محمد يحيي ولد العبقري
حبذا لو بقيتُ ككثير من الوطنيين على مسافة من ما يحصُلُ في الوطن الحبيبِ والذي -والحق يقال-تحاكُ له الدسائس في الدّاخل وفى الخارجِ أيْضا .
الحق أيضا أنني قد لا أكون معنيا إلا من جهة حبّ الوطن وأن عدم المشاركة في السّوء لا يُنْجى لوحده ,فقد نؤاخذُ بفعل السفهاء .
إن الوضع الحالي وإن شئتَ قلتَ الرّاهنَ يشهد تخمة من الخطابات الفئوية التى درج عليها المتخصّصون في إشعال الفتن والذين فيما يبدو يُطلقون العنانَ لأنفسهم في الّذي يلفظون من دون رقيبٍ.
إن كنتُ أنا ومن معي من المهتمين بالشأن العام قد تفطنّا له فما بالك بالذين عُهد إليهم بالأمن ومثلهم رجال السياسة .
نَعَمْ يظن البعضُ أن الديمقراطية رهينة بحريّة الخطاب لكنْ تلك نظرة في الجانب الخاطئ إذ هي تغفلُ عن كون الهدف الأصلي من الديمقراطية هو التنمية وأن الأخيرة لا تتم في جوّ الشحناء والبغضاء الذي يسوّق له البعْضُ.
نحن لا ندعو لكبتِ الحريات ولا لعدمِ التساوي في رزق الله المُعْطى لعباده بل نصبو إلى التنظيم المحكم ما أمكن جلبا للنفع العام ودرْءً للمفسدةِ.
يجري الخطاب الموصوفُ بالفئوي على مرْأي ومسمع من الجميع بل يُخَيَّلُ إلي أنه لكثرة تعاطيه لم يعدْ يحرّك ساكنا بل أصبح مقبولا لدي الجميع بسبب التعوّد الذي يصبحُ معه الفعلُ عادة.
ولأنه(أي الخطاب الفئوي) أصْيَدُ للنّاخبين المبتلين بالحسّ العاطفي بات الوترَ الذي يعزف عليه عشّاقُ التميّزسعْيا لعضوية هيئة أو كسبِ ودٍّ في الدّاخل أو الخارجِ مقابل انتفاعٍ معدود.
هو بهذا المعني أصبح وظيفة تدرّ دخلا لا فرق بينه والرواتب المستحقة وإن يكن من فرقٍ فهو أنه لا يخضع للضريبة ولا تنقص منه القيمة المضافة شيئا.
والأخطر فيه أنك تجد العمل جاريا بغرض تفكيك المكوّن الواحد وفى نفس الوقت محاولة توحيد البعض الآخر على أساس وحدة اللون حتي لو كانت الحضارة مختلفة جذريا.
وقبل فوات الأوان علينا فعلُ شيءٍ, قيل قديما :معظم النّار من مستصغر الشرر وهو مثلٌ شرودٌ .
وإذا لم يكن العمى السياسي و*البلاهة*من وراء إذكاء الفتن فما عسى أن يكون المنطلق الأصلي لهؤلاء؟
ولتدارك هذا الوضع المخيف وفي ظرف متميزٍ أيضا أري أنه علي الجهات المختصة في الجانبين :التنفيذي والتشريعي المبادرة بسنّ القوانين الكفيلة بجعل المصلحة العليا فوق كل اعتبار ,لا يهم هنا من أين تأتي المبادرة:يمكن للحكومة عرض مشاريع القوانين وللجمعية الوطنية أيضا سن القانون طبقا للأشْكالِ المنصوصةِ.
ثم إنه على الخطباء والفصحاء وكل من أدركَ خطورة الوضع أن يقوم بما يستطيع لأن الانتظار لم يعد له أي مبرر وجيه لأن متابعة الإلانة قد تفوّت فرصة تدارك الوضع إن كان التدارك لا يزال ممكنا.
ولأننا نصدر التشريعات في مجال التنظيم الحضري والسلوك العام وغيره فمن باب أولى تقنين ما يحصّن المجتمع ويضمن للأمّة أن تسلم من الانقراض.
والتمس من الذين لا يقاسمونني وجهة النظر المسامحة فالشفيق مولع بسوء الظن .
أدام الله عافيته على الجميع...