أ.د. عبد الله السيد (*)
بانقضاء عام من المأمورية الأولى لفخامة الرئيس محمد الشيخ الغزواني نستطيع تسجيل الملاحظات التالية:
أولا: بدأ فخامة الرئيس مأموريته بإصلاح سياسي كبير؛ تمثل في الانفتاح على المعارضة، والعمل على إزالة دواعي الاحتقان الذي طبع مسيرتنا الديمقراطية منذ الانتخابات الرئاسية الأولى سنة ١٩٩٢؛ وذلك بتوسيع قاعدة التشاور، وإلغاء إجراءات المتابعة ضد بعض رجال الأعمال.
ومن غير شك أن هذا الإجراء مفيد لحياتنا السياسية؛ فموريتانيا تسع جميع أبنائها، ولعبة الديمقراطية تكون أكثر عدالة حين يشعر الجميع فيها أنهم يشاركون في بناء الوطن، وأن حريتهم الفكرية، واختيارهم السياسي ليسا مسوغا لتهميشهم. ومن المهم أن يتعزز هذا الانفتاح بالتفريق بين الكفاءة والولاء؛ فالكفاءة ينبغي أن تجد مكانها في وظائف الدولة بغض النظر عن ولائها السياسي، أما مجرد الولاء السياسي للحزب الحاكم أو المعارض إذا لم يكن مصحوبا بالكفاءة التي تتطلبها الوظيفة فمن الأحسن أن لا يجد سوقه إلا في الوظائف السياسية الحزبية.
ثانيا: كان هذا العام استثنائيا على المستوى الدولي من حيث ارتفاع مؤشرات الركود، وتباطؤ النمو الاقتصاديين، والانشغال الدؤوب في الإجراءات الرامية للتقليل من آثار جائحة كورونا.
وقد بذلت الحكومة جهودا كبيرة؛ أسهمت في تأخير انتشار الوباء، ومحاصرته والتخفيف من آثار إجراءات الحجر الصحي على الفقراء والمحتاجين؛ دون أن توقف المشاريع التنموية التي تضمنها البرنامج الانتخابي لفخامة الرئيس؛ بل إن معالي الوزير الأول المهندس إسماعيل بده الشيخ سيديا أكد في إطلالته الإعلامية الأخيرة أن الحكومة، بتوجيهات من فخامة الرئيس، ستجعل من هذه الجائحة الضارة النافعة بتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الغذاء، كما حكومته متقدمة في إصلاح التعليم.
ثالثا: تميزت هذه السنة، لأول مرة في تاريخ البلد، بقبول الأغلبية البرلمانية مشاركة المعارضة في لجنة تحقيق برلمانية؛ مهمتها التحقيق في بعض ملفات العشرية الماضية، وقبلت الحكومة إحالة نتائج التحقيق إلى العدالة؛ الأمر الذي ينتظر أن يسفر عن متابعة بعض المفسدين، وتجريمهم، ومراجعة بعض إجراءاتهم.
وفي نظري أن هذا الأمر بالغ الأهمية في محاربة الفساد؛ لأنه شرع للبرلمان التحقيق في فساد الفترات السابقة على مأموريته؛ لذلك يكون من الإنصاف أن تكون مأمورية البرلمان هذه مأمورية تحقيق في جميع صفقات العشرية وتسييرها، وأن يتجاوز التحقيق العشرية إلى الفترات والحقب الأخرى؛ فيحقق فيها الواحدة تلو الأخرى؛ خاصة أن أغلب المسؤولين الحاليين مارسوا مهامهم في الفترات السابقة، وأن عمر دولتنا قصير بالدرجة التي تمكننا من متابعة ظاهرة الفساد في جميع الحقب والأحكام.
كل ذلك من أجل أن لا تكون متابعتنا لهذه الظاهرة، أو أية ظاهرة أخرى من الظواهر التي تنخر جسم دولتنا، متابعة انتقائية أو انتقامية، وإنما إجراء تصحيحي شامل؛ هدفه استرجاع ما يمكن استرجاعه من ممتلكات المجتمع، ومراجعة ما نستطيع مراجعته من الاتفاقيات والنظم والتنازلات عن حقوق المجتمع للشركات والدول والأفراد.
ويبقى الإشارة إلى أن المفسد غالبا ما لا يترك أثرا لفساده في الوثائق والصفقات؛ لذلك من المهم البحث أيضا في ممتلكاته من أين وجدها أو كيف تمكن من جمعها؟
رابعا: الجو الذي ما زلنا ننعم به، ويزداد حلمنا فيه بغد أفضل لمجتمعنا هو جو الأمن والاستقرار الذي حافظت عليه الحكومة وعززته، والذي نرجو أن توفر كل الأسباب لاستمرار.
وأعني بالأسباب هنا القضاء على كل الظواهر التي يمكن أن تكون جحورا للإرهاب والجريمة، ومنها على سبيل التمثيل لا الحصر:
_ القضاء على البطالة: فمن لا شغل له، ولا يجد دورا يمارسه قد يدفعه الجوع إلى السرقة، وقد تقوده الفاقة إلى الارتهان لتجار المخدرات، أو الخروج مع الجماعات الإرهابية.
_ القضاء على الغبن: ومن الغبن حقيقة أن تكون الدولة بحاجة ماسة إلى المدرسين، وتتعاقد مع آلاف الشباب بظروف أقل من تلك التي توفرها للمواطنين الذين يؤدون نفس الدور بنفس المؤهلات؛ بحجة أن أولئك أساتذة والآخرون يؤدون خدمة، ومن الغبن كذلك أن يكون مكتتب من الجمارك أحسن ظروفا وأكبر دخلا من ضابط من القوات المسلحة مرابط على الحدود، أو أن يكون محاسب تكون سنتين بعد الثانوية أفضل حالا من أستاذ أو طبيب تكونا فترة أفضل والقائمة تطول.
_ جعل المسجد والمحظرة ولاية من ولاية الدولة تنفق عليهما، وعلى رواتب العاملين بهما، وترعاهما حق رعايتهما، وتتحكم في التوجيه والتعليم الذي يصدر منهما.
_ الوقوف بحزم في وجه كل الدعوات القبلية والعنصرية والفئوية.
_ محاربة مخلفات العبودية والفقر بالتعليم والكفالات المدرسية والمنح ليستطيع أبناء الفئات الفقيرة التعلم.
خامسا: لقد ازداد الأمل لدى النخبة السياسية والثقافية والدينية بأن فخامة الرئيس محمد الشيخ الغزواني أقدر على مواجهة كل التحديات الراهنة، وأجدر أن يعلم حدود المعارض والموالي علما يؤسس لحياة سياسية مبنية على تعاون الجميع لبناء المستقبل المنشود؛ وهذا مكسب كبير تحقق خلال السنة الأولى من مأمورية الرئيس الأولى إلى جانب المكاسب سابقة الذكر.
____
(*) مثقف وأكاديمي موريتاني كبير ومدير بيت الشعر في نواكشوط