هو العالم علي مصطفى مشرفة الذي ولد في الحادي عشر من يوليو لعام 1898م، وهو ابن عالم الدين مصطفى عطية مشرفة أحد أتباع جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، وهذا يدل على أن مصطفى وإخوته الأربعة الصغار نفيسة ومصطفى وعطية وحسن نشؤوا على معتقدات دينية قوية، واستمر تأثير هذه التربية القويمة عليه طوال حياته.
نشأة مصطفى مشرفة
ولد مصطفى مشرفة في حي بدمياط وقضى السنوات الأولى من طفولته في سعة من العيش حيث كان والده غنيًا وصاحب أراضٍ، وكان تعليمه المبكر من والده ثم درس في مدرسة تدعى مدرسة أحمد الكتبي، لكن حياته تغيرت بشكل كبير في عام 1907م عندما عانت مصر من أزمة مالية ضخمة أثرت بشكل خاص على صناعة القطن، حيث خسر والده ثروته في أزمة القطن بل إنه خسر أرضه وأمواله وحتى منزله.
رحلة مصطفى مشرفة التعليمية بعد وفاة والده
توفي والد مصطفى مشرفة في 8 يناير 1910م عندما كان في الحادية عشرة من عمره وبعد شهر واحد خضع لامتحانات المدرسة الابتدائية وحصل على شهادته الابتدائية وحصد المرتبة الأولى على مستوى البلاد، أثرت وفاة والده عليه وعلى حياته بشدة حيث تركه مسؤولًا عن والدته وأخته وإخوته الثلاثة الأصغر سنًا.
انتقلت الأسرة إلى القاهرة حيث عاشت مع الجدة في شقة مستأجرة في حي عابدين، حيث قضى مشرفة عامًا في الدراسة في الثانوية العباسية بالإسكندرية، وبعد هذا العام انتقل إلى مدرسة السيدية الثانوية في الجيزة، حيث كان أصغر طالب في فصله لكن الأكثر معرفة وشهرة، وأظهر له مدرسوه احترامًا كبيرًا مدركين أنه كان مفكرًا عميقًا بشكل استثنائي، وحصل على الجزء الأول من الشهادة الثانوية عام 1912م والجزء الثاني عام 1914م، وأصبح في سن السادسة عشرة أصغر طالب يحصل على مثل هذه الشهادة حتى ذلك الوقت، كما أنه احتل المرتبة الثانية على مستوى مصر بأدائه.
تعليم مصطفى مشرفة الجامعي
على الرغم من أن جامعة القاهرة تأسست عام 1908م وكانت تسمى في ذلك الوقت بالجامعة المصرية إلا أنها كانت تدرس عددًا محدودًا من المواد الدراسية، وعندما حصل مشرفة على البكالوريا عام 1914م لم يكن لديها ما تقدمه له في مجال الرياضيات وهو الموضوع الذي كان حريصًا على متابعته؛ لذا قرر الالتحاق بكلية المعلمين حيث يتم تدريس الرياضيات بها بشكل أفضل، وتخرج منها عام 1917م، لكن أداءه في الرياضيات كان رائعًا لدرجة أن وزارة التربية والتعليم المصرية منحته منحة دراسية للذهاب إلى إنجلترا للحصول على البكالوريوس، حيث سافر إلى إنجلترا وتم تسجيله في جامعة نوتنغهام في خريف عام 1917م.
أكمل مشرفة دراسته في جامعة نوتنغهام عام 1920م وحصل على بكالوريوس العلوم مع مرتبة الشرف ثم حصل على منحة دراسية ثانية من قبل وزارة التربية والتعليم المصرية لتمكينه من إجراء بحث في جامعة لندن للحصول على درجة الدكتوراه، حيث التحق بكلية كينجز كوليدج لندن وكان مستشار أطروحته هو العالم أوين ويلانز ريتشاردسون أستاذ الفيزياء في ويتستون، وحصل مشرفة على درجة الدكتوراه في عام 1923م عن أطروحته نظرية الكم في السلسلة الطيفية، وبحلول هذا الوقت كان لديه بالفعل عدد من الأوراق البحثية المطبوعة والتي أثارت إعجاب العديد من العلماء على مستوى العالم.
رحلة مصطفى مشرفة في المناصب في الجامعة المصرية
بعد حصوله على درجة الدكتوراه عاد العالم مصطفى مشرفة إلى مصر، وتم تعيينه في كلية المعلمين العليا، ثم عاد إلى جامعة لندن حيث حصل على الدرجة العليا من الدكتوراه. في 28 فبراير 1924م، ثم عاد إلى مصر مرة أخرى عام 1925م، حيث أعيد تأسيس الجامعة المصرية ( جامعة القاهرة حاليًا ) في ذلك العام، وتم تعيينه أستاذًا للرياضيات في كلية العلوم، وبالرغم من أن الجامعة لم تكن تمنح أي شخص دون سن الثلاثين درجة أستاذ لكنه حصل عليها وهو لم يتجاوز الثامنة والعشرين، فقد مُنح مشرفة لقب أستاذ الرياضيات التطبيقية في عام 1926م.
وفي عام 1936م أصبح مشرفة عميدًا لكلية العلوم بجامعة القاهرة، وكان يعارض بشدة إنشاء جامعات جديدة، حيث شعر أن مصر لا تملك الأساتذة المؤهلين الذين يمكنها توظيفهم، كما رأى أن أي حل وسط فيما يتعلق بمستوى الأساتذة سيؤدي إلى تدهور كبير في نوعية ومستوى التعليم وهو وضع حاول جاهدًا تجنبه.
في عام 1936م أسس مشرفة الجمعية الرياضية والفيزيائية في مصر، وفي سنواته الأخيرة كان منشغلًا بمعادلات أينشتاين لا سيما دراسة مسار الجسيم المشحون كهربائيًا وهي دراسة نُشرت عام 1948م، وظهر آخر أعماله التي تناولت الخلل الجماعي في النواة في مجلة Nature في أكتوبر 1949م.
كان مشرفة باشا من الشخصيات الجامعية البارزة حيث كان هدفه الدائم هو الحفاظ على مستوى أكاديمي عالٍ وإرساء تقاليد عقلانية، ومن أجل تحقيق هذا الهدف كان دؤوبًا في جهوده ولا يعرف الخوف في سلوكه، ولم يكن ناشطًا في مجال الجامعة فحسب بل كرس نفسه أيضًا لإنشاء بيئة علمية في مصر ويحتل اسمها الصدارة في معظم المجتمعات العلمية.
وفاة مصطفى مشرفة
لم يكن الدكتور مصطفى مشرفة عالمًا عظيمًا فحسب بل كان كاتبًا عظيمًا باللغتين العربية والإنجليزية وعبقريًا أدبيًا وشاعرًا وكاتب أغانٍ وعازف بيانو ولاعب تنس جيدا وربما الأهم من ذلك أنه كان مسلمًا مخلصًا.
ليس من الواضح ما إذا كان قد توفي في 15 يناير أو 16 يناير 1950م، ولا بد أن هناك لغزًا حول موت مشرفة أهم بكثير من اختلاف يوم واحد في تاريخ الوفاة، حيث أثير الكثير من الجدل بعد موته عن سبب الوفاة.
نعته الأكاديمية المصرية للعلوم، وبعد وفاته كتب أينشتاين : «لا أصدق أن مشرفة مات، فهو على قيد الحياة من خلال أبحاثه، نحن في حاجة إلى مواهبه وإن موته لخسارة كبيرة، لقد كان عبقريًا وكنت أتابع أبحاثه في مجال الطاقة الذرية وهو بالتأكيد أحد أفضل العلماء في الفيزياء».