الأمين محمد سالم - المبعوث الخاص لوكالة الأنباء الأفريقية (آبا) - نيامي
تيار الهواء الساخن والجاف، يكسر برد صباحات دجمبر، على مدرج مطار «مانو داياك» بمدينة أغاديز، أقصى شمالي النيجر، تلك المدينة التاريخية الجميلة، التي منحها قدماء المغامرين في رحلاتهم لقب «بوابة الصحراء»، وأصبحت فيما بعد تجذب آلاف السياح، قبل أن تدفع حرب «الإرهاب» في الساحل، دولاً أوروبية إلى التحذير من السفر إليها، فلم تستقبل المدينة أي سائح منذ سنوات، حتى أن سكانها «نسوا وجود المطار»، على حد تعبير أحد شباب المدينة.
عادت الحياة إلى المطار المنسي، يوم الثلاثاء 16 دجمبر، أناس يغنون وآخرون يرقصون، بينما ازدحم آخرون للاقتراب من الطائرة التي حطت للتو، على متنها الرجل الذي يتحدث عنه الجميع في النيجر؛ محمد بازوم، رئيس الحزب النيجري من أجل الديمقراطية والاشتراكية، الذي أسسه قبل ثلاثين عاماً رفقة صديقه محمدو يوسفو، الرئيس الحالي، والذي تنتهي ولايته في غضون أيام معدودة.
يغادر يوسفو السلطة بعد أن قضى فيها ولايتين رئاسيتين، احتراماً لدستور البلاد، ولكنه يفسح المجال لتحقيق حلم صديقه محمد بازوم بحكم هذه البلاد الشاسعة، البالغ تعداد سكانها أكثر من عشرين مليون نسمة من أعراق متعددة وثقافات متنوعة، البلاد التي وضعتها الأمم المتحدة العام الماضي (2019) في آخر التصنيف السنوي لمؤشر التنمية البشرية.
يقدم العديد من المراقبين «بازوم» على أنه المرشح الأوفر حظاً للفوز بالرئاسيات، التي تقام بالتزامن مع انتخابات تشريعية، فصوره المكبرة تحتل شوارع العاصمة، وتغزو الطرق الرئيسية في البلاد، وتصل لمناطق يغيب عنها منافسوه، كما تتوفر إدارة حملته الانتخابية على إمكانيات كبيرة.
ولكن المراقبين يقولون إن المرشح الوحيد الذي كان من الممكن أن يكون خصماً جدياً ونداً حقيقياً في هذه الانتخابات، هو الرئيس السابق للبرلمان والوزير الأول السابق حاما أمادو (70 عاماً)، ولكن المحكمة الدستورية ألغت ترشحه بسبب صدور حكم بالسجن في حقه عام 2017 في قضية تهريب أطفال من نيجيريا المجاورة؛ أمادو الذي حل ثانياً في رئاسيات 2016 بعد الرئيس يوسفو، كان يرى في هذه الإدانة قراراً «سياسياً» من أجل منع ترشحه لرئاسيات 2020.
يتحدث بازوم بثقة كبيرة عن حظوظه، ويقول: «لقد شاهدتم نتائج انتخابات المجالس المحلية يوم الأحد الماضي، فقد حسمها الائتلاف السياسي الداعم لي بنسبة 60 في المائة، هذه النتائج تترجم موازين القوة الحقيقية على الأرض ما بين خصومي وأنصاري، لذا فإنه بإمكاني أن أتوقع فوزاً في الشوط الأول، مع أنني لا أخشى شوطاً ثانياً»، يكشف الرجلُ الذي أصبح مقربون منه ينادونه بـ «السيد الرئيس»، خلال حوار حصري مع وكالة الأنباء الأفريقية (آبا)، صباح الأربعاء الماضي في قرية للطوارق تدعى «إنغال»، تنام في عمق الصحراء بين مدينتي «أغاديز» و«أديربيسات»، المحطة الثالثة من جولة أربع وعشرين ساعة في شمال البلاد.
الذراع اليمنى ليوسفو
ولد «بازوم» عام 1960 في منطقة «ديفا»، جنوب شرقي النيجر غير بعيد من الحدود مع نيجيريا وتشاد، ولكنه تربى وقضى طفولته في منطقة «زندير» وسط البلاد، ومن هناك حصل على شهادة الباكالوريا عام 1979، قبل أن يدرس الفلسفة الأخلاقية والسياسية في جامعة دكار، التي كانت آنذاك أكبر جامعة في غرب أفريقيا، في تلك الفترة لفت الأنظار بميوله النضالية والماركسية.
بعد خمس سنوات من الدراسة الجامعية، عاد «بازوم» إلى النيجر ليصبح أستاذاً في سلك التعليم الوطني، فتعرض للإيقاف عدة مرات من طرف الشرطة بسبب أنشطته السياسية والنقابية، تجربة قادته إلى بداية مساره في الحياة العامة حين اختاره «الاتحاد النقابي للعمال في النيجر» ليمثله في إدارة «المؤتمر الوطني» المنعقد عام 1991 من أجل وضع حد لحكم الحزب الواحد، وإدخال البلاد في عصر التعددية الحزبية والديمقراطية.
انتخب «بازوم» عضوا في البرلمان سنوات 1993 و2004 و2011 ثم 2016، ممثلاً لمحافظة «تسكير» التابعة لمنطقة «زندير»، وخلال فترته الطويلة في البرلمان كان عدة مرات نائباً لرئيسه ثم وزيراً في العديد من الحكومات، ويوصف بأنه كان «العقل المدبر» و«الذراع اليمنى» لحكم صديقه محمدو يوسفو، ولعب دوراً في انتخابه رئيساً للبلاد عام 2011 وإعادة انتخابه 2016.
«أتحمل بشكل تام مسؤولية مساهمتي في حصيلة الرئيس، والبرنامج الذي أدافع عنه ليس سوى استمراراً للأعمال التي قام بها الرئيس يوسفو منذ انتخابه على رأس البلد. إنني أسعى لتعزيز الإنجازات التي حققناها معاً، على غرار تعزيز المؤسسات، والديمقراطية واستقرار البلد»، هكذا تحدث بازوم عن برنامجه الانتخابي وهو الذي خرج من الحكومة يونيو الماضي، ليتفرغ لحملته الانتخابية، بعد أن شغل خلال السنوات العشر الأخيرة من حكم صديقه أعلى المناصب الوزارية: وزير دولة مكلف بالعلاقات الخارجية، وزير دولة في الرئاسة ثم وزير دولة مكلف بالداخلية والأمن العمومي واللامركزية والشؤون التقليدية والدينية.
ولكن السؤال الكبير، هو ماذا سيفعل «بازوم»، في حالة فوزه بالانتخابات، لمواجهة الفساد ذلك الداء الأفريقي الذي لم تسلم منه النيجر، خاصة بعد فضيحة أطاحت بوزير الدفاع وتشعل منذ نشرها فبراير الماضي النقاش في البلاد، عندما اكتشفت المفتشية العامة في الجيش، خلال عملية تفتيش بأمر من الرئيس يوسفو، أن 116 مليون يورو تم الاستحواذ عليها خلال خمس سنوات، أي في الفترة من 2014 وحتى 2019، في إطار صفقات لتسليح الجيش.
حسب منظمة الشفافية العالمية ينفق النيجر سنوياً مبلغ 250 مليون دولار على الدفاع، وهو ما يمثل 20 في المائة من ميزانية الدولة، وبحسب تقرير المفتشية فإن 45 في المائة من الموارد المالية المخصصة سنوياً للجيش تم الاستحواذ عليها خلال خمس سنوات، عبر تضخيم الفواتير وإعلان مناقصات وهمية، وفي بعض الأحيان تعقد صفقات من دون أن يحصل الجيش على أي معدات.
يعلق المرشح على الموضوع قائلاً: «ما نشر بخصوص هذا الموضوع لا يترجم حقيقة ما جرى، ولكن بالفعل هذه القضية كشفت وجود موظفين منغمسين في الاختلاس وعمليات اقتصادية فاسدة، يجب بكل تأكيد وضع حد لمثل هذا النوع من الممارسات، يجب وضع ضمانات تقي من الفساد، وترشيد النفقات العمومية. في حالة انتخبتُ سأكون صارماً وعنيداً في هذا الموضوع، بما في ذلك تجاه أصدقائي، والمقربين مني، وحلفائي»، يتوعد التلميذ السابق لكارل ماركس، الذي تحول نحو الاشتراكية الديمقراطية.
ينحدر محمد بازوم من «أولاد سليمان»، قبيلة عربية تشكل أقلية في البلد، ولكنها حاضرة بقوة في ليبيا وتشاد ومالي، ولكن «بازوم» الذي يتحدث بطلاقة اللغات الأساسية المستخدمة في النيجر، يهاجمه بعض خصومه بأن أصوله غير نيجرية، في قضية استحوذت على حيز كبير من النقاش.
يعلق على القضية قائلاً: «لماذا نسمع بهذه الاتهامات في السابق ؟ أنا ولدت في النيجر وتربيت وعملت دوماً فيه، وعند ترشحي للرئاسيات قدمتُ نفس بطاقة الحالة المدنية التي تقدمت بها للانتخابات التشريعية في أعوام 1993 و1996 و1999، وفي 2004 و2011 و2016، آنذاك لم يشكك فيها أحد. ومن يشككون اليوم في جنسيتي يدركون جيداً أنني نيجري، ولكنهم لا يملكون حججاً قوية أمام الناخبين، فلم يجدوا سوى اختلاق مثل هذا النوع من التهم».
ويحاول بازوم تحويل النقاش لصالحه، فيقول إن «النيجر ليس بحاجة لمثل هذا النوع من القضايا، ولا شبه المنطقة أو أفريقيا بحاجة إليه. على العكس أعتقد أن انتخابي رئيسا للنيجر سيعطي مثالاً حسنا للعديد من الدول الأفريقية حتى تتجاوز مثل هذا النوع من النقاشات الغير مجدية، والتقدم نحو تعزيز الروابط بين مختلف المجموعات الوطنية. إنه واحد من المعاني التي أردت تجسيدها من خلال ترشحي، وأعتقد أن الأغلبية الساحقة من مواطني بلدي تجاوزوا مثل هذه الاعتبارات القبلية والعرقية».
المقاربة الأمنية
تشكل النيجر مع كل من مالي وبوركينا فاسو، المثلث الأكثر تضرراً في منطقة الساحل، من الجماعات المسلحة التي تنشط في المنطقة، وهنا يُطرح سؤال حول رؤية بازوم للحصيلة الأمنية بعد سبع سنوات من بداية الحرب على هذه الجماعات، مع عملية «سيرفال» الفرنسية مطلع 2013، التي تحولت عام 2014 إلى عملية «برخان» المشكلة من 5 آلاف جندي فرنسي يعملون مع الجيوش المحلية.
«بكل صراحة، أعتقد أنه لولا التدخل العسكري الفرنسي عام 2013 في مالي، لكانت منطقة الساحل في وضعية أكثر خطورة من الآن، ولكن في المقابل كان يمكن القيام بما هو أفضل لو أن بلداننا حصلت على دعم أكبر، وتحققت وعود الدعم الكثيرة»، يشير المرشح إلى تعهدات التمويل الدولي المعلن عنها بشكل دوري لصالح مجموعة دول الساحل الخمس، والتي لم يتحقق حتى الآن أغلبها.
ولكن الوضع الأمني في المنطقة بدأ يشهد تغيرات عديدة، فدولة مالي منذ الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس إبراهيم ببكر كيتا، أغسطس الماضي، وهي تعلن بصراحة رغبتها في الخروج من الأزمة عبر مفاوضات مع الجماعات الإسلامية المسلحة، يرد بازوم على الموقف من التفاوض مع القاعدة بالقول إن «النيجر ليست في نفس وضعية مالي، نحن ليست لدينا جماعات جهادية نيجرية ترفع مطالب لها علاقة بتسيير البلد، نحن نواجه جماعات أجنبية توجد قواعدها خارج أراضينا، وفي بعض الأحيان تشن هجمات في بلدنا. إنني أتفهم في نفس الوقت أن بعض الجيران قد يتخذون مواقف تمليها عليهم الأوضاع داخل بلدانهم».
لقد كان بازوم واحداً من مهندسي السياسات الأمنية في النيجر، طيلو السنوات الأخيرة، حتى أن بعض المتتبعين للشأن في النيجر يقولون إنه «بالإضافة إلى كونه مرشح السلطة، فإنه يخوض الانتخابات الرئاسية وهو المرشح المفضل لدى الشركاء الدوليين، على رأسهم فرنسا والولايات المتحدة».
ترجمة صحراء ميديا