القاهرة – "فقدت الجمهورية المصرية العربية المتحدة، وفقدت الأمة العربية، وفقدت الإنسانية كلها، رجلا من أغلى الرجال وأشجع الرجال وأخلص الرجال، هو الرئيس جمال عبد الناصر، الذي جاد بأنفاسه الأخيرة، في الساعة السادسة والربع من مساء يوم 27 رجب 1390 هجرية الموافق 28 سبتمبر 1970ميلادية، بينما هو واقف في ساحة النضال، يكافح من أجل وحدة الأمة العربية ومن أجل يوم انتصارها".
بهذه الكلمات نعاه خلَفه الرئيس (الراحل) أنور السادات في بيان تلفزيوني مفاجئ، موضحا أنه توفي بنوبة قلبية بعد عودته إلى بيته إثر انتهاء اجتماعات مؤتمر القمة العربي.
لكن المثير أن يكون السادات نفسه ضمن دائرة الشائعات حول "اغتيال عبد الناصر" وليس وفاته الطبيعية كما يؤكد طبيبه الخاص.
وتعددت الروايات حول موت "ناصر" بين الوفاة الطبيعية، وهي الرواية الرسمية، وبين الاغتيال المدبر من أطراف عدة، وفق ادعاءات متعددة لم تقدم دليلا على صحتها.
فنجان قهوة من السادات
في برنامجه التلفزيوني "مع هيكل" على قناة الجزيرة، قال الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل (المقرب من ناصر) إنه لا يستطيع أن يقطع برأي في اغتيال عبد الناصر دون أدلة واضحة، وذكر أن الشكوك طالت السادات، حيث كان هيكل كان شاهدا على مشهد المناقشة بين عبد الناصر وياسر عرفات "وكان عبد الناصر منفعلا جدا، وقام السادات بإعداد فنجان قهوة بنفسه للرئيس".
ورفض هيكل اتهام السادات بتسميم الرئيس مباشرة، مؤكدا ضرورة وجود أدلة متعددة على ذلك، وذكر أن تقديم فنجان القهوة من السادات للرئيس كان المرة الوحيدة التي تناول فيها عبد الناصر شيئا خارج نظام الأمن المتبع في بيته.
وأثارت شهادة هيكل جدلا كبيرا، حيث رأى البعض أنها حملت نوعا من التلميح لاتهام السادات رغم قوله إنه يستبعد هذه الرواية، ورأي هؤلاء أن الخلاف الشهير بين هيكل والسادات يجعل شهادته مجروحة، ولا يمكن أخذها على محمل الجد.
وفاة مدبرة
لكن عبد الحكيم نجل عبد الناصر، كان ممن ذهبوا إلى أن وفاة الرئيس كانت مدبرة إلى حد كبير، وفق ما ذكر في حديث مع جريدة الأهرام.
واستند الابن إلى مذكرات وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر الذي كتب "أثناء مفاوضات روجرز لوقف إطلاق النار، كان يطمئن إسحق رابين، ويقول له إنه خلال 90 يوما، سيحدث حدث جلل، سيغير خريطة العالم" وأضاف عبد الحكيم "وفعلا كان نهاية الـ 90 يوما ذكرى الأربعين لجمال عبد الناصر".
بدا مريضا
بدورها، تقول ابنته هدى عبد الناصر إنها تناولت الغداء في منزل الرئيس، والذي كان يبدو مريضا بعد عودته من توديع الزعماء العرب، ورفض الجلوس مع أسرته على مائدة الغداء، وقال إنه سيذهب للراحة.
وتضيف – في حوار تليفزيوني – أن خبر وفاة عبد الناصر لم يتم تأجيله، وأعلنه السادات بعدها مباشرة.
اختراق
وفي تحقيق أجراه الإعلامي عمرو الليثي خلال برنامجه الذي حمل عنوان "اختراق" قال حمدي السيد أحد الأطباء المعالجين لعبد الناصر إن الرئيس الراحل مات بسبب الجلطة في الشريان التاجي التي أصابته للمرة الثانية خلال عام، نتيجة السكر والتدخين والتوتر الدائم في حياته.
وأوضح السيد أن من الطبيعي لرجل يمر بظروف عبد الناصر وطريقة حياته وتفريطه في عدم الالتزام بأسلوب حياة صحي، أن يموت بهذه النهاية المحتومة.
في المقابل، وخلال التحقيق ذاته، أكدت منى عبد الناصر أن والدها لم يصب أبدا بغيبوبة السكر، وأنه كان منظما جدا في حياته وفي طعامه.
وفاة طبيعية
في السياق ذاته، يؤكد الصاوي حبيب الطبيب الخاص لعبد الناصر منذ يوليو/تموز 1967- أن الرئيس كان مصابا بالسكر والتصلب في الشرايين، وأكد أنه كان ينفذ رأي الهيئة الطبية المشرفة على صحة الرئيس، ويعرف كافة الأدوية التي يتلقاها عبد الناصر والتحاليل التي تجرى له والأطباء الذين أجروا الكشف عليه.
وخلال تصريحات متلفزة، أوضح الصاوي أنه يوم وفاة عبد الناصر بدا عليه التعب وهو في المطار، وطلب الرئيس حضوره كطبيب، وعندما وصل الطبيب قابل زوجة الرئيس التي أخبرته أنه تناول كوبا من العصير.
ويقول الطبيب الخاص إنه وجد عبد الناصر نائما في الفراش ونبضه سريع جدا وعليه مظاهر عرق، وكانت أطرافه باردة وهي علامة سيئة للغاية، وتشير لحالة جلطة بالشريان التاجي، وتم إعطاؤه بعض الأدوية حتى تحسنت حالته، وطلب سماع نشرة الأخبار عبر المذياع، وعندما انتهت نشرة الأخبار طلب منه الطبيب أن يستريح، فقال له "أنا استرحت" وتوفي ولم يستجب للإسعافات الأولية.
ونفى الطبيب أن يكون تناوله فنجانا للقهوة قبل 3 أيام سببا في وفاته، وأنه لا يعرف سما طويل المفعول ولا يترك آثارا، مؤكدا أن وفاة الرئيس كانت طبيعية رغم أنها كانت مبكرة ومفاجئة، حيث توفي في سن 52 عاما، مشيرا إلى أنه من الطبيعي أن تثار الشكوك لأن البلد في حالة حرب ولم يكن أحد يعرف شيئا عن حالته الصحية، لأن أعداءه كثيرون.
شائعات وأقاويل متضاربة
في الإطار ذاته، استعرضت جريدة الأهرام كتاب "أسرار موت عبد الناصر" للكاتب محمد هلال، والذي تناول أقاويل وشائعات مختلفة عن ظروف وفاة عبد الناصر، منها سحر حاخامات إسرائيل واحتفالهم بوفاة الرئيس المصري، أو نجاح جهاز المخابرات الإسرائيلي في اختراق الدوائر الأمنية المكلفة بحراسة عبد الناصر وإصابته بفيروس قاتل حمله رأس دبوس صغير، وذلك في عملية أسماها الموساد "القتل اللذيذ" وفقا للكتاب.
كما قدم الكتاب تاريخ الحالة الصحية لناصر، منذ اكتشاف إصابته بالسكري في سن مبكرة عام 1958، وإصابته بالشريان التاجي، ومداهمة شريان قلبه بأول جلطة، وتفاصيل علاجه في روسيا "وما قيل فيها من اتهامات وتآمر ضده، والمياه المعدنية المسممة التي كان يعالج بها".
وفي كتابه "اللحظات الأخيرة في حياة جمال عبد الناصر" للإعلامي الليثي، يستعرض الغموض المحيط بالوفاة، والأقوال المختلفة المترددة عن ظروفها، مثل رفض أحد الأطباء التوقيع على شهادة الوفاة، ومحاولات اغتيال لناصر من حاخامات إسرائيل، أو ضلوع أشرف مروان زوج ابنته في اغتياله، أو وفاته مسموما إثر تناوله تفاحا مسموما، أو تورط الدكتور علي العطفي أخصائي العلاج الطبيعي الذي كان يدلك قدم الرئيس باستخدام زيت تدليك يحتوي على مواد سامة.
واستعرض الكاتب هذه الشائعات المختلفة، لينتهي إلى أن كل الآراء جاءت نهاية الأمر مرجحة وفاة الرئيس بشكل طبيعي، كما نشرت جريدة "المصري اليوم" نقلا عن الكتاب.