نص :وهيب أبو واصل
السيد طه، المعروف بين الفلسطينيين بـ "البيه طه" والمُلقب بالضبع الأسود، هو قائد اللواء المصري الرابع، أظهر شجاعة وصبراً في القتال ضد الإسرائيليين.
وصل الجيش المصري إلى الفالوجة بعد الإعلان عن قيام إسرائيل بأيام معدودة، وذلك لمساعدة الفلسطينيين للدفاع عن آخر بلدتين عربيتين محاصرتين، عراق المنشية والفالوجة.
هب اللواء السادس في الجيش المصري، بقيادة سيد محمود طه البيه، لتعزيز مقاومة العرب. وكانت تحت أمرته كتيبتان، يقود إحداهما جمال عبد الناصر، البكباشي الذي سيصبح رئيساً لمصر فيما بعد. كما شارك معهم في القتال ضابط يدعى يوسف السباعي، الأديب والروائي المصري الشهير في النصف الثاني من القرن الماضي.
حاول الإسرائيليون دخول القريتين فقوبلوا بمقاومة شرسة. ورغم قصف الطيران المكثف، دارت معارك ضارية بين الطرفين وتكبد اليهود خسائر كبيرة، إذ وضع سيد طه خطة استعمل فيها دبابات خفيفة تحمل مدافع. لكن الإمدادات كانت شحيحة والسلاح لم يكن ذا جودة عالية، لذلك دخل طه في مفاوضات مع اليهود، وتم الاتفاق على تسليم عراق المنشية دون قتال مقابل عدم الانتقام من الجيش المصري والسكان. ووافق سيد طه شرط أن يدخل اليهود دون أسلحة.
وعندما بدأت القوات المصرية بالانسحاب نحو قرية الفالوجة، دخل اليهود عراق المنشية دون سلاح وهم مسرورون. ولم يكونوا على علم بأن القائد النوبي كان قد وضع خطة لاستدراجهم ومحاصرتهم. وما أن اقتربوا من بعض المواقع حتى تم إطلاق النار عليهم وسقط 98 رجلاً منهم.
تلك الواقعة كانت سبباً في أن يحمل سيد طه تسمية "الضبع الأسود". وهو لقب أطلقه عليه قائد في تلك العصابات الصهيونية سيكون له شأن فيما بعد، وهو إسحق رابين.
ونظم الأديب المصري ذائع الصيت عباس محمود العقاد قصيدة امتدح فيها مواطنه النوبي السيد طه. كما استقبلته كوكب الشرق السيدة أم كلثوم مع أبطال الفالوجة لدى عودة المقاتلين إلى القاهرة.
بعد عدة أيام تراجع الجيش المصري، يرافقهم متطوعون فلسطينيون، إلى الفالوجة التي تقع بين غزة والخليل، وذلك بسبب الحصار وصعوبة التواصل مع القيادة المصرية، وأيضاً لقلة الإمدادات. ويعود سبب تسمية الفالوجة بهذا الاسم نسبة إلى ولي الله الشيخ شهاب الدين أحمد العابد الفلوجي، أحد أتباع الطريقة الصوفية القادرية، وكان قد قدم إليها من بلدة الفلوجة العراقية في القرن الثاني عشر وبنى فيها زاوية، الأمر الذي جعلها مقصداً لسكان المناطق المجاورة الذين تجمعوا للإقامة في محيطها.
لم يكن وضع القوات المصرية في الفالوجة، أحسن حالاً عما كانت عليه من قبل. وتمت محاصرتها من جديد، الامر الذي دفع بأهالي القرية إلى تقاسم الغذاء وكل ما لديهم مع الجيش المصري.
وبدأت المفاوضات بين الطرفين برئاسة إيغال آلون يرافقه إسحاق رابين عن الإسرائيليين، ومن الجهة المقابلة سيد طه وجمال عبد الناصر، بعد أن أظهر طه مقاومة شرسة في وجه القوات الغازية، وهو ما شهد به له آرييل شارون، الذي قال: " كانت القوات المصرية التي قوامها 4000 جندي تحت قيادة عميد سوداني يسمى سيد طه بيه، هذا السيد طه بيه كان بطلاً حقيقياً... رفض الانسحاب وأن يجري مفاوضات مع أي من قادتنا".
في 24 شباط / فبراير 1949، تم توقيع اتفاق الهدنة بين مصر وإسرائيل في جزيرة رودس اليونانية بإشراف الأمم المتحدة. ونص الاتفاق على انسحاب القوات المصرية من الفالوجة، أي تلك القوات التي صمدت أمام الهجمات الإسرائيلية المتتالية مع عتادها، إلى ما وراء الحدود المصرية. لكن أسطورة الفالوجة و ضبعها الأسود بقيت تلهم الأجيال.