عالمة الفيزياء النووية كوثر حفيظي: كاذبة إذا قلت لكم إن لدي رغبة في الاشتغال بالمغرب
الأيام 24 نشر في 19 يونيو 2021 الساعة 13 و 28 دقيقة
في التقرير الذي قدمه، قبل أيام قليلة، السيد شكيب بنموسى أمام الملك، والمتعلق بالنموذج التنموي الجديد الذي يعتبر خارطة طريق الحكومات المقبلة لرسم معالم المستقبل، طفت الكثير من الأسئلة على السطح: هل يمكن أن ننجح في تنزيل هذا المخطط الجديد بنفس النخب والكفاءات التي دبرت المرحلة السابقة؟ أم أننا في حاجة إلى عقليات جديدة لتحقيق نتائج مختلفة بعيدا عن عثرات الماضي وكبواته؟
في هذا الصدد، نستحضر ما نشرناه في أسبوعية “الأيام” لوكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA)، من تقرير تستشرف فيه معالم عالم 2035، ويمكن أن نقرأ في أحد أقوى فقراته ما يلي: “…الأزمات سوف تكون مسبوقة بمرحلة نمو وازدهار، وسوف يكون هناك أمل في إنقاذ ما يمكن إنقاذه في مختلف المناطق. وبعد انهيار سوق الشغل، ستمثل الاختراعات التكنولوجية ورقة رابحة لإعادة إنعاش الاقتصاد العالمي. وسنشهد ولادة عالم جديد، يتحد فيه الإنسان مع الآلة. وفي المقابل، لن تنجح كل الدول في تخطي هذه المرحلة، وحدها الدول التي راهنت على التطور التكنولوجي وحافظت على بقاء أدمغتها داخل أراضيها، ستنجح في ذلك”.
مربط الفرس في ما استنبطناه من التقرير الاستشرافي لـ CIA، هو المتعلق بأن “الدول التي راهنت على التطور التكنولوجي وحافظت على بقاء أدمغتها داخل أراضيها هي التي ستنجح”.
ولذلك قررنا أن نستمع لعدد من الأدمغة المغربية التي هاجرت إلى الخارج حيث تصنع التألق في كبريات الجامعات والمختبرات العالمية، وهم يتحدثون لـ”الأيام” عن شروط الرجوع إلى وطنهم، حيث أن القاسم المشترك بينهم جميعا هو رغبتهم الأكيدة في العودة إلى الوطن، لكن في أي بيئة؟ وبأية أهداف؟ وبأي طموح؟ وفي أي سياق؟
كوثر حفيظي.. العالمة المغربية التي تترأس أكبر مختبر فيزياء نووية في أمريكا: كاذبة إذا قلت لك إن لدي رغبة في الاشتغال في المغرب كما هو الآن
هي أكثر العالمات المغربيات اللواتي كان لهن مسار مثير سواء على المستوى الدراسي أو المهني، حيث قادها طموحها الجارف من الرباط حيث كبرت وترعرعت، لتصبح اليوم عالمة فيزيائية كبيرة، والمديرة بالشراكة في مختبر «أرغون» الوطني بأمريكا، المتخصص في الفيزياء النووية، وهو المعهد نفسه الذي صنعت فيه أول قنبلة نووية في تاريخ البشرية من قبيل تلك التي استعملتها أمريكا سنة 1945 لتدمير مدينتي هيروشيما وناكازاكي في اليابان.
كوثر حفيظي تابعت دراستها في المغرب، فحصلت على الباكالوريا من ثانوية مولاي يوسف الشهيرة بالرباط، ثم التحقت بكلية العلوم بجامعة محمد الخامس بالرباط، لتدرس شعبة الفيزياء، وفي لحظة من اللحظات ستقرر بلا رجعة أن تغادر المغرب بسبب خطاب للملك الراحل الحسن الثاني. وعن هذا تقول في حديثها لـ «الأيام»: «… عندما بلغت السنة الرابعة من التعليم الجامعي صادف ذلك إضرابات متعددة للطلبة الحاصلين على شهادة الدكتوراه، فقررت الدولة تشغيل المئات منهم في مختلف الوزارات، وحتى لا يتضاعف أعداد العاطلين الحاصلين على شهادة الدكتوراه ارتأت الدولة إغلاق السلك الثالث، وفي تلك الفترة أتذكر خطابا للراحل الحسن الثاني قال فيه: «معندنا منديرو بالدكاترة في الفيزياء النووية»، علما أنني كنت أرغب في التخصص في الفيزياء النووية. ولأن ملك البلاد نفسه يقول أن لا مستقبل لهذا التخصص في المغرب، فقد اتخذت قرار الذهاب إلى فرنسا لمتابعة دراستي».
بعدما حصلت على دكتوراه في الفيزياء النووية في فرنسا، ستقرر كوثر أن ترحل صوب أمريكا، وهناك ستتسلق المناصب إلى أن وصلت اليوم لتكون مديرة لمختبر «أركون» للفيزياء النووية، وتقوم أبحاث كثيرة منها بحث تقوده حاليا يتعلق بدراسة للإجابة على سؤال: ما الذي كان قبل الانفجار العظيم وتشكل الأرض. وتقول في حديثها لـ «الأيام» إن معرفة ما كان قبل الانفجار العظيم أمر ممكن، وهي تتوفر اليوم على أزيد من 200 بحث واكتشاف في عالم الفيزياء النووية المتشعب، الذي لا يتخصص فيه سوى الراسخون في العلم.
وبخصوص إمكانية عودتها للمغرب، تقول لـ «الأيام»: «… لا أعتقد. من الصعب أن يحدث ذلك، أنا أتابع ما يحدث في المغرب باستمرار من خلال منصات التواصل الاجتماعي، يمكن أن آتي للمغرب بين الفينة والأخرى لقضاء بعض أيام في إطار العطلة، أو أستقر به لبضع أسابيع أو شهور بعدما أتقاعد من عملي بعد 20 سنة من اليوم».
وحول الأسباب التي جعلتها تتخذ مثل هذا القرار تقول: «هناك مشكل استراتيجيات، فليست هناك رؤية واضحة. المغرب يجب أن يحدد في أي اتجاه يريد أن يذهب، يبدو اليوم تائها، وهذا ليس دوري أنا بل دور السياسيين ممن عليهم أن يضعوا سياسة واضحة للبلاد، مع العلم أن بلادنا تتوفر على موارد على غرار الفوسفاط والطاقات المتحددة. قبل أيام فقط شاهدت حوارا صحفيا لأحمد رضى الشامي رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي يقول فيه إن المغرب يرغب في تصدير الطاقة إلى أوروبا، يبدو هذا الكلام جميلا في إطار البروباغاندا والتسويق السياسي، لكن السؤال الأساسي هو كيف يمكن أن نحقق ذلك على مستوى الواقع».
وتتابع: «في الإطار ذاته المتعلق بالطاقات المتجددة تواصلت معنا في مختبر «أركون» جامعة محمد السادس ببن جرير، وقالوا لنا إنهم يرغبون في أن نتعاون معهم في ما يتعلق بالطاقات المتجددة، غير أن الظاهر أنه ليست لديهم رؤية واضحة المعالم، فلو أمدونا مثلا بالمجالات التي يرغبون في التركيز عليها لمنحناهم العلماء القادرين على مساعدتهم على تحقيق أهدافهم، غير أن الظاهر أنه ليس هناك تنظيم، بل أكثر من ذلك، عندما يتصلون بك، فهم فقط يضيعون وقتك، نجتمع كثيرا، ونتحدث باستمرار، غير أننا لا نتوصل إلى أي شيء، هم لا يتوفرون على رؤية مستقبلية، وعلى دراسات جادة، وأنا ليس لدي وقت لتضييعه، صحيح أنني أريد أن أساعد بلدي المغرب لكن في الأمور الجدية المبنية على رؤية واضحة المعالم. إذا عدت إلى المغرب سأضيع الكثير من الجهد من دون نتائج، في الوقت الحالي لا يمكنني أن أشتغل في المغرب، ربما قد يتحسن الوضع لاحقا ويستطيع أبنائي أو أحفادي أن يغريهم المغرب للعودة إليه والاشتغال فيه وهذا ما أتمناه، لكن بالنسبة لي فسأكون كاذبة إذا قلت لك الآن أنه لدي رغبة في العودة إلى المغرب للاشتغال».