (Kindle e-reader)، والكتب الصوتية المسموعة، ومنصات الفيديو والموسيقى، وكاميرات الأمن المنزلي التي تبيعها، وأجهزة تتبع اللياقة البدنية.
كما تقوم الأجهزة التي تدعم "أليكسا" بتسجيل كل ما يحدث داخل المنازل، وتلتقط كاميرات "رينغ" (Ring) الأمنية كل زائر يدق على الباب.
ويمكن أن تكشف هذه المعلومات عن طول الشخص ووزنه وصحته؛ وجنسه وعرقه، وميوله السياسية، وعادته في القراءة والتسوق، ومكان تواجده في أي يوم معين، إضافة إلى الأشخاص الذين التقى بهم.
وكشف ملف لأحد مراسلي وكالة أنباء رويترز أن أمازون جمعت أكثر من 90 ألف تسجيل من أليكسا لأفراد أسرته الخاصة بين شهري ديسمبر/كانون الأول 2017 ويونيو/حزيران من هذا العام -بمتوسط 70 تسجيلا يوميًا- وتضمنت التسجيلات تفاصيل مثل أسماء أطفاله الصغار وأغانيهم وألعابهم المفضلة.
وتضمنت بعض التسجيلات محادثات بين أفراد الأسرة باستخدام أجهزة أليكسا للتواصل عبر أجزاء مختلفة من المنزل.
والتقطت عدة تسجيلات للأطفال وهم يعتذرون لوالديهم، والتقطت تسجيلات أخرى أطفالا آخرين تتراوح أعمارهم بين 7 و9 سنوات يسألون أليكسا أسئلة جنسية محرجة، ولم يدرك المراسل الصحفي أن أمازون كانت تخزن التسجيلات قبل أن تكشف الشركة عن البيانات التي تتبعتها على أفراد العائلة.
وقالت أمازون لوكالة رويترز حينها إن منتجاتها من أليكسا مصممة لتسجيل أقل قدر ممكن من المحادثات، ومع ذلك، فإن تسجيلات عائلة المراسل استحوذت في كثير من الأحيان على محادثات طويلة.
وأوضحت أمازون لرويترز أنها تجمع البيانات الشخصية لتحسين منتجاتها وخدماتها وتخصيصها للأفراد. وردا على سؤال حول تسجيلات الدكتور إبراهيم سميرة وهو يستمع إلى القرآن في خدمة الكتب الصوتية من أمازون، قالت الشركة إن مثل هذه البيانات تتيح للعملاء متابعة الاستماع من حيث توقفوا في الجلسة السابقة.
وقالت أمازون إن عملاءها يمكنهم ضبط إعداداتهم على المساعدين الصوتيين والخدمات الأخرى للحد من البيانات التي يتم جمعها.
كما يمكن لمستخدمي أليكسا، على سبيل المثال، منع الشركة من حفظ تسجيلاتهم أو حذفها تلقائيًا بشكل دوري، ويمكنهم فصل جهات الاتصال أو التقويمات الخاصة بهم عن أجهزتهم ذات السماعات الذكية إذا كانوا لا يريدون استخدام وظائف الاتصال من أليكسا.
أمازون تجمع البيانات عن المستهلكين من خلال مساعدها الصوتي "أليكسا" (رويترز)
كل حركة تقوم بها.. أمازون تراقبك
وعودة للدكتور إبراهيم سميرة الذي كان قد اشترى مكبر صوت ذكي يدعم أليكسا خلال موسم العطلات في العام الماضي.
وقال إنه استخدمه لمدة 3 أيام فقط قبل إعادته للشركة بعد أن أدرك أنه كان يجمع التسجيلات التي يقوم بها. وأضاف "لقد أذهلني الأمر حقًا". وذلك حسب ما ذكر موقع "تشارجد ريتيل" (chargedretail) مؤخرا.
وكان الجهاز قد جمع بالفعل جميع جهات اتصاله الهاتفية، وهي جزء من ميزة تتيح للمستخدمين إجراء مكالمات من خلال الجهاز.
وقالت أمازون إن مستخدمي أليكسا يجب أن يمنحوا الإذن للشركة للوصول إلى جهات اتصال الهاتف. ويجب على العملاء تعطيل الوصول إلى جهات اتصال الهاتف، وليس فقط حذف تطبيق أليكسا، من أجل حذف السجلات من حساب أمازون الخاص بهم.
وقال الدكتور إبراهيم سميرة إنه يشعر بالقلق أيضا لأن أمازون لديها سجلات مفصلة عن الكتب التي يقرؤها أو يستمع إليها باستخدام منتجاتهم الخاصة بذلك.
وأضاف أن العثور على معلومات حول استماعه للقرآن والتي تم الكشف عنها في ملف أمازون الخاص به جعله يفكر في تاريخ قيام الشرطة الأميركية ووكالات المخابرات بمراقبة المسلمين بحثًا عن صلات إرهابية مشتبه بها بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
ويتساءل سميرة "لماذا يحتاجون إلى معرفة ذلك؟" وتنتهي ولاية الدكتور إبراهيم سميرة في يناير/كانون الثاني المقبل، بعد أن خسر محاولة لإعادة انتخابه في وقت سابق من هذا العام.
شركة أمازون تجمع مجموعة واسعة من المعلومات عن عملائها في الولايات المتحدة، وبدأت في إتاحة هذه البيانات للجميع عند الطلب في وقت مبكر من العام الماضي (أسوشيتد برس)
تعاون مع وكالات المخابرات
في بعض الأحيان، تسعى وكالات المخابرات وجهات إنفاذ القانون للحصول على بيانات عن العملاء من شركات التكنولوجيا.
وكشفت أمازون عن امتثالها لأوامر التفتيش وأوامر المحكمة القانونية الأخرى التي تسعى للحصول على البيانات التي تحتفظ بها الشركة في حساب ما، بينما تعترض على "الطلبات الفضفاضة أو غير الملائمة بطريقة أخرى".
تُظهر بيانات أمازون للسنوات الثلاث المنتهية في يونيو/حزيران من العام الماضي، وهي أحدث بيانات متاحة، أن الشركة امتثلت جزئيا على الأقل لـ 75% من مذكرات الاستدعاء وأوامر التفتيش وأوامر المحكمة الأخرى التي تسعى للحصول على بيانات عن العملاء الأميركيين، كما استجابت الشركة تماما لـ 38% من تلك الطلبات.
وتوقفت أمازون عن الكشف عن عدد المرات التي تمتثل فيها لمثل هذه الطلبات العام الماضي. وردا على سؤال عن السبب، قالت الشركة إنها وسعت نطاق التقرير الأميركي لجعله عالميا، و"نسقت" المعلومات من كل دولة حول استفسارات تطبيق القانون.
وقالت إنها ملزمة بالامتثال "لأوامر سارية وملزمة"، لكن هدفها هو الإفراج عن "الحد الأدنى" من المعلومات التي يتطلبها القانون.
سياسة الخصوصية
سياسة خصوصية أمازون المكونة من 3500 كلمة ترتبط أيضا بأكثر من 20 صفحة أخرى تتعلق بالخصوصية وإعدادات المستخدم، وهي تمنح الشركة مجالا واسعا في جمع المعلومات عن العملاء.
يمكن أن تصبح هذه المعلومات شخصية تماما. وأظهر ملف بيانات المراسل الصحفي أن أجهزة قراءة الكتب الإلكترونية من أمازون، على سبيل المثال، تتعقب بدقة عادات القراءة لدى المستخدم.
وتضمن الكشف سجلات لأكثر من 3700 جلسة قراءة منذ عام 2017، بما في ذلك سجلات ذات طوابع زمنية -بالمللي ثانية- للكتب التي تمت قراءتها.
وتتعقب أمازون أيضا الكلمات المميزة أو التي تم البحث عنها، إضافة إلى الصفحات والعروض الترويجية التي يقرؤها المستخدم.
وقال الأستاذ المساعد فلوريان شاوب، الباحث في الخصوصية بجامعة ميتشيغان، إن الشركات لا تتمتع دائما بالشفافية بشأن ما تفعله ببيانات المستخدمين.
وأضاف ساخرا "علينا أن نعتمد على "أمانة" أمازون في كيفية التعامل مع بياناتنا، بدلا من أن نكون واثقين من أنه لا يمكن إساءة استخدام هذه البيانات".
ولكن هل بقيت هناك أمانة في هذا العالم الذي لا أسرار فيه؟
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية