كانت تجارة الرقيق المحلية -بحسب المؤرخ الأميركي جوشوا روثمان- عملا وحشيا وعنيفا حيث عاش العبيد في خوف دائم من بيعهم أو بيع ذويهم وأقربائهم.
قال المؤرخ الأميركي "جوشوا روثمان" (Joshua Rothman) إن دراسته لأكثر من 30 أرشيفا عن تجارة العبيد في الولايات المتحدة كشفت كمّا هائلا من المواد التي توثق فساد الرجال الذين أداروا أكبر عملية تجارة رقيق محلية في التاريخ الأميركي، كما تكشف شجاعة وإصرار العبيد الذين تم الاتجار بهم ومعاملتهم كبضائع لا كبشر.
وأكد أستاذ التاريخ بجامعة "ألاباما" (Alabama) الذي ألف مؤخرا كتابا عن الموضوع تحت عنوان "السجل والقيد" (The Ledger and the Chain) -في مقال له بموقع "ذا كونفرسيشن" (The Conversation)- أن بحثه الذي غاص من خلاله في أرشيف عشرات الولايات الأميركية من لويزيانا إلى كونيتيكت مكنه أيضا من إدراك أن العديد من الأميركيين لا يدركون أصلا أن تجارة رقيق محلية وجدت وتطورت في بلادهم.
أفريقيا وأميركا
وذكر المؤرخ الأميركي أن إثارته لموضوع البحث غالبا ما يثير لدى الآخرين أسئلة عن أفريقيا وليس عن أميركا، وهو ما يعني أنهم يفترضون ممن يبحث في تاريخ تجارة الرقيق أن يدرس التعاملات التي جلبت ملايين الأفارقة إلى الشق الغربي من الكرة الأرضية عبر معبر المحيط الأطلسي المرعب والمعروف باسم "الممر الأوسط" (The Middle Passage).
ولم يدرك الكثير منهم -يضيف روثمان- أنه بحلول الوقت الذي انتهت فيه العبودية في الولايات المتحدة عام 1865، تم نقل أكثر من مليون عبد قسريا عبر الحدود الفاصلة بين مختلف الولايات الأميركية، وأن مئات الآلاف منهم تم شراؤهم وبيعهم داخل ولايات بعينها.
ويواصل الأميركيون حتى يومنا هذا إساءة فهم كيفية عمل تجارة العبيد ومدى نطاق انتشارها في بلدهم، بالرغم من أن تاريخ العرق والعبودية أصبح محط اهتمام متزايد في النقاش المجتمعي الدائر حاليا.
عمل وحشي
ويؤكد روثمان أن تجارة الرقيق المحلية بين الولايات الأميركية تسارعت بشكل كبير في العقود التي تلت عام 1808، حيث حظر الكونغرس في تلك السنة استيراد العبيد من الخارج في وقت كان فيه الطلب على العمال مزدهرا من أجل توسيع مناطق زراعة القطن والسكر في الجنوب.
وقد استغلت أعداد متزايدة من تجار الرقيق المحترفين هذه الظرفية لتلبية الطلب المتزايد فقاموا بشراء العبيد في المقام الأول في ولايات الجنوب العليا مثل ميريلاند وفرجينيا، حيث ترك اقتصاد التبغ المتدهور العديد من مالكي العبيد مع فائض من العمال. ثم أجبر التجار هؤلاء العبيد لاحقا على الهجرة مئات الأميال برا وبحرا وبيعهم في ولايات مثل ألاباما وميسيسيبي ولويزيانا وغيرها أملا في جني الأرباح.
العبيد في المزارع الأميركية (مواقع التواصل)
وقد كانت تجارة الرقيق المحلية -بحسب المؤرخ- عملا وحشيا وعنيفا حيث عاش العبيد في خوف دائم من بيعهم أو بيع ذويهم وأقربائهم.
ويتذكر ويليام أندرسون -الذي تم استعباده في فرجينيا- ذكريات "مئات العبيد الذين يمرون صوب السوق الجنوبية مكبلين ومقيدين معا بالأصفاد".
وبعد سنوات من فراره من الجنوب، كتب أندرسون كيف تم "انتزاع زوجات من أزواجهن وأزواج من زوجاتهم إلى الأبد، وكيف فصل أطفال صغار وفي مقتبل العمر عن والديهم".
ويتذكر أندرسون بحزن وأسى أصوات وصرخات أولئك الضحايا، قائلا "لقد رأيتهم وسمعتهم يصرخون ويعوون من الألم كما تعوي الذئاب، وهم يدركون تمام الإدراك أن تلك اللحظة هي لحظة الفراق بلا أمل لقاء".
بيع البشر
وقد قابل تجار الرقيق هذه المعاناة التي يتسببون بها بلا اكتراث أو مبالاة تذكر، حيث اعترف أحدهم حينما سُئل في ثلاثينيات القرن الـ19 عما إذا كانت تعاملاته قد تسببت في تشتيت شمل عائلات من العبيد بالقول "كثيرا جدا.. لأن عملي هو البيع والشراء ويجب أن آخذ ما هو متوفر في السوق".
وفي البداية، عمل تجار الرقيق المحليون في الغالب من خلال الحانات والفنادق، لكن مع مرور الوقت قام عدد متزايد منهم بإنشاء مكاتب وصالات عرض وسجون، حيث احتجزوا العبيد قبل عرضهم للبيع في الأسواق.
كما تم تداول الأموال التي ولّدتها التجارة والائتمان في جميع أنحاء البلاد وعبر المحيط الأطلسي، حيث أثارت شهية البنوك والتجار الأوروبيين الذين كانوا يتطلعون بدورهم للمشاركة في المكاسب.
وقد استمر هذا النشاط المحلي بالرغم من ازدياد الحراك المناهض للعبودية داخل الولايات المتحدة ولم ينته سوى بانتهاء العبودية عام 1865.
المصدر : ذا كونفرسيشن
________
اقرأ أيضا
أكبر هجرة قسرية في التاريخ.. أرشيف رقمي لرحلات العبيد
عرب أفريقيا الناجون من زنجبار.. رحلة العودة إلى الوطن العُماني
العبودية المعاصرة تهدد البشر.. لا تعد جريمة في نصف دول العالم حتى الآن
قصص قديمة لم تروَ قط.. أول أدب رحلات عربي يصف العالم الجديد في القرن 17