في الوقت الذي كان الاحتلال الإسرائيلي يحتفل بنشوة النصر الذي حققه في عملية "موكيد" الجوية عام 1967، والتي دمرت خلالها معظم سلاح الجو العربي في مصر وسوريا والأردن والعراق، جاء رد بغداد المباغت ليقلب كل الحسابات آنذاك.
فبعد ساعات من قصف إسرائيل قاعدة "إتش-3" غرب العراق، حلقت الطائرات العراقية في 6 يونيو/حزيران 1967 لتنفذ أكبر هجوم جوي يستهدف قواعد الاحتلال في فلسطين.
بداية العدوان
كان دور القوة الجوية العراقية في حرب 1967 فعالا رغم عدم وجود خطة عمليات مشتركة مع القوات الجوية العربية، ومع ذلك استطاعت هذه القوة تنفيذ العديد من الواجبات في العمق الإسرائيلي من قاعدتي الوليد والحبانية العراقيتين ضد تل أبيب ونتانيا وكفر سركين، وأحدثت بهما خسائر كبيرة، بحسب اللواء الطيار الركن دكتور علوان حسون العبوسي.
ويضيف العبوسي للجزيرة نت أن الهجمات العراقية أثارت حفيظة القوات الجوية الإسرائيلية، وقامت طائراتها بشن هجماتها على القواعد العراقية محدثه خسائر بعدد من المباني والطائرات والأشخاص، وحدثت معارك جوية عنيفة أسقطت فيها 5 طائرات إسرائيلية من طراز فوتور وميراج-3، وأسر عدد من طياريها.
العبوسي أكد على الدور الفاعل للقوة الجوية العراقية خلال حرب 1967 ضد إسرائيل (مواقع التواصل)
ويتابع العبوسي بالقول: ومع عودة القوة الجوية التي قصفت تل أبيب ووصولها إلى قاعدة الوليد الجوية، وبينما الطائرات لاتزال على مدرج القاعدة، هاجم تشكيل من طائرات "فوتور، ميراج-3" الإسرائيلية القاعدة واستطاع إصابة طائرة قائد التشكيل الملازم الأول الطيار نجدت النقيب.
ويضيف أن الهجوم أدى إلى احتراق طائرة النقيب إلا أنه نجا من الهجوم بأعجوبة، إضافة إلى إحراق طائرة نقل نوع "إي إن-12" وأخرى نوع "دوف" بالإضافة إلى طائرة "ميج-21" وإصابة مدرج القاعدة بقنابل مظلية، كما أدت هذه الضربة لإصابة عدد من الطيارين بجروح طفيفة.
الجمعة: الصهاينة والأميركان أطلقوا على الرد العراقي اسم عملية البرق لأنها كانت خارج حساباتهم (الجزيرة)
الرد العراقي
ويشير أستاذ التاريخ الدكتور خالد حسن الجمعة إلى أن رد العراق كان سريعا اليوم الثاني من الحرب، وتذكر الوثائق العراقية والعربية والعالمية أن هذه العملية كانت متميزة وبارعة وقد أذهلت المخطط الصهيوني، وكادت أن تغير مجريات حرب 1967، إلا أنها لن تحصل على الدعم العربي، ورغم ذلك أوقفت نزيف الحرب وأجبرت الصهاينة على الامتثال للأمر الواقع.
ويبيّن للجزيرة نت "الصهاينة والأميركيون أطلقوا على الرد العراقي اسم عملية البرق لأنها كانت خارج حساباتهم" وأن هذه الضربة الفدائية التي قامت بها الطائرة العراقية السوفياتية "توبوليف-16" المزودة بأسلحة متطورة لا يضاهيها تفوق بالطيران العالمي في ذلك الوقت.
ويسترسل الجمعة: دخلت الطائرات العراقية إلى قلب أجواء العدو اليوم الثاني من الحرب، واستطاعت تحقيق الكثير من الانتصارات من خلال العقيدة التي يحملها الطيارون العراقيون، والتي أذهلت الخبراء العالميين والصهاينة، لإمكانية وصول هذه الطائرات إلى تلك الأهداف الكبيرة رغم أنها طائرة عملاقة تحمل مواصفات كبيرة ومتقدمة، إضافة إلى أن حمولتها كانت عالية، حيث إنها تحمل 6 قنابل تزن الواحدة نصف طن تقريبا ومزودة برشاشات استطاعت أن تستخدمها بعد نفاد الصواريخ.
ويلفت إلى أن هذه العملية تدرس في الكثير من الأكاديميات العسكرية العالمية، لما فيها من جرأة، ولم تتوقف إسرائيل عن الانتقام من العراق بسبب هذه العملية.
العبو عزا سبب اختيار قاعدة رامات خلال العملية العراقية إلى أهميتها الإستراتيجية (الجزيرة نت)
الخطة والتنفيذ
ويروي العقيد ركن عبد الجبار حامد العبو تفاصيل ما جرى: تم وضع خطة لقصف قاعدة "رامات ديفيد" الإسرائيلية، من خلال توجيه ضربة جوية للقاعدة بـ 4 طائرات قاصفة عملاقة من نوع "توبوليف-16".
ويوضح للجزيرة نت أن الخطة تضمنت انطلاق الطائرات العراقية من قاعدة الحبانية غرب بغداد فجر 6 يونيو/حزيران 1967، بطيران مرتفع وبفارق زمني 15 دقيقة بين طائرة وأخرى، حتى تصل قاعدة المفرق شمال الأردن، وبعد ذلك تنحدر بطيران منخفض لتجنب كشفها من الرادارات الإسرائيلية، لترتفع ثانية قبل وصولها القاعدة وتقوم بقصفها.
وحول تفاصيل ما جرى ذلك اليوم يقول العقيد ركن: انطلقت الطائرة الأولى الساعة 4:45 فجرا من قاعدة الحبانية حتى وصلت قاعدة المفرق شمالي الأردن، لتبدأ بطيران منخفض وتجتاز نهر الأردن وتتوجه نحو قاعدة "رامات ديفيد" وتباغتها تماما، وتلقي عليها قنابلها الثقيلة وتحدث دمارا كبيرا بالقاعدة، وتعود بعدها متوجهة نحو العراق وتحط في قاعدة الحبانية.
ويوضح العبو أن الطائرة الثانية تأخرت عن موعد إقلاعها بسبب خلل فني، وانطلقت بعد ذلك متوجهة بنفس الأسلوب لتهاجم القاعدة الإسرائيلية من الغرب، وبعد أن وصلت ساحل البحر المتوسط توجهت شمالا، فتصدت لها طائرة ميراج إسرائيلية، لكنها فرت بعد أن فتحت عليها الطائرة العراقية نيران رشاشتها الثقيلة، ثم اقتربت من القاعدة لتتصدى لها طائرة ميراج إسرائيلية ثانية وتطلق عليها صاروخ جو جو وتصيبها، لكنها لم تسقط مباشرة وحاول قائدها أن يعود إلى العراق، لكن بسبب انفجار خزان الوقود أدى إلى سقوطها غرب مدينة العفولة في فلسطين، وبعد سقوط الطائرة الثانية تم إلغاء مهمات الطائرتين الثالثة والرابعة، وإصدار الأوامر لهما بالعودة إلى العراق.
ويعزو سبب اختيار قاعدة "رامات" إلى كونها أول قاعدة جوية سلمها الاحتلال البريطاني للعصابات الصهيونية يوم 26 مايو/أيار 1948، وتكمن أهميتها الإستراتيجية في أنها تتوسط شمال فلسطين وعلى مقربة من لبنان وسوريا وشمال الأردن، وتعد واحدة من 3
النتائج
وتكبدت القاعدة الإسرائيلية خسائر خلال عملية البرق، تمثلت بإسقاط طائرة ميراج وإصابة اثنتين أخريين من دوريات الحماية، وتحييد حوالي 43 عسكريا بالقاعدة، كما يفيد الباحث دريد عبد الله.
ويضيف للجزيرة نت أن عددا كبيرا من الطائرات الإسرائيلية تضررت بشكل كبير خلال العملية، وحدث دمار في 9 مبان، أبرزها مركز قيادة رئيسي ومخازن ومدرجان.
ويؤكد عبد الله أن أرقام الخسائر الإسرائيلية حصل عليها من أحد المخططين العسكريين في جيش "الدفاع" الإسرائيلي وقتها، وقد أكدته وثائق أميركية حصل عليها خلال زيارته لواشنطن.
ويتابع أن جثامين الطاقم العراقي كانت متفحمة وعددها 6، احتفظت بها إسرائيل إلى أن جرت عملية تبادل الأسرى يوم 27 يونيو/حزيران 1967 على جسر اللنبي بالأردن، وتم تبادل الطيارين الإسرائيليين الأسيرين في قاعدة إتش-3 العراقية، بـ 3 ضباط عراقيين و425 أردنيا، وتم عمل تشييع رمزي لهم بحضور وزراء الحكومة وقتها وبنيت لبعضهم قبور فارغة، ودفنت إسرائيل ما تبقى من رفاة الطاقم بمقبرة تقع جنوب غرب مدينة عفولة في عدد من القبور المرقمة.
ويختم أستاذ التاريخ الجمعة بقوله: خرجت جماهير العراق في بغداد والمحافظات مبتهجين بما قدمه أبطال هذه العملية، وقد شيعوا هذه الجثامين فيما بعد عندما أعادتها إسرائيل إلى العراق، وعملت لهم حكومة الرئيس عبد الرحمن عارف نصبا في بغداد.
المصدر : الجزيرة
اقرأ أيضا
في ذكرى حرب أكتوبر.. هذا ما فعله سلاح الجو العراقي ضد الأهداف الإسرائيلية على الجبهة المصرية
لعب دورا محوريا في الصراع مع إسرائيل.. العراقيون يحيون الذكرى المئوية لتأسيس جيشهم وهذه أبرز محطاته
أشهر معارك العراقيين في فلسطين.. تعرف على القصة الكاملة لمعركة جنين
قبل 73 عاما.. كيف ساهم متطوعون عراقيون في منع تهجير فلسطينيين؟