محمد غلام ولد الحاج الشيخ
الوقت كما يقول الإمام الهروي :(سريع التقضي بطيء التأتي، أبي الرجوع )
مر عام كامل انقضى من ولاية رئيس الجمهورية: السيد محمد ولد الشيخ الغزواني وهو ما يعني نسبة 20% من ولايته.
وليس بالوقت اليسير؛ عام من الأمل، عام من الصراع الداخلي، صراع النظام مع أطرافه، وصراع المعارضة مع إلفها وخطابها.
عام توجست فيه دوائر مختلفة ، وأملت أخرى وترقبت.
يمكن القول بدون مواربة في تقييم الزمن المنقضي إن الأداء في السنة الفارطة لم يكن سلبيا، لكنه لم يكن قطعا عند طموح المشفقين على البلد الطامحين لتغيير الأوضاع وقلب الطاولة على الانماط العتيقة.
إن المراقب لن يجد العناء الكبير - وهو يحسن الظن ويراقب بعدل- في ملاحظة نقاط بارزة من الإيجابيات التي تميزت بها السنة المنتهية ومن أهمها :
1 - إعادة الوقار والاحترام إلى موقع الرئاسة: حيث جلس في الكرسي من لا يلعن الناس، ويلعنونه ويبغضهم ويبغضونه.
ويستطيع المتتبع لخطابات الرئيس أن يتلمس بوضوح احتراما وتقديرا منه لشعبه ، وذلك شرط النجاح الأول لمن يحكم شعبا ما، فلابد من أن يقدر ابناءَه ويحترم رموزه.
ولذلك فإن التواصل مع المعارضة ونزع الفتيل مع رموزها، وإعادة الاعتبار لشخصياتها من قبل الرئاسة (سيدي ولد الشيخ عبد الله أحمد ولدداداه )والتواصل مع أصحاب الملمات والحوائج ، كل ذلك زرع في الناس شعورا بأنهم أمام رئيس تعنيه أمورهم ، ويديرها بشفقة وخُلق كنا أحوج ما نكون إليه ، ظهر ذلك بشكل جلي في حضور الرئيس بخطابات وإجراءات ملموسة أيام ظهور الوباء ، كما أن دوره في القمم التي شهدتها العاصمة نواكشوط أيام حكمه شدت انتباه أهل الجد الذين لم تكن الادوار الاستعراضية للرؤساء تعني لهم شيئا ، وقد اتخذت في تلك الاجتماعات النوعية تمثيلا وجدول أعمال ، خطوات وإجراءات تتعلق بالامن ومكافحة الارهاب والجريمة العابرة كل ذلك برعاية رئيس قد خبر الملف قبل وتابع خباياه كما أنه يحوز ثقة الشركاء.
2 - وطنية وإجماع عيد الاستقلال:
كانت إجراءات عيد الاستقلال تاريخية بكل المقاييس لأن الرئيس الجديد والذي شكك (البعض) في حزمه واستقلاله قرر بحزم أن يحسمبوصلة الحكم وأن يأخذ صلاحياته كاملة غير منقوصة، وذلك من خلال السيطرة المتقنة على الأجهزة الأمنية والعسكرية الأمر الذي أعطىرسالة مهمة بحسم الشعور الطاغي عند البعض بشكلية التغيير وازدواجية مصدر القرار.
3- لجنة التحقيق البرلمانية سابقة وطنية
وهي عمل مهم وتاريخي في بلد مثل موريتانيا، يؤسس لدور مهم للمؤسسات الرقابية المنتخبة من الأمة، وهو إجراء لم يكن قطعا ليتم إلا في"دين الملك" وإرادته، وسوف يضحي سنة وسابقة تشهد بجرجرة المسؤولين أمام ممثلي الشعب وقواه الحية.
ورغم تلك المؤشرات والقرارات الإيجابية فإن المتتبع يمكنه أن يسجل أبرز الاختلالات أو السلوك الذي لا ينسجم مع تطلعات المشفقين من ضياع الوقت وتصرم الزمان،
ويمكن إجمال ذلك في ثلاثية أخرى
⁃ 1 استمرار تكلس الادارة: فلم نلحظ لها من تحسن في أداء مهمتها؛ قربا من المواطن وبسطا للعدل ونشرا للمساواة، بل تعززالخوف بتعيين بعض الأشخاص الذين اشتهروا بالتفاهة وانعدام الأمانة والكفاءة، وتم وضع بعضهم في أماكن حساسة ليس متوقعا أن يعدل فيها أحرى أن يطور.
وقد حافظ مجلس وزراء الجمهورية الاسلامية على بعث ذات الشعور لمواطنيه من الدرجة العاشرة الموسومين بالمعارضة فلم يخطئ في تعيينواحد من الفنيين الكثر المنتسبين للمعارضة، ولو عضوا في سلطة من السلطات، أو مجلس إدارة من الإدارات وهو استمرار لحرمان استمرعقودا، ما لم تكسره السلطة بعدل فسوف يتفاقم شعور أصبح طاغيا بدولة لمخلوقات محددة ..
2-تأخر الإنصاف في المظالم
وهو ظاهر في بعض الملفات الموروثة من العهد السابق، وإن تمت حلحلة بعضها، مثل موضوع رجُلي الاعمال: محمد بوعماتو، ومصطفى ولدالامام الشافعي .. إلا أن مظالم أخرى تتعلق بمؤسسات مجتمع مدني وأملاك خاصة مثل: مركز تكوين العلماء وجامعة عبد الله بن ياسين والتي هي ملك خاص ولا أحقية لأحد في حلها أو مصادرتها مع جمعية الخير التي يتضور 5 آلاف من أيتامها جوعا وعريا وقد قطعت أرزاقهم وووعيد ظلم الايتام مرعب ومخيف .
ولا يمكن بحال للإنسان العادي إلا أن يذكر السيد الرئيس بوجوب رفع الظلم وإزاحة القهر عن المظلوم وكون ذلك أمرًا واجبا شرعا ومفروضاقانونا.
3 - رهان الموقع والاستقلال
نظرا للإمكانيات الذهنية والمعرفية والخبرات التي يتمتع بها السيد الرئيس، فقد كان ومايزال الوطنيون ينتظرون منه إحياءً لمدرسة الرئيس المختار ولد داداه خصوصا في موضوع الحفاظ على السيادة والاستقلال الوطني، والدفاع عن موقع موريتانيا ، وإخراجها من الاندفاع في سياسة المحاور الحدية، التي لا تنسجم مع موقف الحكمة والوسطية، نعم نحن بلد فقير ونحتاج للمساعدة، والودائع التي بحوزة البنك المركزي حيوية جدا لصمود عملتنا وقدرة اقتصادنا على مقاومة العواصف.
لكن نذكر أيضا أن الرئيس المختار ولد داداه عزل وزير ماليته لأنه لم يمتثل أمره برفض المنحة الفرنسية التي كانت أساسية في كل سنة للموازنة الوطنية، تلك الموازنة التي كانت أقل من القليل.
لقد فعل المختار ذلك، لا تعاليا أو شعورا بالغني الكاذب كما يذكر في مذكراته، ولكن لضرورة أن تفهم فرنسا بأننا يمكن ان نستقل عنهاوندير أمرنا من دونها .
ثم إن الخطورة كامنة في أن المحور الذي بيعت له سيادة موريتانيا في العشرية المنصرمة، لا يمتلك العقلية القانونية والفلسفية للاحتلالالفرنسي،
بل هم قوم موتورون، قرروا-بحنق وغطرسة- أن ينتقموا من الشعوب العربية والإسلامية، وأن يدمروا مقدراتها ويجعلوها تدفع ثمنا باهظا لمجرد توقانها إلى الحرية والعدل والتنمية ، ولذلك قام حلف الحرائق ، بإدارة حروب لا هوادة فيها على الأوطان الإسلامية! حيث فكك البنى الاجتماعية زارعا عملاء اشتراهم بالمال وأسقطهم في الوحل الأخلاقي …
والخطر كامن أيضا في أن ذلك الحلف لا يقبل من الدول المندفعة فيه التعاون التقليدي بين الأنظمة والأجهزة المختصة بل يحول مؤسسات تلك الدول التابعة له إلى أوكار يشتري مسؤوليها ويسقطهم أخلاقيا ليصبحوا عملاء أجراء تبعيتهم ليست لدُولهم ومصالحها الاستراتيجية، بل لحفنة العمولات والأوامر التي تصدر إليهم من خارج الحدود؛
فحينما كان خليفة حفتر يتفرس نخبه في موسكو مع فايز السراج ويستعدان للتوقيع على الاتفاق النهائي لوقف إطلاق النار، تدخل محور الفتنة الذي لا يعنيه غير إدامة الحرب والانتقام من الشعب الليبي، فأمر حفتر بالخروج من القاعة وعدم التصديق على الاتفاق فغضب حفتر وأرغى وأزبد ووعد بالتوقيع؛ لأنه كان أعلم بساحة الحرب وقوة اندفاع الثوار وسندهم الشعبي، وفجأة تأتيه الاتصالات من الميدان لتخبره بأن قواد مليشياته القبليين ليسوا معنيين بأي اتفاق يُوقع من دون موافقة المحور المذكور .
نفس الحال حصل مع هادي في اليمن الذي نبشوا تحت أقدامه، وجندوا قادة الوحدات من دونه فبقي وحيدا مطرودا وهو ذات المصير الذي ينتظر كل من يُمكن لهم أو يقبل افتراسهم لبلده….!!
لقد غضب المحور المذكور أيما غضب على ملك المغرب وشنوا حرب تشويه عليه لأنه كان حكيما وشجاعا في التفاعل مع مطالب شعبه، وقرر إشراك الأمة المغربية في إدارة شؤونها، وبذلك خرج من دائرة السوْء التي يتقلب فيها الحكام الذين باعوا مستقبل شعوبهم واستقلال دولهم بفتات محور الاستئصال.
كان المطلوب من ملك المغرب أن يكون اليوم متحصنا في مغارة بين جبال الأطلسي، ودولته مشرذمة، مؤسساتها مستنزفة، وشعبه يتقاتل ، كانت إرادة الحلف هي أن تكون عملة المغرب اليوم منهارة ودعاية الحرب على الاسلام هي ما يقدِّم للآخرين ولأبناء بلده شبيها بالدول الفاشلة وفي مقدمتها نظام السيسي.
أما والمغرب يقطع المشوار نحو الخروج من دائرة العالم الثالث في 2023 فذلك منكر عند محور الحرائق والانتقام .
كنا وما زلنا ننتظر من السيد الرئيس وهو يمتلك المؤهلات اللازمة لذلك أن يدير علاقاتنا بقدر كبير من المهارة الدبلوماسية، وأن يقنع الجميع بأننا نحتاجهم وهم يحتاجون موريتانيا قوية موحدة بعيدا عن الحرائق والمحاور.
وإن الموريتانيين على أتم الاستعداد لعصب الحجارة على بطونهم من أجل وطن يعيش في عافية وانسجام.
⁃ ليس مهما أن نأخذ دراهم ونبني بعضا من البنى التحتية، فقد بنى القذافي "إرم ذات العماد" وشق النهر العظيم ، كما نجح النظام السوري في خلق قاعدة صناعية وزراعية أنتجت الاكتفاء الذاتي في مجالات كثيرة.
وقبلهم شيد جمال عبد الناصر السد العالي وبنى الجيوش الثلاثة لمصر وضرب صدام حسين رحمه الله تعالى تل آبيب بصواريخ الحسين، وأنجز ابن علي في مجال السياحة والتعليم.
وحاز "بن نايف" رضا الدوائر اﻻمريكية في مجال الأمن ومكافحة الارهاب.
لقد ثارت الشعوب على تلك المنجزات لأنها لم تشعر يوما بأنها معنية بها بل شيدت على الإقصاء والإشعار بالدونية والمن والأذى .
وهنا، وبعد عقد من دعاية الانحياز للفقراء والحرب على الفساد، كشفت لجنة التحقيق البرلمانية المستور!!
لن يمنعنا من ذات المصير سوى الخروج من دائرة الحزب الواحد -التي نعيشها عمليا-والزمرة الواحدة التي تُحكم سيطرتها على كل من جلس على الكرسي لتدخله في غيبوبة من الدعاية والمدح-ليتأكد من الخلود، أو عدم المؤاخذة-ثم لا يفيق إلا وقد انتهى الوقت وحاصره الزمن وأحاطت به خيبات الفشل،
لا بد من كسر تلك الحلقة بالنفاذ الى أهل الجد والإخلاص للصالح العام وإشراكهم في خدمة الأمة؛ ارتقاءً بالشعور الوطني وصناعةالإجماع الوطني الذي بدونه لن يتغير الحال ، أو يتجسد الأمل بمستقبل وطني تنموي، عادل، فيه يغاث الناس وفيه يعصرون. وذلك ما نرجو. والله غالب على أمره.
محمد غلام الحاج الشيخ