في مثل هذا اليوم من السنة قبل الماضية تسلم فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني مقاليد الأمور، بعد فوزه في الشوط الأول من انتخابات رئاسية، تفرج المواطن فيها على أكثر من برنامج انتخابي طموح، وشارك فيها كل المشهد السياسي منافسا أو داعما.
وقد تمكن في ظرف وجيز من:
- القضاء على الاحتقان السياسي الذي كان قائما بين الأغلبية والمعارضة، فشعرت هذه الأخيرة بالاطمئنان؛ وزاد ذلك من الاستقرار والسكينة والأمن، وهي الأجواء التي يمكن أن تظهر فيها التنمية.
- تحسين الظروف الأمنية وتحديثها ضمانا لأمن المواطن، وتحقيق شرط التنمية الرئيس.
- التصدي بحزم وحكمة للجائحة التي ضربت دول العالم، فكانت بلادنا ولله الحمد من أقل البلدان تأثرا بمضاعفاتها الصحية والاجتماعية والاقتصادية.
- النأي بالسلطة التنفيذية عن الدخول في جدل فساد العشرية الذي لاحظه البرلمان، ضمانا لتحقيق مبدأ الفصل بين السلطات، وليأخذ هذا الملف طريقه إلى العدالة بعيدا عن أي تأثيرات أخرى.
- التمكن من تفيذ أغلب المشاريع التي تضمنها برنامجه الانتخابي (تعهداتي) بالرغم من ظروف الجائحة وتداعياتها وطنيا وإقليميا ودوليا.
- الحضور الفاعل في حل المشاكل الإقليمية على مستوى دول الساحل، والمغرب العربي، والاتحاد الإفريقي، وجامعة الدول العربية، والحرص على أن يكون الموقف الموريتاني نابعا من المصلحة الوطنية، ومن تطلعات الناخب الموريتاني.
مع كل هذا فنحن بحاجة إلى المزيد؛ فالشعوب معروفة بكفران العشير، ما إن يتحقق لها هدف إلا انفتحت لها حاجات ومطالب؛ لذلك نريد:
- تعليما جمهوريا حقيقيا: فلم نستطع بعد أن نكون دولة واحدة متماسكة، ولا أن نكون جيلا متحابا متجانس التكوين، متفاهم الألسن؛ نظرا لسياساتنا التعليمية منذ الاستقلال إلى اليوم.
سيقال لكم إن التعليم في طريقه إلى الإصلاح، وإن التراجع عن ليبراليته مغضب للمولين، وإن الرفع من المستويات سيتحقق بالإجراءات المتبعة... وإن الدولة لا يمكنها أن تتحمل عبء المدارس الخصوصية، وإن من شأن أي إجراء في هذا الخصوص أن يثير المجتمع والرأي العام وقد يعجل من ظهور العلامات الكبرى وقيام الساعة!
لكن لا قوام لموريتانيا دولة قوية ديمقراطية إلا بتعليم موحد، تشرف عليه الدولة، وتنفق عليه بسخاء، وتراقبه وتحاسبه وتحسنه كل لحظة.
- منظومة صحية وطنية نموذجية قادرة على المنافسة في منطقة من العالم تحتاجها: إن قطاع الصحة كقطاع التعليم يعيش وضعا صعبا، ولا يمكنه أن يستمر في ظل تنازع قطاع خصوصي يشغل نفس عمالة القطاع العام، ويتحايل على أديويته، وأجهزته، ويخلق وهما زائفا بأنه موجود.
- مجتمعا موحدا: ضعف الدولة في العقود الماضية أدى إلى تفشي ظاهرة الكزرة، والحاجة إلى الأصوات في الانتخابات تطلب تساهلا مع رؤساء القبائل والمشائخ، فتكونت قرى وأحياء وتجمعات على أسس قبلية أو فئوية أو عرقية، ثم منحتها وسائل التواصل تكوين إعلام خاص بها... وقد رجع هذا بالمجتمع إلى الوراء؛ لذلك ينبغي وضع مخططات عمرانية وسياسة اجتماعية تحارب هذا السلوك، وتعمل على فرض عمران يحقق الولاء للدولة، ويقضي على الولاءات الضيقة المنافسة التي يحاول البعض البناء عليها لتفريق المجتمع.
- سياسة اقتصادية تحقق السيادة وتنهض بالتنمية: فمنذ عقود من الزمن ونحن رهائن لسياسة المؤسسات الدولية المانحة وبعض منح دول النفوذ في بعض القطاعات، وتفرض علينا بطالة غير مبررة، وشروط لا تنسجم مع بنياتنا الاقتصادية؛ بموجبها تنازلت الدولة عن ممتلكات الشعب عن بنوكه، وشركاته في النقل، والتأمين، والصيدلة وغيرها ليكون لها قطاع خاص. ومع كل نظام نقوم بخلق رجال أعمال جدد بطرق لا يستطيع إدراكها إلا من أعطاهم الله حاسة كشف الأسرار. وأصبح المال دولة بين الأغنياء وكبار المسؤولين: هذا يرشي وينافق ليجد الصفقات، ثم يزيد لينفذ تلك الصفقات خارج المواصفات، وذلك يجتهد في الإمساك بالمستندات التبريرية، واتباع الإجراءات التوثيقية المقبولة عند التفتيش؛ لذلك فحين يتأمل الحاذق مصدر الفساد الحقيقي لا يستطيع أن يبرئ رجال أعمالنا المحظوظين؛ لأنهم الأكثر استفادة من صفقات الفساد.
علينا أن نبني اقتصادا ذاتيا تقشفيا، وأن نخلق روح المبادرة في كل المجالات، وأن نقضي على البطالة، ونحسن من الأجور، وأن نجعل للتأمين معنى.
سيدي الرئيس هنيئا لكم في هذا اليوم وقد وجدت أنكم مؤهلون بفعل مستواكم العلمي والأخلاقي وحكمتكم للتصدي لكل هموم هذا الوطن ومشاكله، ولو كانت خارج برنامجكم الانتخابي... فقد علمتنا التجربة أن على الأستاذ الجامعي المسؤول أن يقف مع طلابه في مستويات التعليم الأساسي والثانوي حتى يتأهلوا لفهم برنامجه الجامعي.
وفقكم الله ورعاكم وجعل من مأموريتكم هذه تأسيسا حقيقيا لدولة عصرية قادرة على التقدم والاستمرار والمنافسة.