كان خطاب ملك المغرب محمد السادس بمناسبة عيد العرش مختلفا في هذه السنة عن ما قبله، في الوقت الذي يتحدث الجميع عن أسوأ مرحلة من مراحل تردي العلاقات المغربية الجزائرية، فاجأ الملك مستمعيه بتخصيصه الجزء الأوفر من خطابه لتقديم رسالة محبة وسلام وأخوة لجاره الشرقي.
وصف محمد السادس الجزائر بالبلد التوأم للمغرب، واعتبر أن مصالحهما العضوية مرتبطة ومتداخلة، وذكر بالتاريخ المشترك المشرف بين البلدين وبصفة خاصة خلال مرحلة النضال الوطني ضد الاستعمار.
كان الملك صريحا في قوله بأن الاستمرار في إغلاق الحدود بين الدولتين لا مبرر له، ولا أحد مسؤول عنه من القيادات الحالية وقد زالت أسبابه الأصلية، كما كان شديد الوضوح في طمأنة جيرانه بأن المغرب لا يريد لهم إلا الخير ولن يتسبب في أي إجراء سلبي ضد أمن ومصالح واستقرار الجزائر.
لا أدري كيف ستكون الاستجابة الجزائرية الرسمية، لكني أعرف أن في الجزائر مدرستان في مركز القرار، يمكن أن نطلق على إحداهما مدرسة التكامل المغاربي التي تحمل رصيد وإرث الحركة الوطنية في شمال إفريقيا التي وحدتها تجربة الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي، ويمكن أن نطلق على المدرسة الثانية «مدرسة ايسلي» التي ترمز للمعركة الشهيرة التي هزم فيها الجيش المغربي الداعم للمقاومة الجزائرية عام 1844 أمام قوات الاحتلال الفرنسية التي بسطت سيطرتها على عدة مناطق وأقاليم تابعة للسيادة المغربية.
كان الكاتب والإعلامي الراحل المرحوم محمد العربي المساري يقول إن عصاب العداء للمغرب لدى بعض الأوساط الجزائرية هو استمرار للتركة الفرنسية، إذ قام مشروع الاستعمار الاستيطاني الفرنسي في الجزائر على حصار المغرب من حدوده الشرقية وتقييد مجاله الحيوي الجنوبي.
في مقابل هذه المقاربة المناوئة للمصالح المغربية، كان خطاب الحركة الوطنية الجزائرية دوما متناغما بقوة مع ديناميكية بناء المغرب العربي الموحد والانطلاق من مركز وقلب هذا الإقليم الذي هو التوأم المغربي الجزائري.
كان الجيل القيادي في جبهة التحرير الجزائرية من أمثال الرئيس محمد بوضياف وحسين آيت أحمد وعبد الحميد المهري.. من دعاة هذا التوجه، بل إن الرئيس الراحل أحمد بن بلة عبر عن ندمه الواسع بعد خروجه من السلطة على أنه لم يسلك هذا الخط وتورط في نزاع مسلح لا معنى له مع المغرب.
لقد باعدت الخيارات السياسية والاستراتيجية بين البلدين في الستينيات والسبعينيات، ولم تعد أسباب هذا التقاعد قائمة اليوم، ولا بد أن تزول آثارها الباقية بما فيها سياسة دعم المعارضات والحركات الانشقاقية.
أمام الجزائر والمغرب اليوم فرصة غير مسبوقة لطي صفحة الماضي والانتقال إلى استراتيجية التكامل والتضامن وصولا لتحقيق مطلب الاندماج المغاربي الذي هو الأفق الأصلي للشرعية الوطنية في البلدين والخيار المستقبلي الذي لا محيد عنه.
لقد مد الملك محمد السادس يد المغرب للمصالحة والتضامن والتكامل، وأرسل رسالة محبة صادقة لأشقائه الجزائريين.. وشعوب المغرب العربي تنتظر التجاوب الإيجابي مع هذه المبادرة الشجاعة التي هي هجوم سلام كاسح.