ممو الخراش (*)
يعيد المنشغلون بالكرة هذه الأيام الأغنية الممجوجة: "هل نحن عرب؟" وينتقون من مواقف بعض العرب ما يناسب المقام، ويستقون التاريخ هذه المرة من الصحف الرياضية، وهنا يطيب لي تبيين ما يلي:
- العروبة موقف حضاري من إرث وجدت نفسك في سياقه، وإن تركته إلى غيره، وتعلقت بأذناب الأغراب، ستبقى في نظرهم غريبا دائما، مهما قدمت لهم من قرابين الولاء والطاعة، وإن كذبت فانظر حال الأفارقة السود، فهم مادة للتسلية في الغرب، وهم - رغم ما يقدمون للغرب - وحوش لا يحق لهم التظاهر في شوارع مرسيليا. يستخدمونهم وإذا انتهت صلاحية أحدهم رموه خارج دائرة الفعل:
"سيطرحك الإنسان خارج داره @ إذا لم يكن فيك العشية طيب"
- العروبة انتماء ثقافي وليس عرقيا، فلا يوجد في عالم اليوم عرق خالص:
"فلا الشرق شرق تماما
ولا الغرب غرب تماما
فإن الهوية مفتوحة للتعدد"
ذلك مفهوم العروبة في كتابات كبار منظريها ومفكريها، ومن يكذب فعليه جلب الأدلة وعلينا استصحاب أدلتنا.
- لا يوجد حزب قومي عربي محلي ولا جمعية ثقافية قومية عربية محلية إلا وله - أو لها - رؤية منصفة تتعلق بحفظ هوية الأقليات، وتدريس لغاتها، وفي المقابل أتحداكم أن تأتوني بكلمة خير مسجلة، أو مصورة، أو مكتوبة، تعزى لحزب قومي زنجي، أو شخصية، أو جمعية، تجاه اللغة الرسمية للبلد، وتجاه هويته الثقافية! (يرفضون اللغة الرسمية العالمة، التي عمرها آلاف السنين، واحتضنت حضارات مشرقة، وسادت العالم قرونا من الزمن، ونعترف بلهجات شعبية لا عمر لها، ولا قواعد، ولم تكن يوما لسانا رسميا لحضارة ضاربة في جذور التاريخ ولا في أغصانه! فأينا العنصري؟.. نعترف بلسان الأقلية، ويرفضون لسان الأكثرية، فأينا العنصري؟.. القوميون العرب أكثر دفاعا عن هويات الزنج من نخبهم المرتبطة بفرنسا، والتي لا تتذكر لغاتها إلا عند الحديث عن اللغة العربية، التي يرونها محوا لهويتهم، ويرون الفرنسية إثباتا لتلك الهوية، فأينا المتناقض؟ يتباهون بديموقراطية الغرب، ويدافعون عن ديموقراطيتنا هنا، ويرفضون اللجوء إلى انتخابات لغوية يشرف عليها من شاء الأطراف المحايدة! فأين الديموقراطي؟)
- أن تكون عربيا لا يتطلب ذلك منك استصدار مستخرج ازدياد موقع من جامعة الدول العربية! ما جامعة الدول العربية؟ ومن أنتم؟ ومن هم؟
أخي الشنقيطي، انتماؤك للعروبة ليس موجها لأحد، ولا ضد أحد، ولا يحتاج تعهدا ولا إفادة حسن سلوك.
- القول إن ما قدمته إفريقيا لموريتانيا أكبر مما قدمته لها الأمة العربية قول سخيف مردود، وخذ مثالا السينغال، ولا تتحدث عما قبل استقلالنا فقد كنا بلدا واحدا، أما بعده فقدمت الكثير من فرص العمل، فربت رؤؤس أموال كبيرة، لكنها أممت ذلك كله في لحظة عابرة، ولم يبق غير ما يتعلق بالدراسة والتكوين، وبإمكانك مقابلته بزورق واحد يأخذ حمولته من أجود أنواع السمك مقابل سعر زهيد هو سعر الكلغ الواحد من أردأ السمك في انواكشوط (حمولة زورق بسعر كلغ).
- ولك هنا أن تتذكر الجزائر والعراق (في التكوين، والسلاح، والدعم المادي) والسعودية وقطر والكويت (في الدعم المادي)... وتتذكر تونس في الدبلوماسية والتكوين، والمغرب في التكوين، ولا تنس سوريا التي تدخلها ببطاقة تعريفك وتختار التخصص المناسب!
- الحقيقة أن الاهتمام اليوم بإفريقيا موقف شعوبي يجتاح بعض اليساريين العرب، وظهيرهما من المنظمات المتزنجة المرتبطة بالغرب، ردا منهم على تنامي الشعور القومي، واستدرارا لضروع الغرب، بعد أن "وقف الحمار في العقبة" وانتهت فرنسة التعليم إلى نتائج يتحدثون جميعا عنها ويرجعونها إلى غير مرجعها.
- نحن لا نعادي إفريقيا لكننا نعرف أوجه الذين وقفوا معنا، والذين وقفوا ضدنا، والتاريخ لا يرحم، وإذا أردنا التحديد أكثر: لا تنسوا طائرات الجزائر التي أنقذت إخوتنا وآباءنا من موت محقق في السينغال، ولا تنسوا صواريخ العراق وخبراءه.
- حاصله أننا عرب، شئنا أم أبينا، نهتز لا شعوريا للأحداث العربية الحمراء، والسوداء، والوردية، ولا نستطيع كتما لذلك، كما لا نريد اعترافا به من أحد، ونعتز بامتدادنا الثقافي الإفريقي، ونسعى للتكامل مع من تجمعنا بهم قواسم مشتركة، قلت أو كثرت، فالهوية عندنا نتاج التفاعل الحالي انطلاقا من الخلفية الأولى، وليست جمودا وانغلاقا:
"والهوية؟ قلت
فقال: دفاع عن الذات
إن الهوية بنت الولادة
لكنها - في النهاية - إبداع صاحبها
لا وراثة ماض"
- شجعوا من شئتم، وخاصموا من شئتم، وأرسلوا سفراء للمغرب يفرج عن الطماطم.
__-
(*) أديب ولغوي موريتاني