حذائي" للمسؤول الكبير" عبد الله محمدن امون
ذكرني "زوكربرغ" اليوم بذكرى ما يزال في النفس منها شييء رغم أنها حدثت بمحض الصدفة ودون ترتيب مسبق
بداية القصة أن أحد المسؤولين السامين في البلد كان في زيارة عمل لدولة الإمارات فدعاني احد رجال الأعمال البارزين لحضور عشاء أقامه على شرف المسؤول الرفيع
في الطريق نحو الدعوة "قالت لي" توقف لحظة عند المجمع التجاري الذي امامنا سآخذ منه غرضا ولن اعطلك أكثر من دقيقتين، توقفت مكرها وأنا الذي لا أحب العطلة في الطريق، بعد دقائق عادت تحمل صندوقا ورقيا وقالت هذا حذاء جديد بدل حذائك الحالي، قلت وما به حذائي الحالي، إنه مريح ولم يعمر بعد، قالت انت ذاهب إلى مكان به علية القوم ويجب ان يكون حذاؤك لماعا. آه منكن كم تحتل الشكليات من مساحة اهتماماتكن، قلتها في نفسي ولم أبدها لها.
مدت إلي الحذاء الذي كان بالفعل جميلا، كنت قد تحركت فور دخولها السيارة وأثناء عملية استبدال الحذاء القديم بالجديد كنت قد إبتعدت عن المجمع التجاري مسافة لا رجعة منها،
لكن هناك مشكلة، الحذاء أصغر مني، يبدو أنك لم تنتبهي للرقم، إنه إثنان وأربعون وانا أنتعل ثلاتا واربعين، كانت تعلم أنني لن اعود نفس الوقت إلى المحل لذلك أرجعت الحذاء إلى الصندوق الورقي وقالت بتحسر سأستبدله لك لاحقا، كانت مسحة إحباط بادية على وجهها لآن لفتتها "الجميلة" لم تكلل بالنجاح المرجو.
بادرتها بالقول: لاعليك وشكرا على الحذاء الجميل، وغيرت الحديث -متعمدا- نحو برنامج الإجازة السنوية الذي كان كفيلا بجعلها تنسى موضوع الحذاء وصاحبه.
وصلنا، فدخلت وسلمت على الضيوف وفي مقدمتهم " المسؤول الكبير" تصافحنا بحرارة فقد كانت بيننا معرفة قديمة ترجع إلى أكثر من عقدين، بعد هنيهة قرر الجميع الذهاب إلى المسجد القريب لصلاة العشاء، طلب "المسؤول الكبير" استعارة حذاء مريح غير الحذاء المغلق (chaussures fermées) الذي كان ينتعل ولا يتناسب أبدا مع الثوب العربي"الدشداشة" التي كان يلبس.
بادر الجميع بعرض أحذيتهم لنيل شرف مشاركتها مع "المسؤول الكبير"
قلت بصوت مسموع: أيها الكرام، إنه لتوفيق من رب العالمين ان يهديني أحدهم قبل قليل حذاءا جديدا وتشاء الصدفة أن يكون أصغر مني وما أراه إلا على مقياس ضيفنا الكريم، دهش الجميع وحدقت الأعين في هذا المحظوظ الذي خطف منهم الفرصة الذهبية، وقبل أن يستعيدوا توازنهم كنت قد وضعت الحذاء الجميل المريح أمام قدمي "المسؤول الكبير"
في طريق العودة إلى البيت قصصت الواقعة على من أهدتني الحذاء قائلا لها إنها كانت أكثر هدية توفيقا منذ تعارفنا، وكيف لا وقد نلت بها حظوة ومكانة لدى "المسؤول الكبير" حسب ما اعتقدت.
بعد أشهر وكنت قد نسيت الأمر، اتصل على شخص عزيز - لا علم له بواقعة الحذاء الجميل المريح- يطلب مني التدخل لدى نفس "المسؤول الكبير" لقبول ملفه ضمن مجموعة من الأشخاص سيعملون في وظائف متواضعة بإحدى المؤسسات التابعة للمسؤول الكبير
قال لي الشخص العزيز إن كنت تعرف الرجل فالمسألة لا تكلفه أكثر من رفع الهاتف، قلت في نفسي وقد هممت بالضحك ومن يعرفه أكثر مني، لقد أهديته - في الوقت المناسب- حذاءا جميلا ومريحا، ومن علامة توفيق المرء أن يوافق معروفه الحاجة
كن مطمئنا عزيزى فلن يكون إلا ما تريد، قلتها له وأنا واثق ان "المسؤول الكبير" لن يخذلني في مسألة تعد تافهة بالنسبة له
أخذت الهاتف وارسلت إليه رسالة تتضمن السلام والسؤال عن الأحوال والمشاغل ولم أسأل عن الحذاء الجميل المريح، والحقيقة أنه رد على يسرعة مطمئنا على أحواله وأحوال البلد وسائلا عن أحوالى وأحوال الجالية
وفي رسالتي الثانية وبعد الرد عليه، طرحت أمر الشخص موضحا استيفاءه للشروط المطلوبة وان ملفه تم تقديمه بالفعل وينتظر موافقته الكريمة
رد المسؤول الكبير بعد دقائق قائلا إنه سيعمل على الموضوع ويتصل بي في أقرب فرصة،
لم يكن ذلك الرد الذي كنت أتوقع، لقد كنت أظن أن تلبية طلبي البسيط سيكون مصدر سعادة للمسؤول الكبير، على الأقل كنوع من الإعتراف بالجميل، الم أهده حذاءا جميلا ومريحا؟
وعلى كل حال شكرته قائلا إني انتظر رده الإيجابي، مضى شهر ولم يردني منه رد، فتحاملت على نفسي وأنا الذي لم أتعود سؤال غير الله، أرسلت له رسالة تتضمن استفهاما عن الموضوع، نوقعت منه الرد، مرت ساعة وساعتان وأيام ثم سنة ولم يصل الرد، حتى الساعة لم يصل منه أي رد.
كلما تذكرت هذا الموقف شعرت ببرودة تجتاح جسمي، برودة كتلك التي تشعر بها عندما تضع قدميك حافيتين على البلاط في عز الشتاء ثم أسأل نفسي: الم أجنب "المسؤول الكبير" ذلك الشعور حينما اهديته حذاءا جميلا ومريحا؟