نشرت صحيفة بوليتيكو (Politico) مقالا لمحلل سياسي أميركي زعم فيه أن الولايات المتحدة لن تعاني طويلا من آثار احتلالها لأفغانستان الذي دام ردحا من الزمن.
ويرى كيفن بيكر -وهو محلل سياسي وروائي وصحفي- أن فهم الحقيقة التاريخية عن أفغانستان ضرورية لاستيعاب الأسباب التي ستجنب الولايات المتحدة على الأرجح تأثيرات خطيرة بعيدة المدى من "احتلالها الطويل وغير المفيد لأفغانستان، أو من انسحابها الدموي بطريقة خرقاء".
ويعتقد الكاتب -الذي يحاول رسم صورة مغايرة لما سيسفر عنه المشهد الأفغاني من تداعياته على أميركا وحلفائها- أن استيعاب تلك الأسباب أمر مهم أيضا في الإقرار بأن قوى "أقل ضآلة" مثل أفغانستان قد تعاني هي الأخرى من أضرار "مستديمة" أكثر من الغزاة الأكبر حجما والأشد قوة.
لا مناص منه
ويصف الكاتب -وهو مؤلف "أميركا العبقرية: كيف تسنى لدولة من الحالمين والمهاجرين والمصلحين تغيير العالم" (America the Ingenious: How a Nation of Dreamers, Immigrants, and Tinkerers Changed the World) انسحاب بلاده من أفغانستان بالمتعجل لكنه كان أمرا لا مناص منه.
فالعبارة المأثورة "أفغانستان مقبرة الإمبراطوريات" عادت مرة أخرى لتتصدر عناوين عشرات الصحف والرسوم الكاريكاتيرية السياسية والكتابات الفكرية، وتخرج من أفواه المعلقين في القنوات التلفزيونية.
وهناك اعتقاد بأن أفغانستان أضعفت بشكل جسيم -إن لم تكن قد دمرت- كل من تجرأ على عبور حدودها منذ عهد الإسكندر الأكبر إلى أميركا القرن 21، حسب تعبير الكاتب.
أفغانستان ضحية طموحاتها
ويزعم الكاتب في مقاله أن أفغانستان ظلت طيلة وجودها أشبه ما تكون بضحية طموحاتها. والمؤكد أن الشعوب التي تعيش في ما يعرف اليوم بأفغانستان قاومت بكل ما أوتيت من قوة الغزاة الواحد تلو الآخر الذين دخلوا فاتحين لمنطقة هندوكوش.
فالإسكندر الأكبر واجه معارضة "شرسة" من السكان المحليين عندما غزا المنطقة حوالي عام 300 ق.م، وأُصيب بجرح بليغ في ساقه من سهم. لكنه تمكن نهاية الأمر من سحق المقاومة وأسس قندهار التي أصبحت اليوم مدينة حديثة، ثم انطلق بعدها نحو الهند تاركا وراءه الإمبراطورية السلوقية التي استمرت 250 عاما.
ولم يقتصر الأمر على الإسكندر وحده، فقد غزا أفغانستان أيضا مؤسس الإمبراطورية المغولية جنكيز خان ثم تبعه مواطنه تيمورلنك، وحفيده ظهير الدين محمد بابُر مؤسس الدولة المغولية بالهند. وكذلك غزاها كل من الأتراك، قبائل الهون، الهندوس، المسلمون العرب، الفرس، البارثيون وهم من الشعوب الإيرانية القديمة، وكثيرون غيرهم.
من أين جاءت العبارة؟
على أن الفكرة الشائعة، بأن أفغانستان "أشبه برمال جيوسياسية متحركة" بالنسبة للإمبراطوريات القديمة، انطلقت على ما يبدو مع الحرب الأنجلو أفغانية التي وضعت أوزارها عام 1842.
ففي ذلك الحين، تعرض جيش قوامه 4700 جندي بريطاني وهندي -أثناء تقهقره من كابل- إلى مذبحة بالقرب من قرية غاندماك وقد قُتلوا عن بكرة أبيهم تقريبا، إلى جانب 12 ألف مدني كانوا برفقتهم. وقد أحدثت تلك المذبحة "الكارثة" في حينها فضيحة في لندن.
لكن ما لا يُستحضر كثيرا من الأحداث التي وقعت في غاندماك أن بريطانيا أرسلت جيشا في حملة عسكرية "انتقامية" إلى أفغانستان بعد أشهر قليلة من تلك المذبحة، وقد تمكن من سحق كل قوة أفغانية واجهته. وعاث الجنود البريطانيون في العديد من المدن والقرى التي مروا عليها في طريقهم نهبا وتخريبا.
وعادت بريطانيا بعد ذلك لتسحق أفغانستان وتدمرها في الحرب الأنجلو أفغانية الثانية التي انتهت في 1880.
المغامرة السوفياتية
ويمضي المقال في سرد جزء من التاريخ الأفغاني، ليتطرق لما سماها المغامرة السوفياتية في أفغانستان التي يصفها بأنها الأكثر تدميرا. وتكبد الاتحاد السوفياتي إبان احتلاله لتلك الدولة 14 ألفا و453 قتيلا خلال الفترة من 1979 حتى 1988، وبدد أثناءها ثروة من العتاد والأموال.
ووفقا للكاتب، فإن قيمة أفغانستان الاستراتيجية -كشأن العديد من المناطق الواقعة بين الدول الأقوى- غالبا ما جري تضخيمها من قبل "عباقرة غرف الخرائط" في كافة أنحاء المعمورة.
والحقيقة أن أهمية أفغانستان ظلت محدودة للغاية منذ أن بدأت مسارات طريق التوابل تتفتت في القرن 15. ومع انتقال العالم إلى استخدام السفن الشراعية والسفر بالجو واللجوء إلى أولويات اقتصادية أخرى وأساليب الحصول عليها، أصبحت السيطرة على أفغانستان أقل أهمية.
قرار جريء
نهاية المطاف، وجدت جميع الإمبراطوريات التي غزت أفغانستان سببا وجيهاً للخروج منها، أو الحد من خسائرها وتوقعاتها مثلما فعل الرئيس الأميركي جو بايدن "الذي اتخذ قرارا جريئا، وإن شابته الفوضى عند تنفيذه".
وعلى عكس كل القوى العظمى تقريبا التي وطئت أقدامها أفغانستان عبر آلاف السنين، كان للولايات المتحدة سبب مقنع للذهاب إلى تلك الدولة "لكن لم يكن لدينا سبب وجيه للبقاء هناك".
المصدر : بوليتيكو
اقرأ أيضا
كاتب بريطاني: الحرب ضد تنظيم الدولة بأفغانستان ربما تجعل طالبان وأميركا حلفاء
إعلامية أفغانية للجزيرة مباشر: المستقبل كفيل بالحكم على نوايا طالبان بشأن الإعلام